الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الإجماع / مباني حجية الإجماع

الفكرة التي تقدمت هي أنَّ ما يحصل نتيجة التواتر أو الإجماع من الوصول الى النتيجة ليس قائماً على أساس الملازمة بين التواتر وبين صحة الخبر وبين الإجماع وبين ثبوت الحكم الشرعي، وإنما هو قائم على اساس حساب الإحتمالات بالتطبيق المتقدم، مع الإعتراف بأنَّ التطبيق في باب الأخبار الحسية يختلف عن التطبيق في باب الأخبار الحدسية ولذا يكون الوصول الى النتيجة يكون أبطأ في الأخبار الحدسية منه في الأخبار الحسية فإنه يكون أسرع فيها إذا تمت مقدماته وشرائطه.

وهذا لا يبرر المنع من تطبيق الفكرة على الأخبار الحدسية لوضوح أنَّ فيها إحتمال للخطأ ويكون عادة أكبر منه في الأخبار الحسية، فلو فرضنا أنَّ إحتمال عدم الإصابة في الأخبار الحسية 50% فليكن في الأخبار الحدسية 70% ولكن إحتمال الخطأ في خبرٍ حدسي واحد - وهي فتوى فقيه - أكبر من إحتمال الخطأ في فتوى فقيهين، وأكبر من إحتمال الخطأ في ثلاثة فقهاء، وهكذا يتضاءل إحتمال الخطأ كلما ازداد العدد، وقد يصل الى الصفر ويتنامى إحتمال إصابة الحكم الشرعي، فالفكرة تُطبق في كل منهما مع هذا الفارق وهو أمرٌ واضح يمكن أن يُعزى الى أسباب منها وجود ضعف في الأخبار الحدسية يوجب البطء في الوصول الى النتيجة بالقياس الى الأخبار الحدسية، ومن جملة ذلك:

    1. أن أسباب الخطأ في الأخبار الحدسية أكثر عادة من أسباب الخطأ في الأخبار الحسية وهذا يعني أنَّ إحتمال الإشتباه والخطأ في الحدس أكثر منه في الحس، فيُحتمل في فتوى الفقيه أنه أخطأ في فهم الرواية أو أخطأ في سندها أو أخطأ في فهم وجود معارض لها..الخ فبطبيعة الحال ستكون القيمة الإحتمالية للخطأ كبيرة، وهذا ما لا نجده في الخبر الحسي فإنَّ أسبابه محدودة مرتبطة بالحواس فإحتمال الخطأ يكون أقل فيه بطبيعة الحال.

ومن هنا تتأثر كاشفية الإجماع عن الحكم الشرعي بقرب الفتاوى الى الحس وبعدها عنه فكلما كانت الفتاوى قريبة من الحس كانت عملية الوصول الى النتيجة أسرع، وكلما كانت الفتاوى إجتهادية صرفة تعتمد على إعمال النظر فقط وتبتعد عن الحس كلما كان الوصول الى النتيجة أبطأ.

    2. لا يحتمل في الأخبار الحسية دخالة تأثير إخبار البعض في إخبار البعض الآخر بينما هذا واضح في الأخبار الحدسية، فيقع الفقيه تحت تأثير فقيه آخر وهذا ما يساهم في أن يكون إحتمال الخطأ أكبر في الأخبار الحدسية، كما قالوا في تأثر الفقهاء بفتاوى الشيخ الطوسي قده فلا تُعطي فتاواهم قيمة إحتمالية للإصابة بمقدار ما تعطيه فتاواهم في حال عدم وقوعهم تحت تأثير فتوى فقيه آخر حيث تكون القيمة الإحتمالية للإصابة أكبر.

    3. إنَّ المقتضى للإصابة في الأخبار الحسية محرز عادة وهو سلامة الباصرة والسامعة وإنما الكلام في وجود المانع من الرؤية أو السماع الصحيحين، بينما الشك في الأخبار الحدسية يكون في أصل المقتضي إذ يحتمل أنَّ الفقيه أخطأ في استنباطه وهو يعني عدم إحراز المقتضي للإصابة.

وهناك فوارق أخرى ذكرها السيد الشهيد قده نكتفي منها بهذا المقدار لبيان هذا الأمر المحسوس بالوجدان عادة.

نعم حساب الإحتمالات في الإجماع يتأثر بعوامل عديدة ترتبط بنوعية المجمعين وزمانهم وكيفية التعبير عن الإجماع، فلابد من ملاحظتها:

العامل الأول نوعية العلماء المجمعين من الناحية العلمية ومن ناحية قربهم من عصر النص، فكلما كان مستوى العلماء أرقى وكانوا أقرب من عصر النص كلما كان إجماعهم له قيمة أكبر من إجماع من هم أبعد من عصر النص وأقل في المستوى العلمي.

