الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الإجماع / الإجماع المنقول

الإشكال الثاني: إنَّ غاية ما يُستفاد من إتفاق الفقهاء على حكمٍ هو إستنادهم الى مدركٍ لما إتفقوا عليه وهذا لا ينفعنا في إثبات الحكم لأنه لا يكشف عن وجود رواية صحيحة وصلت إليهم فاستندوا إليها ولم تصل إلينا بل هو غريب إذ لو اعتمدوا على رواية صحيحة لذكروها في كتبهم الإستدلالية والحديثية ومن الصعب إفتراض إنَّ جميع هؤلاء الفقهاء إتفقوا على حكم إستناداً الى رواية معينة من دون أن يُشيروا إليها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى لو فرضنا أننا إستكشفنا ذلك فلا ينفعنا ذلك أيضاً إذ قد تكون الرواية المفروضة صحيحة عندهم سنداً ودلالة ولا تكون صحيحة كذلك عندنا، فإجماعهم لا ينفعنا في شيء.

وجوابه: إنَّ هذا الإشكال غير وارد بحسب ما تقدم من بيان السيد الشهيد قده وذلك باعتبار أنَّ ما نستكشفه من الإجماع ليس هو رواية محددة وإنما هو إرتكاز المتشرعة أو سيرة أصحاب الأئمة عليهم السلام.

الإشكال الثالث: التشكيك في حصول الإجماع، فإن ما وصل إلينا على أحسن التقادير لا يُعبِّر عن فتاوى أصحاب الكتب والآراء إذ ليس لكل فقيه من الفقهاء المتقدمين في عصر الغيبة كتاب تُعرف منه آراؤه وكثير منهم ليس له منابر تُعرف آراؤهم بها، أو كانت لهم كتب ولكنها ضاعت، أو لهم كتب ولكنها لم تشتهر حتى تُعرف آراؤهم، ويكفي في إثبات ذلك مراجعة كتاب الذريعة لمعرفة أنَّ نسبة من نُقلت فتاواهم الى نسبة أصحاب الآراء والفقهاء هي نسبة ضئيلة جداً فكيف نُحصِّل الإجماع؟!

والجواب: يظهر من محاولة السيد الشهيد قده عدم التقيُّد بلفظ (الإجماع) الظاهر في إتفاق الجميع فإنه لم يرد في دليل حتى نتقيد به وإنما المناط هو الكشف عن الإرتكاز أو سيرة في طبقة أصحاب الأئمة عليهم السلام بحساب الإحتمالات، فإذا فرضنا أنَّ العلماء الذين يمكن تحصيل آراؤهم لوصول كتبهم أو لأنهم مشهورون فنُقلت لنا آراؤهم في المسألة هم عدد قليل جداً لا يكشف عن هذا الإرتكاز المطلوب فليس لذلك أثر، ولكن إكتشاف هذا الإرتكاز لا تنحصر معرفته باتفاق جميع الفقهاء فلو فرضنا أنّ عددهم مائة وإتفق منهم أصحاب الرأي والمبرزون وهم الأرقى علماً ومكانة فهذا يكون كاشفاً عن وجود إرتكاز في الطبقة أصحاب الأئمة عليهم السلام، لكن هذا مع فرض عدم وجود من يخالفهم وإلا لم يكن ذلك كاشفاً أيضاً عن الإرتكاز المذكور وسيرة المتشرعة.

هذا تمام الكلام عن الإجماع المحصَّل، وهذا كله بعد افتراض تحقق الإجماع صغروياً ثم نبحث عن كشفه عن الحكم الشرعي كما تقدم في المقام الأول أو كشفه عن الدليل على الحكم الشرعي كما تقدم في المقام الثاني والذي يدخل فيه الكشف عن الإرتكاز المتشرعي في طبقة أصحاب الأئمة عليهم السلام.

 

الإجماع المنقول

وهو نقل فقيه لإجماع الفقهاء، والكلام فيه يكون بعد إفتراض الفراغ عن حجية الإجماع المحصَّل وإلا لما كان في نقل الإجماع فائدة، فهل نقل الإجماع الحجة بخبر الواحد حجة أيضاً بحيث نستكشف منه الحكم الشرعي كما لو حصَّلنا الإجماع بأنفسنا أو لا؟

والكلام تارة يقع في نقل السبب وذلك بأن ينقل الفقيه لنا الكاشف عن الحكم الشرعي وهو إتفاق العلماء ولا ينقل الحكم الشرعي مباشرة.

وأخرى في نقل الحكم الشرعي لنا والكلام يقع في إنطباق موازين الحجية على هذا النقل.

