الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / الظهور الذاتي والظهور النوعي

الطائفة الرابعة: الآيات الظاهرة التي يستدل به الإمام عليه السلام على بعض الأحكام الشرعية من قبيل قوله عليه السلام ( لمكان الباء ) وقوله ( يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ) وهي روايات كثيرة تقدم ذكر جملة منها.

قد يقال لا يمكن الإستدلال بهذه الطائفة على حجية الظواهر بالنسبة لنا لأنَّ غاية ما يثبت بها هو إستدلال الإمام بها على بعض الأحكام الشرعية فلعل ذلك لمعرفته بالمراد الجدي من الآيات القرآنية ويكون ذلك من مختصاته عليه السلام فكيف يمكن إثبات ذلك بالنسبة لنا ؟

والجواب عنه أنَّ إستدلال الإمام عليه السلام تارة يكون في قبال طرف خاص يريد إقناعه بأنَّ هذا الحكم يُستفاد من هذه الآية وأخرى لا يكون كذلك وإنما يُبين الحكم ويستند الى الآية ، والنحو الأول ظاهر في أنه إستدلاله بالظهور وبما هو إنسان عرفي لا بما هو إمام معصوم يعلم واقع المراد من الآية القرآنية فينتفي هذا الإشكال ، ويمكن تحديد مقام الإمام عليه السلام من سياق الحديث فقوله ( يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ) واضح في أنَّ الإمام ليس مقام تفسير القرآن برأي خاص به باعتباره معصوماً وممن خوطب بالقرآن ، نعم إذا احتملنا في موردٍ أنه إستدل بآية باعتباره عالماً بالقرآن فنتوقف فيه.

هذا تمام الكلام عن التفصيل الثاني وهو التفصيل بين ظهور الكتاب فلا يكون حجة وبين ظهور غيره فيكون حجة ، وقد تبين أنه لا فرق بينهما في الحجية وأنَّ كُلاً منهما يكون ظهوره حجة ويتعين العمل به.

الظهور الذاتي والظهور الموضوعي

هذا البحث طرحه السيد الشهيد قده لتحديد موضوع حجية الظهور وهو غير مطروح قبله ، فأي ظهور يكون حجة هل هو الظهور الذاتي أم الظهور الموضوعي ؟

والمراد بالظهور الذاتي هو الظهور الشخصي الحاصل لذات الشخص والمنسبق الى ذهنه لأسباب خاصة به وقد لا يشترك معه غيره من أبناء اللغة وأهل المحاورة فيكون الكلام ظاهراً في هذا المعنى عند هذا الشخص ، والمراد بالظهور الموضوعي هو الظهور النوعي الذي يشترك فيه جميع أهل اللغة ، ومن هنا نستكشف أنَّ سبب هذا الظهور ليس قضايا شخصية ترتبط بشخص معين وإنما منشؤه هو الإعتماد على القوانين العامة المقررة في باب المحاورة لفهم مراد المتكلم ، فالجميع إستند الى هذه القوانين ولذا يشترك الجميع في هذا الظهور وصار هذا ظهوراً نوعياً.

ومن خصوصيات الظهور الذاتي اختلافه من شخص لآخر لأنه يتأثر بخصوصيات الشخص نفسه وثقافته عادة بخلاف الظهور الموضوعي النوعي الناشئ من قوانين المحاورة التي تكون حاكمة في تشخيص مراد المتكلم وهي قوانين محكمة وصارمة وواضحة ، نعم قد يختلف الأشخاص في إثبات الظهور ونفيه ولكن ذلك ناتج عن العلم والجهل بهذه القوانين فمن يعلم بها يرى أنَّ الكلام ظاهراً في هذا المعنى ومن يجهل بها لا يرى ذلك ولكن هذا ليس إختلافاً شخصياً ناشئاً من الإختلاف في مناشئ هذا الظهور بل هي مناشئ ثابتة وواضحة والجهل بها لا ينافي كون الظهور نوعياً وثابتاً عند العرف ويشترك فيه الجميع عادة ، وأحد مناشئ هذا الظهور هو الوضع ولكنه ليس المنشأ الوحيد له فقد يكون ناشئاً من القرائن أيضاً.

والكلام هنا في تحديد موضوع أصالة الظهور هل هو الظهور الشخصي الذاتي أم هو الظهور النوعي الموضوعي ؟

قال قده أنَّ الموضوع وما هو حجة هو الظهور الموضوعي النوعي لا الظهور الذاتي الشخصي ، وذكر وجهين يمكن جعلهما دليلين على ذلك:

الأول: إنَّ أصالة الظهور تبتني على الكاشفية باعتبار أنَّ ظاهر حال المتكلم هو أنه يتبع في كلامه قوانين المحاورة المقررة عند العرف وأهل تلك اللغة ولا يمكن أن يكون ظهور حاله هو إتباع ما يكون ظاهراً عند السامع ومنسبقاً الى ذهنه لأسباب خاصة به بنحو يتقيد به المتكلم وإنما ظاهر حاله هو الأول فهو يتكلم بناءً على هذه الطريقة ويقصد تفهيم ما يكون ظاهراً بناءً على ذلك وهو الذي يكون حجة.

