الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية قول اللغوي/

كان الكلام فيما ذُكر في تقريرات المحقق النائيني قده من أنه إذا حصل الوثوق من قول اللغوي بمعنى اللفظ فهل يوجب هذا إنعقاد الظهور في الكلام الذي إستعمل فيه اللفظ أو لا ؟

تبين مما تقدم أنه إذا فرضنا حصول العلم أو الإطمئنان بأن معنى هذا اللفظ ( الأسد ) هو الحيوان المفترس فهذا يوجب إنعقاد الظهور لأنَّ المقصود بالظهور هو أنَّ المعنى مراد للمتكلم جداً وهو الذي يترتب عليه الأثر ، وأما إذا فرضنا أنه لم يحصل إلا الظن فهذا لا يوجب إنعقاد الظهور لأنَّ غاية ما يترتب عليه هو الظن بمراد المتكلم وهذا لا ينفع في إثبات الظهور الذي هو موضوع الحجية ، ولا دليل على حجية هذا الظن بل حجيته هي محل الكلام ، فإن أراد الأول فالكلام يكون تاماً وإلا فلا يكون تاماً.

هذا كله إذا كان قول اللغوي في تشخيص الأوضاع اللغوية وأما إذا كان قوله في نقل موارد الإستعمال فعدم إنعقاد الظهور يكون أوضح لأنَّ غاية ما يُفيده هو أنَّ هذا اللفظ إستعمل في هذا المعنى ، نعم إذا فرضنا أنَّ الظن الحاصل كان حجة شرعاً فيمكن القول أنه حجة في تشخيص مراد المتكلم إلا أنه مجرد فرض لأنَّ الكلام في حجية قول اللغوي وقبل الفراغ من إثباتها وهذا يعني أنَّ هذا الظن لم تثبت حجيته بعد فلا يمكن التعويل عليه في تشخيص الظهور ثم ترتيب الأثر على هذا الظهور.

والحاصل: أنَّ الظن الحاصل من قول اللغوي لا يُدرج المورد في كبرى حجية الظهور بل أقصاه حصول الظن بأن المراد هو هذا المعنى ولا دخل لذلك في إنعقاد الظهور.

اشكال آخر:

اُشكل على حجية قول اللغوي من جهة أخرى وحاصلها عدم ترتب الثمرة العملية على جعل الحجية لقول اللغوي فيكون جعلها لغو فلا تثبت الحجية لقوله ، وتوضيحه:

إنَّ الأثر الشرعي - وهو الحجية - موضوعه هو مراد المتكلم وليس موضوعه هو الموضوع له اللفظ ، فلابد من إثبات أنَّ الموضوع له اللفظ هو مراد المتكلم حتى تثبت له الحجية ، واللغوي يُخبر عن الأوضاع اللغوية ولا يُخبر عن مراد المتكلم ، نعم لو كان مراد المتكلم من اللوازم العرفية الواضحة لكون اللفظ موضوعاً لهذا المعنى فيمكن أن نقول أنَّ الإخبار عن الملزوم يكون إخباراً عن لازمه وهذا كالملازمة العرفية بين الإخبار عن مجيء زيد والإخبار عن حياته فمن أخبرنا بمجيئه كأنه أخبرنا بخبرين الملزوم واللازم فيصدق أنه أخبر عن اللازم كما يصدق أنه أخبر عن الملزوم ، لكن ذلك في الملازمة العرفية الواضحة وليست كذلك في محل الكلام إذ لا ملازمة بين كون اللفظ موضوعاً لمعنى وبين كونه مراداً للمتكلم ، وإثبات أنَّه مراد للمتكلم يحتاج الى طي مقدمات مما يجعل الملازمة غير عرفية ولا واضحة ، أما المقدمات فيقال أنَّ المتكلم إستعمل هذا اللفظ في هذا المعنى واللغوي أخبرنا أنَّ هذا المعنى هو الموضوع له اللفظ وهذا الإستعمال كان مجرداً عن القرينة وأنَّ المتكلم في مقام البيان وبعد ذلك نُثبت أنَّ ما يُريده هو هذا المعنى ، فالملازمة إن وجدت فهي غير عرفية ، فإخبار اللغوي عن الوضع اللغوي لا يكون إخباراً عن مراد المتكلم إذا إستعمل هذا اللفظ في كلامه ، واللغوي يُخبر بالوضع اللغوي لكنه ليس موضوعاً للأثر الشرعي وما هو موضوع الأثر الشرعي لا يخبر عنه اللغوي فأي فائدة من جعل الحجية لقول اللغوي ؟!

بل لو تنزلنا وفرضنا أنَّ هناك ملازمة عرفية وكان إخبار اللغوي عن الوضع اللغوي أخبار عن مراد المتكلم ولكن ما هو الدليل على حجية قول اللغوي في جميع ما يقوله ؟ فغاية ما ثبت هو حجية قوله في الأوضاع اللغوية لا غير وأما ما عداه فبحاجة الى دليل لإثبات حجيته.

والحاصل: أنَّ ما يترتب عليه الأثر إنما هو تشخيص مراد المتكلم والظهور وما يثبت بقول اللغوي إذا كان حجة هو تعيين المعنى الموضوع له اللفظ وهو لا ينفع ولا تترتب عليه ثمرة عملية فما معنى جعل الحجية لقول اللغوي وهل هو إلا تعبد لغو!

