43/10/28
الموضوع: الظن/ حجية الإجماع / الإجماع المركب
كان الكلام في نقل جزء السبب كما إذا نُقل إلينا إتفاق بعض الفقهاء فهل يمكن أن يكون ذلك حجة ويستكشف منه الحكم الشرعي أم لا؟
ذكر المحقق الخراساني قده أنه لا مانع من شمول أدلة حجية خبر الواحد لنقل جزء السبب باعتباره نقلاً عن حس فيكون مشمولاً لها، نعم إشترط في شمول الأدلة لنقل جزء السبب أن تكون الملازمة ثابتة عند المنقول إليه ولو بضم عدد آخر من آراء الفقهاء الى ما نقله الناقل بحيث تكون هناك ملازمة بين مجموع ما نقله الناقل وما حصَّله المنقول إليه من جهة وبين الحكم الشرعي من جهة أخرى ، وقال هذا من قبيل نقل خصوصيات السائل التي تُساهم في فهم الجواب ككونه مدنياً والذي يُفهم منه أنَّ الرطل في جواب الإمام عليه السلام هو الرطل المدني، فنقل الخصوصيات وإن لم يكن نقلاً للحكم الشرعي ولا نقلاً لموضوعه إلا أنَّ له الأثر في تشخيص الحكم الشرعي فيكون مشمولاً لأدلة الحجية فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل فالناقل نقل لنا إتفاق عدد من الفقهاء وهو وإن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي ولكن له الأثر في فهم الحكم الشرعي وذلك بضمه الى ما نُحصِّله من اتفاق باقي الفقهاء فتكون هناك ملازمة بينه وبين الحكم الشرعي فلا فرق بينهما من هذه الناحية.
وعليه فالنقل إن كان للسبب التام فهو مشمول لأدلة الحجية لأنَّ الملازمة ثابتة عند المنقول إليه، وإن كان لجزء السبب فهو مشمول أيضاً إذا كانت الملازمة ثابتة بين ما نقله الناقل وما حصله المنقول إليه وبين الحكم الشرعي.
وأورد عليه بعض المعاصرين بالفرق بين نقل جزء السبب وبين نقل خصوصيات السائل فإنَّ الإخبار عن خصوصيات السائل إخبار عن خصوصيات الحكم للملازمة العرفية بينهما فمن يُخبرنا بكون السائل مدنياً بالمطابقة يُخبرنا بأنَّ الرطل في الجواب هو الرطل المدني بالإلتزام فيكون الخبر حجة في مدلوله المطابقي وحجة في مدلوله الالتزامي وهذا إخبار عن موضوع الحكم الشرعي فتشمله أدلة الحجية وأما نقل جزء السبب فليس كذلك لأنَّ الإخبار عن إجماع بعض الفقهاء إخبار عن حدس ولا تشمله أدلة الحجية، فلا يكون المدلول المطابقي لنقل جزء السبب حجة لعدم الملازمة بين نقل فتاوى بعض الفقهاء وبين الحكم الشرعي ولا يكون المدلول الإلتزامي حجة أيضاً لأنه نقل عن حدس، فقياس محل الكلام على ذاك قياس مع الفارق.
ويلاحظ على الإيراد بأنه إن كان المقصود هو التفريق بين الموردين بدعوى وجود الملازمة هناك وعدم وجودها في المقام فجوابه هو أنَّ المحقق الخراساني قده إفترض وجود ملازمة بين جزء السبب وبين الحكم الشرعي مع إشتراط إنضمام الجزء الآخر للسبب التام، وإن كان المقصود هو أنَّ الملازمة هناك عرفية وفي محل الكلام عقلية فلا فرق بينهما من ناحية الحجية بعد الإعتراف بوجود الملازمة لأنَّ الحجية تثبت بملاك الكشف ولا إشكال في أنَّ مقدار الكشف بلحاظ المدلول المطابقي مساوٍ تماماً لمقدار الكشف بلحاظ المدلول الإلتزامي، نعم قد نستشكل في صدق الإخبار على المدلول الإلتزامي لكن الكشف الذي هو ملاك الحجية واحد فيهما فإذا أخبر الثقة عن شيء وكان كلامه كاشفاً عن واقعية ذلك الشيء بدرجة 80% فنفس الدرجة موجودة بلحاظ مدلوله الإلتزامي فلا فرق بين أن يكون الإخبار مدلولاً مطابقياً أو إلتزامياً، كما لا فرق بين أن تكون الملازمة عرفية أو عقلية بعد فرض وجود الملازمة فالتفريق بينهما لا وجه له.
وقد نبه المحقق الخراساني قده على ذلك فذكر أنَّه لا ربط بالتفات المخبِر الى الملازمة أو عدم إلتفاته لها وإنما المهم هو ثبوتها عند المنقول إليه فلو أخبر الراوي أنَّ السائل كان مدنياً من دون إلتفات الى سؤاله فذلك يكفي في ثبوت الملازمة عند المنقول إليه وإثبات الحجية للخبر في مدلوله المطابقي والالتزامي.
