43/08/16
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر/الظهور الذاتي والظهور النوعي/موضوع الحجية وطرق تحديده
كان الكلام متفرعاً على ما هو الصحيح من أنَّ موضوع الحجية هو الظهور النوعي الموضوعي وطُرح السؤال عن فرض احتمال اختلاف الظهور النوعي في زمان النص عن الظهور النوعي في زماننا الحاضر فكيف يمكن لنا إثبات الظهور النوعي لهذا الكلام في عصر صدور النص وغاية ما يمكن أن نحرزه هو الظهور الذاتي أي التبادر ونثبت به الظهور النوعي في زماننا ولكنه ليس هو موضوع الحجية وإنما موضوعها هو الظهور الموضوعي في زمن الصدور ؟
هذا السؤال يعني احتمال تبدل النظام اللغوي وحصول النقل ولذا قالوا يمكن الجواب عنه بالتمسك بأصالة عدم النقل أو أصالة الثبات في اللغة فإذا ثبت لهذا الكلام ظهور نوعي الآن فبأصالة الثبات يثبت أنه كذلك في زمان صدور النص.
وقلنا يُستدل على هذا الأصل تارة بالسيرة العقلائية وأخرى بسيرة المتشرعة وهي العمدة ، فقد يستبعد إنعقاد سيرة للعقلاء على أصالة عدم النقل باعتبار قلة تبدل الظهور بالنسبة إليهم فهم يعملون بالظهور لأنهم يطمئنون بأنَّ هذا الظهور هو الموجود في الزمان السابق ، أو قل لا يُبتلى العقلاء بمثل ما يُبتلى به المتشرعة لأنَّ عندنا نصوص وردت إلينا من زمان سابق ونريد العمل بها فيأتي إحتمال التبدل في اللغة ولا يوجد مثل ذلك عند العقلاء وإن عَرض لهم شيء من هذا القبيل فهو نادر جداً والمطلوب منهم هو العمل بالظهور النوعي الحاصل في زمانهم فلا حاجة عندهم لإثبات وجود هذا الظهور قبل ألف سنة مثلاً ولذا من الصعب جداً القول بأنَّ بناء العقلاء إستقر على عدم النقل فهذه الندرة تمنع من إنعقاد السيرة على ذلك ، فالعمدة هو سيرة المتشرعة باعتبار أنَّ المتشرعة من أصحاب الأئمة المتأخرين في أنهم كانوا يعملون بظواهر الكلام والنصوص الواصلة إليهم عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة المتقدمين عليهم السلام بلا إشكال مع أنَّ الفترة بينهم تزيد على قرنين ونصف ، وهذه الفترة كانت حافلة بالمتغيرات الثقافية والفكرية مما يحتمل أن تكون مؤثرة في تبدل النظام اللغوي خصوصاً بعد دخول الترجمة اليهم ومع ذلك نجد أن المتشرعة المتأخرين لا يتوقفون عن الأخذ بظاهر هذه النصوص الواصلة إليهم مع أنهم يحتملون التغيير إحتمالاً متعد به - وهذا لابد من فرضه - .
وإذا فُرض عدم قبول هذا التقريب وادُعي أنَّ هؤلاء المتشرعة يعملون بظهور النصوص الواردة إليهم مع عدم الإلتفات الى إحتمال التغيُّر وحينئذٍ لا يمكن الإستدلال بهذه السيرة على أصالة عدم النقل لأنهم لم يعملوا بظواهر هذه النصوص إعتماداً على أصالة عدم النقل وإنما كانوا يعملون مع اطمئنانهم أو جزمهم بعدم التغيير فلا يكون عملهم دليلاً على حجية أصالة عدم النقل.
والجواب أنَّ إحتمال التبدل والتغيير موجود لأنهم يلاحظون تبدل الكثير من المفردات والجمل التي كانت ظاهرة في معنى واصبحت ظاهرة في معاني أخرى ومن ذلك تبدل مفردة الرأي - لو فرض - التي لها معنى في لغة وأصبح لها معنى آخر ظاهر في مدرسة مقابلة لمدرسة أهل البيت عليه السلام تُسمى بمدرسة الرأي ، فهم يحتملون التبدل والتغيير ويعملون بظواهر النصوص الواصلة إليهم إعتماداً على أصالة عدم النقل ولذا يصح الإستدلال بسيرة المتشرعة ، ولو نوقش في ذلك وأنَّ عملهم كان على أساس الغفلة عن التبدل فالجواب عنه إنَّ عملهم وإن كان ناشئاً من غفلة عن التبدل إلا أنه كان بمرأى ومسمع من المعصوم عليه السلام فلو فرضنا عدم حجية أصالة عدم النقل وكان بناء المتشرعة مع الغفلة ومع وجود إحتمال التبدل في اللغة واقعاً فلا بد من الردع عنه لأنه يُعرض أغراض الشارع للخطر فسكوت الإمام يكون كاشفاً عن الإمضاء فيثبت بذلك أنَّ ظواهر النصوص المتقدمة زماناً حجة في زمانهم ويمكن التعويل عليها لاستكشاف مراد الشارع الواقعي ، هذا ما يمكن أن يجاب به عن هذا السؤال.
