الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الإجماع / الإجماع المنقول/ في نقل الـمُسَبَّب وجزء السبب

كان الكلام في جواب السيد الشهيد قده عن الإشكال على الإعتماد على الإجماع المنقول للوصول الى الحكم الشرعي وهو يرجع الى دعوى وجود ملازمة في مرحلة أسبق من ملاحظة الإجماعات، وليست هذه الملازمة على غرار الملازمات العقلية التي ترجع الى إستحالة الإنفكاك وإنما هي ثابتة بحساب الإحتمالات، وهي قائمة بين إتفاق جميع الفقهاء وبين عدم احتمال أن يكون إتفاقهم ناشئاً من أمر مشترك بينهم اشتركوا فيه صدفة مثل الخطأ في الإستنباط، وذلك لأن لإمكان افتراض أن يكون هناك سبب أدى الى خطأ هذا الفقيه في استنباطه، وكذا يمكن افتراض ذلك في الفقيه الثاني، لكن افتراض ذلك في فتاوى كثير من الفقهاء يكون بعيداً بحساب الإحتمالات لأنه يستبطن افتراض تكرر الصدفة بأن يكون خطأ الأول في الإستنباط اقترن صدفة بخطأ الثاني في الإستنباط واقترن صدفة بخطأ الثالث كذلك.. وهكذا، لكن تكرر ذلك الأمر بالنسبة الى جماعة كبيرة من الفقهاء أمرٌ غير محتمل بحساب الإحتمالات لأنه يعني تكرر الصدفة والاتفاق، أي أنَّ وجود سبب للخطأ في فتوى هذا اقترن بوجود سبب للخطأ في فتوى الفقيه الآخر وهكذا بالنسبة الى الجميع بحيث لم يتخلف واحد من هؤلاء الفقهاء الكثيرين عن الوقوع في نفس الخطأ في الإستنباط الذي وقع فيه الباقون وهذا بعيد جداً بحساب الإحتمالات، وإذا ثبتت الملازمة بين الإجماع وبين حصوله من عامل مشترك كالخطأ في الإستنباط حينئذ نقول أنَّ الإخبار عن الإجماع حساً بالمطابقة يكون إخباراً عن مدلوله الإلتزامي وهو نفي إحتمال إستناد جميع المجمعين الى ما يوجب الخطأ في الإستنباط وهذا يستلزم صحة الفتوى ومطابقتها للواقع ويكون الإخبار حجة في كِلا المدلولين، فبعد نفي إستناد الجميع الى الخطأ في الإستنباط لابد أن يكون أحدهم على الأقل قد أصاب الواقع.

هذا ما ذكره قده للتخلص من الإشكال، هذا كله في المقام الأول وهو نقل السبب التام.

المقام الثاني في نقل الـمُسَبَّب

أي في نقل الحكم الشرعي وذلك بأن يُحصِّل الناقل الإجماع ويستند إليه في معرفة الحكم الشرعي ثم نقل الحكم الشرعي لنا من دون نقل الإجماع، ومن الواضح إنَّ نقل الـمُسَبَّب غير مشمول لأدلة حجية الخبر لأنه نقل عن حدس لا عن حس فلا يُفيدنا نقل الـمُسَبَّب غير ما نستفيده من نقل السبب، ونقل السبب إن كان تاماً عندنا بنحو يوجب الإنتقال الى الحكم الشرعي فيكون نافعاً وأما إذا لم يكن كذلك فلا يكون نقله ذا فائدة، فنقول الإجماع الذي إستند إليه الناقل في نقل الـمُسَبَّب إن كان كافياً عندنا وتمت الملازمة فننتقل الى الـمُسَبَّب ولا أثر لنقل الناقل وإن لم يكن كافياً بنظرنا لم يكن نقل الـمُسَبَّب مجدياً

وعلى كل حال نقل الـمُسَبَّب غير مشمول لأدلة حجية خبر الواحد، فالعمدة هو نقل السبب إذا تمت الملازمة بأحد الوجوه المتقدمة.

 

المقام الثالث في نقل جزء السبب

لنفترض أنَّ السبب التام لاستكشاف رأي المعصوم عليه السلام هو فتوى مائة فقيه مثلاً فلو نقل لنا الفقيه بعض هذه الفتاوى كخمسين مثلاً فهل يترتب على ذلك أثر؟

إستشكل المحقق الأصفهاني قده في حاشيته على الكفاية في ذلك وقال ما هو المقصود من إثبات الحجية لجزء السبب؟

فإن كان المقصود هو إثبات الحجية بلحاظ مدلوله المطابقي وهو فتوى خمسين فقيهاً فليس هذا حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي ولا يترتب عليه الأثر الشرعي لأنه جزء السبب والأثر يترتب على تمام السبب - على تقدير القول الملازمة - فلا معنى لجعل الحجية له.