هذا تمام الكلام عن الإجماع المنقول بأقسامه الثلاثة نقل السبب التام ونقل الـمُسبَّب ونقل جزء السبب.
الإجماع المركب
ويطلق على معنيين:
المعنى الأول: الإجماع على نفي الإحتمال الثالث، والمراد به أنَّ هناك قولان في مسألة وكل منهما ينفي الإحتمال الثالث فيها كما لو إختلفوا في مسألة فذهب بعضهم الى الوجوب وذهب الآخر الى الإستحباب فكل منهما ينفي الحرمة فيقال أجمع الفقهاء على نفي الحرمة، وهذا إجماع تلفيقي بين القولين.
المعنى الثاني: الإجماع على عدم الفصل، والمراد به إتفاق الفقهاء على اتحاد الحكم في شيئين فإذا دلَّ الدليل على الحكم في أحدهما يكون دليلاً على نفس ذلك الحكم في الآخر للإجماع على عدم الفصل بينهما، فلو فرضنا الإجماع على عدم الفصل بين الصبي والصبية في مسألة ثبوت خيار الفسخ أو عدم ثبوته بعد البلوغ إذا زوجهما الولي فقد اتفقوا على عدم الفصل بينهما فأي حكم يثبت للصبي يثبت للصبية فسواء ثبت خيار الفسخ له أم لم يثبت فلابد أن يثبت نفس الحكم للصبية بالإجماع المركب على عدم الفصل، ولا يمكن أن يختلفا في الحكم بأن يثبت الخيار للصبي ولا يثبت للصبية، فالمجمعون قد يختلفون في تعيين حكم الصبي ولكنهم جميعاً يتفقون على عدم الفصل بينهما.
والإجماع الأول - أي على نفي الثالث - يُتصور على نحوين:
النحو الأول أن يثبت عندهم نفي الثالث بدليل مستقل عن الدليل على الرأي الذي ذهبوا إليه، فالقائلون بالوجوب يثبت عندهم نفي الثالث - أي التحريم - بدليل مستقل عن دليل الوجوب، وكذا القائلون بالإستحباب يثبت عندهم نفي الثالث بدليل مستقل عن دليل الإستحباب، فكل منهما ينفي الثالث بدليل مستقل، فإن كان ذلك كذلك فهو إجماع بسيط وليس إجماعاً مركباً لأنَّ نفي الثالث لم يرتبط بما ذهبوا إليه، فلو لم يكن الدليل على الوجوب تاماً فالدليل على نفي الثالث تام ومستقل، وكذا الكلام في الفريق الآخر الذي ذهب الى الإستحباب، فهذا إجماع بسيط على نفي التحريم.
النحو الثاني أن ينفي كلٌ منهما الثالث بنفس الدليل على مختاره فهو يثبت الوجوب وينفي التحريم بدليل واحد، وكذا من يُثبت الإستحباب ينفي التحريم بدليل واحد وذلك للتضاد بين الأحكام الشرعية فالدليل الدال على أحد الأحكام دال بالضرورة على نفي الآخر، وهذا النحو هو المهم والمقصود بالإجماع على نفي الثالث.
والكلام في أنَّ هذا النحو من الإجماع هل هو حجة أم لا ؟
والجواب عنه لا يكون حجة هذا الإجماع حجة على بعض المباني المتقدمة ويمكن أن يكون حجة على بعضها الآخر، فمثلاً إذا آمنا بقاعدة اللُّطف أو الإجماع الدخولي فيكون الإجماع على نفي الثالث حجة أما بناءً على قاعدة اللطف فيقال لو كان ما اتفقوا عليه - هو نفي الثالث - خلاف الواقع لوجب إظهاره، وأما بناءً على الإجماع الدخولي فمن ضمن المجمعين على نفي الثالث الإمام عليه السلام فيكون حجة.
وأما بناءً على مسلك الملازمة فلا يكون هذا الإجماع حجة وذلك لأننا نعلم بخطأ أحد الرأيين ونفي الثالث وقع في طول إثبات ما ذهبوا إليه فالمصيب هو أحدهما والآخر مخطئ فلا ملازمة حينئذٍ ونفي التحريم يكون ملازماً لما كان ثابتاً في الواقع وهو أحد القولين فلو فرضنا أنَّ الوجوب كان هو الحكم الواقعي فهو ينفي التحريم لكن بمقداره لا بالإجماع لخطأ دليل القول الآخر.
ولا يكون الإجماع حجة حتى بحساب الإحتمالات لأنَّ المفروض أنَّ نصف الفتاوى غير مطابقة للواقع فتضعف بذلك القيم الإحتمالية، وفرق بين القيم الإحتمالية الناشئة من فتاوى مائة فقيه وبين القيم الإحتمالية الناشئة من فتاوى خمسين فقيه، وهذا بمفرده لا ينتج الوصول الى الحكم الشرعي بخلاف فتاوى مائة فقيه الذي ينتج ذلك.
هذا ما يمكن أن يقال بالنسبة الى الإجماع المركب وبه ينتهي الكلام عن بحث الإجماع، ويقع الكلام بعد ذلك في الشهرة والبحث يدور حول حجيتها.