وليس المراد هنا إثبات إمضاء الشارع لأصالة عدم النقل بهذا العنوان وإنما يمكن القول أنَّ الشارع أمضى نتيجة أصالة عدم النقل وهو العمل بظواهر النصوص الواصلة من الزمان السابق وهذا يكفي في إثبات المطلوب ، وعليه نقول أنَّ النص الوارد إلينا إذا كان ظاهراً ظهوراً نوعياً في معنى فهو حجة ونستكشف به مراد الشارع كما استكشف المتشرعة المتأخرون مراد الشارع من ظهور النصوص الواصلة إليهم من الأئمة المتقدمين.
فإذا تم الإستدلال على هذا الأصل فيقال إنَّ هذا الأصل إنما يجري عند الشك في أصل النقل والتغيُّر فلو وصلنا كلام وكان ظاهراً ظهوراً نوعياً في معنى واحتملنا فيه التغيُّر بأن يكون ظاهراً في معنى آخر فهنا تجري أصالة عدم النقل ، وأما إذا علمنا بالنقل وشككنا في زمانه فهنا قالوا لا تجري أصالة عدم النقل ، فشرط جريانها هو أن يكون الشك في أصل النقل ، فإذا علمنا بنقل لفظ الصلاة من معانها اللغوي الى المعنى الجديد - وهو الصلاة الشرعية - ولكن لا نعلم بزمان هذا النقل فهل تم في زمان الشارع فتثبت الحقيقة الشرعية أم حدث في أزمنة متأخرة فلا تثبت الحقيقة الشرعية، فأصل النقل هنا محرز فلا تجري أصالة عدم النقل والسر فيه واضح وهو أنَّ منشأ هذا الأصل هو استبعاد النقل والتغيُّر في النظام اللغوي وهذا إنما ينفع عند إحتمال النقل فنقول النقل حالة نادرة فنستبعدها ، وأما إذا علمنا بتحقق النقل لكن شككنا في تاريخه فهنا لا يوجد بناء من قبل العقلاء ولا عمل من قبل المتشرعة على أصالة عدم النقل.
وعلى تقدير التشكيك في هذا الأصل بدعوى عدم وضوح الدليل عليه فطرح بعضهم فكرة التعويض عن أصالة عدم النقل بالإستصحاب فيقال في مورد الشك في أصل النقل إذا كان هذا اللفظ ظاهراً ظهوراً نوعياً في معنى واحتملنا أنه لم يكن ظاهراً فيه في زمان صدوره - أي إحتملنا النقل الى ما هو ظاهر فيه الآن - فحينئذٍ يمكن الإستغناء عن أصالة عدم النقل واستصحاب بقاء الدلالة على المعنى اللغوي وذلك باعتبار أننا على يقين منها ونشك في بقائها أو تبدلها فنستصحب بقاءها على حالها.
ولكن هذا الإستغناء غير واضح وذلك باعتبار أنَّ هذا الإستصحاب يمكن أن يُقرب بتقريبين:
التقريب الأول: إستصحاب العلقة الوضعية في اللفظ فإن قُرِّب بهذا الشكل فيمكن المنع من جريانه بقطع النظر عن تمامية أركانه بإعتبار أنَّ المستصحب في المقام ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي حتى يجري فيه الإستصحاب والمعتبر في جريان الإستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي ، أما عدم كون المستصحب حكماً شرعياً فواضح لأنّ المستصحب هو العلاقة بين اللفظ والمعنى ، وأما أنه ليس موضوعاً لحكم شرعي فواضح أيضاً باعتبار أنَّ الحكم الشرعي في المقام هو الحجية وموضوعها هو الظهور وهو غير العقلة القائمة بين اللفظ والمعنى ولذا قد تدخل في تكوين الظهور أمور أخرى غير العلقة الوضعية ، ومن هنا لا يكون هذا التقريب للإستصحاب صحيحاً.
التقريب الثاني: إستصحاب نفس الظهور فيقال إنَّ هذا الكلام لو كان صادراً قبل إحتمال النقل والتغيير لكان ظاهراً في هذا المعنى الذي نفهمه الآن فنستصحب بقاء هذا الظهور ، والظهور موضوع للحكم الشرعي وهو الحجية غاية الأمر أنَّ هذا الإستصحاب تعليقي وليس تنجيزياً ( لو كان الكلام صادراً لكان ظاهراً ..).
ويرد عليه أنَّ الإستصحاب التعليقي حتى إذا قبلناه في الأحكام - وهو محل كلام - من قبيل ( لو غلى لحرم ) فهو غير مقبول قطعاً في الموضوعات وهو هنا من الموضوعات وليس حجة بالإتفاق.
فكِلا التقريبين للإستصحاب غير تام ، هذا لو تم تصور هذا الإستصحاب ، وكأن التقريب الأول يفترض أنَّ الإستصحاب قهقرائي بمعنى أنَّ العلاقة الموجودة الآن إذا شككنا في وجودها سابقاً فنستصحب وجودها في الزمان السابق.