العامل الثاني طبيعة المسألة المجمع عليها وكونها من المسائل التي يُترقب ورود النص فيها أو لا يترقب فيها ذلك فإنَّ الإجماع في النحو الثاني يكون اجتهادياً صرفاً بخلاف ما إذا كانت المسألة يُترقب ورود النص فيها واستناد المجمعين اليه مما يعطي قيمة إحتمالية أكبر للإصابة مما إذا كانت المسألة لا يُترقب ورود النص فيها.

العامل الثالث درجة الإبتلاء بالمسألة التي أجمعوا على حكمها فإنها إن كانت إبتلائية وعامة أمكن القول أنَّ الحكم المجمع عليه لو لم يكن هو الحكم الواقعي لكان اللازم أن يشيع الحكم الواقعي بين الناس ومع عدم شيوعه يقرب أن يكون الحكم المجمع عليه هو الحكم الواقعي، وهذا بخلاف المسألة غير الإبتلائية فيمكن أن يكون الحكم المجمع عليه غير الحكم الواقعي ومع ذلك لا يشيع الحكم الواقعي لقلة الإبتلاء به.

العامل الرابع لحن كلام المجمعين ولذا فرق الفقهاء بين عبارات الإجماع نحو ( بلا خلاف ، إتفقوا ، أجمعوا ) ونحوها مما يكشف عن إتفاق جميع الفقهاء أو قسم منهم أو عدم التعبير عن الإتفاق الكامل.

ولابد أيضاً من ملاحظة كلام المجمعين فقد يظهر منها إحتمال ارتباط موقفهم بمدارك نظرية موهونة بحسب نظرنا مما يقلل من القيمة الإحتمالية لإصابة الحكم الشرعي في هذا الإجماع.

هذا هو تطبيق فكرة حساب الإحتمالات على الإجماع.

المسلك الرابع في حجية الإجماع هو قائم على التعبد الشرعي ووجود دليل شرعي على أنَّ الإجماع يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي، وهذا الدعوى موجودة غالباً عند العامة ويُستدل لها بحديث (لا تجتمع أمتي على ضلالة) أو (على خطأ) على إختلاف في الألسنة، وذلك باعتبار أنَّ النبي صلى الله عليه وآله يشهد بعصمة هذه الأمة في حال إتفقت على شيء فيستكشف من إتفاق الأمة ثبوت الحكم الشرعي على أساس التعبد الشرعي.

وفيه مناقشات:

الأولى: أنَّ هذا الحديث يدل على عصمة الأمة بما فيهم المعصوم فلابد أن يكون هو الحق ويكون كاشفاً عن الحكم الشرعي، وأما إذا إتفقت من دون المعصوم فليس هذا إتفاق للأمة، على أنَّ إتفاق الأمة غير إتفاق الفقهاء.

قد يناقش في ذلك ويقال أنَ الحديث دال على عصمة الأمة باعتباره ظاهراً في نظره الى كل فرد من الأمة يُحتمل فيه الضلالة فيكون المعصوم خارجاً عن ذلك فالحديث ناظر الى غير المعصوم فإذا إتفق من يُحتمل في حقه الضلالة فهذا الإتفاق يكون على الحق وإن لم يدخل فيهم المعصوم.

والصحيح في الجواب هو أن نقول أنَّ المقصود بالأمة في الحديث تارة يكون هو المعنى الدقيق للأمة بمعنى جميع أفرادها بدون إستثناء أحد منهم فعلى هذا التقدير تكون المناقشة السابقة واردة وأنَّ في ضمنهم المعصوم عليه السلام فيكون حجة ، وأخرى يكون المقصود هو المعنى العرفي للأمة والذي يصدق حتى مع خروج جماعة قليلة من الأمة فبناءً عليه لا تكون المناقشة تامة.

الثانية: أنَّ هذا الحديث يقول (لا تجتمع أمتي على ضلالة) ولم يقل (على خطأ) وفرق بين الضلالة وبين الخطأ فالأمة قد تجتمع على خطأ ولا يكون ذلك ضلالاً بالضرورة والذي ينفع في مقام الإستدلال هو نفي الإجتماع على الخطأ، وعليه لا يكون الحديث دالة على حجية الإجماع.

الثالثة: أن متن الحديث نقل عند العامة على نحوين (لا تجتمع أمتي على ضلالة) و (لا تجتمعوا على ضلالة) والثاني لا دلالة فيه لأنه نهي عن الإجتماع على الضلالة وليس دالاً على العصمة بخلاف الأول فإنه إخبار عن عدم اجتماع الأمة على ضلالة فيستفاد منها العصمة.

الرابعة: المناقشة السندية فهذا الحديث لم ينقل إلا عند العامة وفي طرقهم خدشة هم ذكروها، فقد طعنوا على بعض رجال أسانيد هذا الحديث.

وبهذا ينتهي الكلام في المقام الأول وهو كيفية كشف الإجماع عن الحكم الشرعي مباشرة، وهذا كله بعد الفراغ عن إفتراض تحقق الإجماع صغروياً.

المقام الثاني في كشف الإجماع عن الدليل المعتبر على الحكم الشرعي.