43/10/23
الموضوع: الظن/ حجية الإجماع / الإجماع المنقول/ نقل السبب
الإشكال من الجهة الثانية ويمكن تقريبه بتقريبات:
التقريب الأول: إنَّ خبر الواحد حجة في خصوص نقل الحكم الشرعي وليس حجة في نقل الموضوعات وحيث أنَّ المقام هو من نقل الموضوع فلا يكون مشمولاً لأدلة حجية الخبر.
وجوابه: كبروياً هو الإلتزام بحجية خبر الواحد في الموضوعات - كما هو الظاهر - فلا إشكال.
التقريب الثاني: أن يقال يُعتبر في حجيّة الخبر أن يكون إخباراً عن حكم شرعي أو عن موضوعٍ لحكم شرعي وأدلة الحجية شاملة لكل منهما، وأما إذا كان الإخبار لا عن ذلك كالإخبار عن موضوع خارجي فلا يكون حجة فيه، بل يكون التعبد بحجيته لغوٌ ولا يترتب عليه أثر شرعي، ويُدعى أنَّ نقل الإجماع من هذا القبيل أما أنه ليس بحكم فواضح وأما أنه ليس بموضوع لحكم شرعي فكذلك أيضاً لأنَّ الحكم الشرعي المجمع عليه ليس موضوعه إتفاق الفقهاء فلو نُقل لنا إجماع الفقهاء على وجوب الزكاة عند تحقق النصاب أو وجوب الحج عند الإستطاعة فموضوع الحكم هو النصاب والإستطاعة واتفاق الفقهاء ليس موضوعاً لهذا الحكم ولا يترتب عليه ترتب الحكم على موضوعه كما هو واضح، فلا يكون النقل نقلاً لموضوع الحكم الشرعي فلا تشمله أدلة حجية الخبر.
وجوابه هو لا دليل على هذا الإشتراط - أي أن يكون الإخبار عن الحكم الشرعي أو عن موضوعٍ لحكم شرعي - لأنَّ ما يُستدل به عليه هو مسألة اللغوية وعدم ترتب الأثر، ولكن يمكن أن نتصور أنَّ الإخبار ليس عن حكم ولا عن موضوع يترتب عليه الحكم ومع ذلك لا يكون جعل الحجية لغواً وتترتب عليه الفائدة، فكلما كان جعل الحجية ينتهي الى ثمرة وأثر شرعي فهذا يكفي في نفي اللغوية حتى إذا فرضنا أنَّ المخبَر به لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوع لحكم الشرعي، وذلك كما فُرض البناء الملازمة العقلية بين الإجماع وبين الحكم الشرعي فهنا يكون نقل الإجماع حجة لأنَّ الدليل الدال على الإجماع بالدلالة المطابقية يدل على الحكم الشرعي بالدلالة الإلتزامية بمقتضى الملازمة المفروضة، وهذا يعني أنَّ الخبر يمكن أن يكون حجة في مدلوله المطابقي وإن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي لأنه ينتهي الى ثمرة عملية فجعل الحجيّة للخبر الناقل للسبب يُثبتُ الحكم الشرعي باعتبار الملازمة لأنَّ الإخبار عن أحد المتلازمين يكون إخباراً عن الآخر، فلا مانع من شمول أدلة الحجية للخبر الناقل للإجماع ويثبت به لازمه ولا يكون لغواً، ومن هنا يظهر أنَّ اندفاع اللغوية لا ينحصر بأن يكون المخبَر به حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي.
والحاصل أنَّ الأمر الحسي يكون نقله حجة ومشمولاً لأدلة الحجية إذا كان جعل الحجية له ينتهي الى أثر شرعي حتى إذا لم يكن حكماً ولا موضوعاً لحكم كما في محل الكلام إذا قلنا بالملازمة.
وهذا الجواب صحيح كبروياً إلا أنه في محل الكلام - نقل السبب - يتوقف على تسليم الملازمة بين إتفاق الفقهاء وبين الحكم الشرعي ولكن تقدم أنَّ كشف الإجماع عن الحكم الشرعي ليس قائماً على أساس الملازمة العقلية بينهما وإنما هو قائم على أساس حساب الإحتمالات وذلك بتراكم القيم الإحتمالية الى درجة يضمحل معها الإحتمال المخالف تقريباً.
وأما مع إنكار الملازمة فلا يكون الحكم الشرعي مدلولاً إلتزامياً لنقل الإجماع، وهذا يعني أنَّ الدليل الدال على الإجماع بالمطابقة لا يدل على نقل الحكم الشرعي بالإلتزام فيعود إشكال اللغوية ويقال أنَّ جعل الحجية لنقل الإجماع بلا فائدة ولا يترتب عليه أثر شرعي.