الثاني: - وهي محاولة للتنبيه على ما إدعاه - يقول لو قال المولى ( يجب إكرام كل عالم ) وقال ( لا يجب إكرام زيد ) وتردد أمر زيد بين شخصين زيد الجاهل أو زيد العالم ، فإذا كان المراد بكلامه الثاني زيد العالم فيكون ذلك تخصيصاً للعام لأنه إخراج من الحكم مع بقاء الموضوع ، وأما إذا كان المراد منه زيد الجاهل فيكون تخصُّصاً لأنه خروج موضوعي ، ثم قال وإذا قال المولى ( أكرم كل شاعر ) وقال ( لا تكرم زيداً ) مع تردد زيد بين شخصين أحدهما شاعر والآخر ليس شاعراً ، فإذا كان المقصود به زيد الشاعر فهو تخصيص وإلا كان تخصصاً.

فإذا فرضنا أننا علمنا إجمالاً أنَّ هذا الإخراج في أحدى الجملتين إخراج تخصصي وفي الآخر تخصيصي من دون أن يتميز لنا ذلك ، فحينئذٍ نقول إن قلنا أنَّ موضوع الحجية هو الظهور الشخصي الذاتي فلا تكون الحجة تامة على وجوب إكرام زيد العالم في الجملة الأولى ولا على إكرام زيد الشاعر في الجملة الثانية وذلك لعدم تحقق الظهور الفعلي الذاتي الشخصي ، نعم لو كانت الجملة الأولى من باب التخصص لوجب إكرام زيد العالم وذلك لأنَّ زيد في الإستثناء هو زيد الجاهل ويبقى زيد العالم مشمولاً للعموم فيجب إكرامه وهذا لكن لا دليل عليه ، ونفس الكلام يقال في الجملة الثانية فلو كان إستثناء زيد من باب التخصص فزيد الشاعر يجب إكرامه ولكنه مردد ولا دليل عليه ، ولذا يقول لا يتم الدليل على وجوب إكرام زيد العالم ولا على وجوب إكرام زيد الشاعر فيتعين الرجوع الى البراءة ونفي وجوب الإكرام ، هذا كله بناءً على أنَّ موضوع الحجية هو الظهور الذاتي الشخصي.

وأما إذا كان موضوع الحجية هو الظهور الموضوعي النوعي فهنا يوجد علم إجمالي لثبوته في إحدى الجملتين وإن لم تتميز لنا فنعلم قطعاً بوجوب إكرام أحد الشخصين إما زيد العالم وإما زيد الشاعر وذلك لأنَّ الجملة الأولى يدور أمرها بين التخصيص والتخصص وعلى تقدير التخصص في الجملة الأولى فزيد العالم يجب إكرامه وإذا كانت الجملة الأولى للتخصص كانت الثانية للتخصيص ، وهذا علم إجمالي لابد من تطبيق قواعده عليه فيجب إكرامهما ولا يجوز الرجوع البراءة .

وبعد وضوح إختلاف النتيجة بناءً على الاحتمالين فهذا يكون دليلاً على صحة المدعى وهو أنَّ موضوع الحجية هو الظهور النوعي الموضوعي باعتبار أنَّ العقلاء يطبقون قوانين العلم الإجمالي ولا يرجعون الى أصالة البراءة في هذا المثال.

وهناك ملاحظات على الوجه الثاني لا نريد التعرض لها بعد تمامية الوجه الأول ، وبه يثبت أنَّ موضوع الحجية هو الظهور النوعي الموضوعي القائم على أساس قوانين المحاورة العامة والذي يشترك فيه الجميع عادة.

طرق إحراز الظهور النوعي الموضوعي

ويترتب على ما تقدم السؤال عن طرق إحراز الظهور النوعي ، لأنَّ غاية ما يثبت عند الإنسان هو ما ظهر له فكيف يُحرز أنّ هذا الظهور لم يكن على أساس الخصوصيات الشخصية للسامع وإنما هو ثابت على أساس القوانين العامة للمحاورة ؟

يذكر قده طرقاً لإثبات ذلك:

الطريق الأول: إحراز الظهور النوعي بالتحليل ، والمقصود به ملاحظة جماعة كثيرة من أهل اللغة ينسبق ذهنهم الى نفس المعنى الذي انسبق ذهنه إليه عند سماع هذا الكلام ، وكلما تكثرت المصاديق عُرِف أنَّ الموجب لهذا الانسباق ليس أسباباً ذاتية مختصة بالسامع وإنما هي أسباب يشترك فيها الجميع وليست هي إلا قواعد المحاورة.