وثالثة في نقل جزء السبب - لا تمام السبب - كما إذا نقل فقيه إتفاق علماء عصرٍ واحد أو إتفاق علماء بلدةٍ واحدة، فهل يمكن التعويل على نقل إتفاق البعض أم لا ، فالكلام يقع في مقامات ثلاثة:

المقام الأول في نقل السبب التام

ثبوت الحكم الشرعي بهذا النقل يتوقف على أمرين:

الأول: أن يكون هذا النقل حجة في إثبات السبب وهو إتفاق الفقهاء.

الثاني: أن تثبت الملازمة بين إتفاق الفقهاء الثابت بالنقل وبين الحكم الشرعي.

فإذا تم هذان الأمران فيمكن إستكشاف الحكم الشرعي اعتماداً على نقل الإجماع، ولكن في كلٍ منهما كلام.

أما الأمر الأول فمرجعه الى ثبوت الإجماع بخبر الواحد، فهل أدلة حجية الخبر تشمل الإخبار عن الإجماع أم هي قاصرة عن الشمول لمثل هذا النقل؟

والإشكال في شمولها له من جهات:

الأولى: أن يقال أنَّ هذا النقل نقلٌ عن حدس لا عن حس وأدلة جية خبر الواحد لا تشمل الإخبارات الحدسية، أما كونه إخباراً حدسياً فباعتبار أنَّ كثير من الإجماعات التي تُدعى ناشئة عن حدس كما يظهر ذلك بالمراجعة، فهناك مسامحات في نقل الإجماع:

فمن ذلك دعوى الإجماع لا لأنَّ الفقهاء إتفقوا على حكم مسألة وإنما لأنهم إتفقوا على كبرى كلية وبحسب نظر الفقيه الناقل إنَّ تطبيق الكبرى على هذا المورد واضح فيدعي إجماعهم على المسألة الجزئية والحال أنهم لم يتفقوا على نفس المسألة الجزئية.

ومن ذلك أن ينقل الإجماع من دون أن يُحصَّله بنفسه وإنما يُحصِّل إتفاق بعض العلماء فيحصَل له القطع بالحكم الشرعي فينقل ذلك بصيغة الإجماع ويقول إتفقوا على كذا.

ومن ذلك أيضاً عدم مراجعة آراء الفقهاء وإنما يُراجع الناقل بعضها ويستكشف منها آراء الباقين وهذا نقل عن حدس، فكثرة هذه المسامحات في نقل الإجماع أدت الى عدم شمول أدلة حجية الخبر لها، نعم ما كان منها نقلاً عن حس فتشمله الأدلة.

وقد يُقال في جوابه إنَّ وظيفتنا هي الأخذ بظاهر الكلام فإذا قال الناقل (أجمع الفقهاء) فهذا نقل للإجماع كما هو الحال في الإخبارات الحسية الأخرى إلا أن يثبت العكس أي يثبت النقل عن حدس وأما مع عدم الدليل على الخلاف فنأخذ بظاهر الكلام، بل لو شككنا في النقل وأنه نقل عن حس أو حدس فالمرجع هو أصالة الحس وهو أصل عقلائي مُسلَّم عندهم فيثبت أنَّ ما نقله لنا هو نقل عن حس فتشمله أدلة حجية خبر الواحد فيثبت الإجماع عندنا كما لو حصَّلنا بأنفسنا.

ولكن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت المسامحات المشار إليها قليلة وأما إذا كانت كثيرة كما ذكر الشيخ الأنصاري قده فهذا يمنع من شمول أدلة الحجية لها، بمعنى أنَّ الإجماعات المنقولة التي ثبتَ فيها التسامح إذا كانت كثيرة واستبعدناها حصلَ لدينا في الباقي - نتيجة كثرة المسامحات - علم إجمالي بوقوع المسامحة في بعض الباقي أيضاً، فكأنه حصل لدينا علم تفصيلي بالمسامحات في جملة من نقول الإجماع مع علم إجمالي في البعض الباقي، ومع وجود علم إجمالي في الباقي كيف يمكن الرجوع الى أصالة الحس؟

فالجواب يصح إذا المسامحات قليلة وأما إذا كانت كثيرة كما هو المدعى فلا يكون تاماً، فالإشكال هو في كيفية إثبات تحقق الإجماع إعتماداً على نقل هذا الفقيه مع إحتمال كونه نقلاً حدسياً.

الجهة الثانية: أنَّ أدلة حجية خبر الواحد لا تشمل مثل هذا النقل باعتبارها مختصة بخصوص الإخبار عن الحكم الشرعي ولا تشمل الإخبار عن الموضوعات والإجماع موضوع من الموضوعات الشرعية فلا يكون مشمولاً لأدلة الحجية.