نعم لابد من الإلتفات الى أننا وإن أنكرنا الملازمة بين الإجماع وبين الحكم الشرعي لكن هناك ملازمة بين العلم بالإجماع وبين العلم بالحكم الشرعي بناءً على حساب الإحتمالات أيضاً وذلك باعتبار أنَّ العلم بمفردة من مفردات الإجماع يخلق في النفس درجة من إحتمال الخطأ وإذا علمنا بمفردة أخرى وضممنا إحتمال الخطأ فيها الى درجة الإحتمال في المفردة الأولى فلا إشكال في تضاءل نسبة الخطأ فيهما، وهكذا كلما ضممنا فتوى فقيه تضاءل إحتمال الخطأ في المجموع الى أن يصل الى درجة يحصل معها الإطمئنان باحتمال الإصابة فنصل الى إثبات الحكم الشرعي بالعلم أو الإطمئنان، ولكن تطبيق ذلك في محل الكلام مشكل باعتبار أنَّ الملازمة المدعاة هنا بين العلم بالإجماع وبين العلم بالحكم الشرعي والعلم بالإجماع غير الإجماع الثابت تعبداً بخبر الواحد والذي لا يُفيد إلا الظن، فلا يمكن القول في نقل الإجماع إني علمتُ بفتوى هذا الفقيه وإن كان نقل الفقيه حجة ولكنه لا يورث العلم، فنقل الإجماع غير العلم الوجداني بالإجماع والثاني هو الذي يلازم الإصابة بحساب الإحتمالات.
فالخلاصة إن كان المدعى هو الملازمة بين الإجماع وبين الحكم الشرعي فهي غير تامة، وإن كان المدعى هو الملازمة بين العلم بالإجماع وبين العلم بالحكم الشرعي فهي مُسلَّمة ولكن تطبيقها في محل الكلام يواجه الإشكال المتقدم.
قد يقال للتخلص عن هذا الإشكال أنه يمكن التغلب على ذلك بناءً على مسلك الطريقية في جعل الحجية للأمارات فهو يقول إنَّ معنى جعل الحجية للأمارة هو إعتبارها علماً وطريقاً فيكون خبر الواحد علماً تعبداً فإذا كان كذلك فسوف يترتب عليه جميع الآثار المترتبة على العلم الحقيقي الوجداني لأنَّ الغرض من إعتبار الأمارة علماً هو تنزيلها منزلة العلم في ترتيب الآثار، وذلك كتنزيل الطواف منزلة الصلاة فتترتب آثار الصلاة على الطواف بالتنزيل، وهنا تترتب آثار العلم على الأمارة بالتنزيل ومن جملة الآثار المترتبة على العلم الوجداني الحقيقي بالإجماع هو العلم بالحكم الشرعي بحسب الملازمة الثابتة بين العلمين، فنتجاوز المشكلة بالبناء على مسلك الطريقية.
وفيه: أولاً: هناك كلام في أصل هذا المبنى فيتوقف هذا الجواب على قبول هذا المبنى.
وثانياً: يتوقف أيضاً على تسليم شمول أدلة الحجية لمثل هذا النقل، فمسلك الطريقية يفترض الفراغ عن جعل الحجية للظن ويُفسر معنى الجعل الحجية بأنه إعتبار الأمارة علماً فلابد من الفراغ وتسليم شمول أدلة الحجية لنقل الإجماع وأنَّ معناه هو جعله علماً، ويضاف الى ذلك أنَّ معنى تنزيل الشارع الأمارةَ منزلة العلم هو التنزيل بلحاظ ترتيب الآثار الشرعية له فتترتب الآثار الشرعية للمُنزَّل عليه على المنزَّل وليس ناظراً الى ترتيب الآثار التكوينية للمنزَّل عليه فإذا قال مثلاً (الفقاع خمرٌ إستصغره الناس) فقد نزَّل الفقاع منزلة الخمر ولكن ذلك لا يوجب أن تكون آثار الخمر التكوينية ثابتة للفقاع وإنما تثبت له الآثار الشرعية الثابتة للخمر كالحرمة وأما الآثار التكوينية كاللون مثلاً فلا علاقة لها بالتنزيل الشرعي، والمقام من هذا القبيل فالعلم بالحكم الشرعي ليس من الآثار الشرعية للعلم بالإجماع بل هو أثر تكويني خارجي قائم على حساب الإحتمالات، وعليه لا يقال إنَّ الشارع عندما إعتبر الأمارة علماً وجدانياً فسوف تترتب الآثار التكوينية والعقلية الثابتة للعلم بالإجماع على الأمارة القائمة على الإجماع، وإنما الذي يمكن إثباته هو الآثار الشرعية وفي محل الكلام الأثر عقلي تكويني وليس أثراً شرعياً.