وقد يقال: إنَّ المدلول المطابقي لقول اللغوي وإن كان هو تشخيص الوضع اللغوي ولكن مدلوله إلتزامي هو تعيين مراد المتكلم فإنَّ لازم كون ( الصعيد ) موضوعاً للتراب الخالص هو أنَّ الصعيد في الآية يُراد به التراب الخالص فلمَ لا يكون قول اللغوي حجة في كِلا المدلولين ويثبت بهذا مراد المتكلم ؟

لكن هذا تكرار للإشكال السابق وجوابه من وجه آخر:

إنَّ هذا الكلام يمكن إتمامه في حالة واحدة وهي ما إذا فرضنا أنَّ الدليل على حجية قول اللغوي كان دليلاً خاصاً به وذلك في قبال عدم وجود دليل خاص على حجية قوله كما هو الصحيح وإنما الدليل هو حجية قول أهل الخبرة ومنهم اللغوي فيقال في الجواب لو كان هناك دليل خاص بقول اللغوي لتم ما ذكر إذ لابد من الإلتزام بحجية قوله في مدلوليه المطابقي والالتزامي حتى تترتب فائدة على الدليل الخاص الدال على حجية قول اللغوي وتنتفي عنه اللغوية وأما لو كانت الحجية مختصة بإخباره عن الوضع اللغوي فلا تكون له فائدة لأنه ليس موضوع الأثر الشرعي فلأجل صون كلام المتكلم الحكيم عن اللغوية لابد من الإلتزام بأن قوله حجة حتى في مدلوله الإلتزامي وبذلك تظهر ثمرة عملية لجعل الحجية لقول اللغوي ، فالإشكال يتم إذا فرض الدليل الخاص على حجية قول اللغوي وأما إذا لم يكن كذلك وكان الدليل دال على حجية قول أهل الخبرة ومنهم اللغوي فمن الواضح أنَّ الإلتزام بعدم حجية قول اللغوي في مدلوله الإلتزامي لا يلزم منه لغوية ذلك الدليل لعمومه لكل الخبراء وإمكان إستثناء قول اللغوي منه ، فهذا الكلام غير تام.

وقد يجاب عنه أيضاً بما تقدم من أنَّ قول اللغوي قد يكون منشأً لإنعقاد الظهور وإذا إنعقد الظهور ثبت موضوع الحجية ويترتب عليها الأثر.

وفيه: إن كان المقصود حصول الاطمئنان والوثوق بمراد المتكلم فلا إشكال في استقرار هذا الظهور وحجيته ودخوله في كبرى حجية الظهور ، بل تقدم أنه لا موجب لتوسيط قول اللغوي ويكفي في إثبات الحجية الأدلة العامة الدالة على حجية الإطمئنان ، وإنما يكون لقول اللغوي دخل إذا لم يحصل الإطمئنان وحصل الظن بمراد المتكلم وهذا لا يكون سبباً لإنعقاد الظهور ودخول الكلام في كبرى حجية الظهور حتى يُتعقل جعل الحجية له ، فلا ثمرة عملية على تعيين الموضوع له فلا يصح جعل الحجية لقول اللغوي بلحاظها بل هو أمر لغو وبلا فائدة ، هذا هو الإشكال.

والجواب عنه: هو أنَّ حجية الأمارة - بشكل عام - في مدلولها الإلتزامي ليس مستنداً الى لزوم اللغوية في دليل الحجية حتى يُفرق بين كون الدليل خاصاً بقول اللغوي فتلزم اللغوية وبين كونه عاماً فلا تلزم بل الصحيح هو أنَّ الدليل على حجية الأمارة في مدلولها الإلتزامي كما هي حجة في مدلولها المطابقي - أي أنَّ مثبتات الأمارات حجة - هو أنَّ نسبة الدليل الدال على حجية الأمارة الى كل من مدلولها المطابقي والالتزامي نسبة واحدة فإذا دلّ الدليل على الحجية فهو يدل عليها فيهما معاً وإن لم يدل على الحجية فلا يدل عليها فيهما معاً ، وأما التفريق في الحجية بين المدلول المطابقي والمدلول الإلتزامي فلا وجه له والسر فيه هو أنَّ الأمارة تكون حجة في مدلولها المطابقي باعتبار الكاشفية عن الواقع فيجعل الشارع لها الحجية لهذا الكشف ، وهذا الميزان لا يُفرق فيه بين المدلول المطابقي والمدلول الإلتزامي ، فالأمارة عندما تخبر عن شيء بمدلولها المطابقي فنسبة إحتمال المطابقة للواقع هي نفسها تكون ثابتة بلحاظ إخبارها عن المدلول الإلتزامي ودرجة الكشف فيهما واحدة ، وإذا كانت الكاشفية هي الميزان في جعل الحجية للأمارة فهي توجب حجية الأمارة في مدلولها المطابقي والالتزامي على السواء وإذا كان هذا هو الميزان في حجية الأمارة فلا ينبغي التفريق بين أن يكون الدليل الدال على الحجية خاصاً أو يكون عاماً.