وإن كان المقصود إثبات الحجية له بلحاظ مدلوله الإلتزامي فعدم الملازمة أوضح لأنَّ الملازمة بين الحكم الشرعي وبين تمام السبب على تقدير القول بها.

وأجابوا عنه: يمكن تصور وجود مدلول إلتزامي لنقل جزء السبب وهو قضية شرطية مفادها (لو إنضم الى العدد الذي نُقل إلينا إتفاقهم باقي السبب لكان له مدلول إلتزامي وهو معرفة الحكم الشرعي) ويمكن الإلتزام بهذه الملازمة وإثبات الأثر الشرعي بنحو مشروط، فتثبت الحجية لهذا الخبر بلحاظ مدلوله الإلتزامي بشرط أن ينضم الى ما نقله الناقل فتاوى باقي الفقهاء.

وبعبارة أخرى: إنَّ الحكم الشرعي وإن لم يكن لازماً للمقدار المنقول ولكنه لازم له على تقدير تحقق الجزء الآخر والمفروض أننا أحرزنا الجزء الآخر فالمدلول الإلتزامي ثابت على هذا التقدير ويمكن بذلك دفع الإشكال.

وإدعى المحقق الخراساني قده في الكفاية شمول أدلة حجية خبر الواحد لنقل جزء السبب بإعتباره خبراً حسياً وقال لابد من ثبوت الملازمة بين المنقول وبين الحكم الشرعي عند المنقول إليه وحينئذ إن كان المنقول هو تمام السبب فهو مشمول لأدلة الخبر، وإن كان المنقول هو جزء السبب فهو مشمول لأدلة الحجية أيضاً لوجود ملازمة بين هذا المنقول وما ينضم إليه من الجزء الآخر من السبب وبين الحكم الشرعي.

وكأنه بذلك أشار الى ما تقدم من الإشكال بأنَّ نقل جزء السبب غير مشمول لأدلة حجية الخبر وأجاب عنه بأنه يترتب عليه الأثر وهو من قبيل نقل خصوصيات السائل مما يكون له تأثير في فهم الحكم الشرعي كما في قضية الرطل فالسائل إذا كان مدنياً وأجاب الإمام عليه السلام بأنَّ الرطل 600 فهذا يُفيد في حمل الجواب على الرطل المدني دون الرطل العراقي - الذي هو ضعف المدني - ومن الواضح أنَّ خصوصية السائل ليست حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي ولكن لها تأثير في فهم الحكم الشرعي، فكما لم يستشكل أحد في شمول أدلة حجية الخبر لهذا النقل فكذلك في محل الكلام، فجزء السبب له دخل في ترتب الأثر الشرعي بهذا البيان وإن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي، فلا مانع من شمول أدلة الحجية له.

وقد يلاحظ عليه بالفرق بين المقامين - أي نقل جزء السبب ونقل خصوصيات السائل - باعتبار أنَّ خصوصية السائل تلازم عرفاً معرفة خصوصية الحكم الشرعي فكون السائل مدنياً يلازم عرفاً كون الرطل في جواب الإمام عليه السلام مدنياً أيضاً، فكأنَّ من يُخبرنا بأنَّ السائل مدني يُخبرنا بأن الرطل في الجواب هو الرطل المدني للملازمة العرفية المشار إليها ، فإن كان ذلك من هذا الباب فيكون ذلك حجة لأنَّ الراوي يُخبرنا بخبر له مدلول مطابقي وهو أنَّ السائل مدني وله مدلول إلتزامي وهو أنَّ الرطل في الجواب مدني، وحيث أنَّ الخبر أمارة فيكون حجة في كِلا مدلوليه المطابقي والالتزامي، وأما في محل الكلام - نقل جزء السبب - فليس كذلك باعتبار أنَّ الإخبار عن الإجماع ليس حجة في مدلوله الإلتزامي لأنه إخبار عن أمر حدسي ولا تشمله أدلة الحجية، ولا في مدلوله المطابقي لأنه ليس إخباراً عن الحكم الشرعي ولا عن موضوع لحكم شرعي، ففرق بين المقامين ولذا لا يتم جواب المحقق الخراساني قده.