الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / التفصيل في حجة الظهور/ التفصيل الثاني والمناقشة فيه

الكلام في الطائفة الثالثة التي استدل بها على حجية ظواهر الكتاب وهي الأخبار الآمرة بعرض الروايات على الكتاب فتجعل الكتاب هو المعيار في قبول الخبر ورده ، وهذه الطائفة أظهر من الطائفة السابقة التي تأمر بعرض الشروط في المعاملات على الكتاب لأن ظاهر هذه الطائفة هو أنَّ القرآن هو المعيار وليس المعيار هو القرآن المفسَّر بالأخبار وإلا لرجع ذلك الى الأخبار ، وأما الطائفة الثانية فيمكن أن يقال فيها أنَّ المعيار في صحة الشرط وبطلانه هو القرآن المفسَّر بالأخبار فتكون هذه الطائفة أظهر في حجية ظواهر الكتاب من الطائفة السابقة.

ولابد من نفي كون المعيار هو خصوص النصوص القرآنية الصريحة وإلا لم تكن هناك دلالة على حجية ظواهر الكتاب ولكانت دالة على حجية النصوص الصريحة للكتاب فقط ، فلابد من أن يكون المعيار هو الأعم من موافقة النصوص الصريحة والظاهرة ، والدليل عليه كما تقدم وجهان وحاصلهما :

أنَّ المخالفة في هذه الروايات أعم من مخالفة النص أو مخالفة الظاهر ، وأنَّ الوضاعين والكذابين لا يضعون أخبار مخالفة لنص قرآني صريح وإنما يضعون ما يخالف ظاهر القرآن ، فكأن حمل هذه الأخبار على خصوص النصوص الصريحة يلزم منه الحمل على الفرد النادر.

وتقدم أيضاً أنَّ هذه الطائفة إن كانت متواترة وقطعية بلحاظ الصدور فلا تعارضها الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي على فرض شمولها للظواهر القرآنية لأنّ الظني لا يُعارض القطعي ، وإن لم تكن متواترة فيقع التعارض بين هاتين الطائفتين لأنَّ تلك الأخبار دالة - بحسب الفرض - على عدم حجية ظواهر الكتاب باعتبارها تفسيراً للقرآن بالرأي وهذه الأخبار دالة على حجية ظواهر الكتاب فيتعارضان في مادة الإجتماع والنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه.

وقد بينا نكتة أخرى تقتضي تقديم هذه الأخبار على تلك وهي الأخصيَّة وهذه النكتة تبتني على أنَّ الروايات الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب مختصة بالظهورات القرآنية وناظرة إليها وليست ناظرة الى النصوص الصريحة وذلك باعتبار عدم وجود ما يخالف نص الكتاب في الأخبار أو ندرته على الأقل ، فإن كانت كذلك كانت أخص مطلقاً من الروايات الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لأنها تشمل الظواهر والمتشابهات والمجملات ، وهذه الروايات تقول ظواهر الكتاب حجة فتكون أخص منها مطلقاً فتُقيدها ويرتفع التعارض.

وقد يلاحظ على هذا الوجه بأنَّ شمول الدليل للفرد النادر لا محذور فيه وإنما المحذور في إختصاص الدليل بالفرد النادر وعليه لا يقتضي ذلك إختصاص هذه الروايات بالظواهر فلتكن مطلقة وليكن عرض الخبر على الأعم من النصوص والظواهر القرآنية.

فإن قلت إنَّ الخبر المخالف للنصوص القرآنية نادر.

قلنا لا ضير في شمول الأخبار للفرد النادر فكلما خالف الكتاب مردود سواء خالف نص الكتاب أو خالف ظاهر الكتاب وهذا لا يوجب إختصاص الأخبار بخصوص ظواهر الكتاب حتى تكون نسبتها الى الأدلة الناهية عن تفسير القرآن بالرأي نسبة الخاص الى العام.

نعم بعد الإعتراف بالتعارض بين الطائفتين وأن النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه وبعد رفع اليد عن تصوير الأخصية لهذه الملاحظة فمع ذلك يمكن أن يقال في مقام الترجيح والتقديم إنَّ مادة الإجتماع هي الظواهر القرآنية والأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي تدل على عدم حجيتها والأخبار الآمرة بعرض الروايات على الكتاب شاملة لها وتثبت لها الحجية ، وإذا أخرجنا مادة الإجتماع من الروايات الناهية عن تفسير القرآن بالرأي فلا يلزم أي محذور لأنّ إخراجها يوجب إختصاص الروايات الناهية بالمجملات والمتشابهات وهي كثيرة ، وهذا بخلاف إخراجها من الروايات الأمرة بعرض الأخبار على الكتاب إذ يلزم حمل هذه الروايات على الفرد النادر واختصاصها به لندرة وجود خبر مخالف لنص قرآني صريح ، وحمل الأخبار على الفرد النادر وهي كثيرة حتى إدعي تواترها مستهجن عرفاً ، ومن هنا يكون التقديم للروايات الآمرة بالعرض على الكتاب وتكون مخصصة للروايات الناهية عن تفسير القرآن بالرأي وموجبة لحملها على المجملات والمتشابهات ولكن بناء على أنَّ المجملات والمتشابهات غير نادرة وإلا لم يتم هذا الوجه أيضاً.

والحل الأساس لهذا كله هو ما تقدم من عدم شمول الروايات الناهية عن تفسير القرآن بالرأي للظواهر والتشكيك في دلالتها على عدم حجية ظواهر الكتاب.

وهذه الطوائف الثلاثة تشترك في شيء لابد من إثباته لتكون دالة على المطلوب وهو إثبات عدم إختصاصها بالدلالات الصريحة والنصية للقرآن الكريم ليتم الإستدلال بها على حجية ظواهر الكتاب ، فلابد من إثبات ذلك في المقام.

ويستدل على الشمول عادة بما تقدم قريباً من أنَّ فرض الإختصاص يلزم منه الحمل على الفرد النادر فلابد من الإلتزام بالشمول للنصوص والظواهر حذراً من لزوم ذلك.

ولكن يلاحظ عليه بأنه إنما يتم إذ فرض أنَّ نسبة الدليل الى كلٍ من الباقي تحته والخارج عنه نسبة واحدة ولا يتم مع تفاوت النسبة وبيان ذلك :

لو قال قائل : (لابد من إحترام الناس) ثم قال : (أعني هؤلاء) وكانوا قليلي العدد فهذا من حمل العام على الفرد النادر المستهجن عرفاً لأنَّ نسبة الخارجين عن العام ونسبة الداخلين فيه واحدة إذ يصدق على الجميع (الناس) بنحو واحد ولا معنى لذكر العام مع إرادة أفراد محدودة منه يمكن خصها بالذكر ، هذا إذا تساوت نسبة الخارج عن العام والباقي تحته ، وأما إذا فرضنا عدم تساوي النسبة بأن كانت نسبة الباقي تحت العام وإنطباقه عليها أوضح وأشد من نسبة الخارج عنه العام أنَّه غير مستجن عرفاً وإن كان الباقي تحت العام عدد قليل ، وذلك كما إذا قال: (احترم العلماء) ثم قال : (أعني الفقهاء المجتهدون) فهذا غير مستهجن وإن إختصَّ العام بالفرد النادر لأنَّ نسبة هؤلاء الى العام (العلماء) أوضح من نسبة الخارجين عنه ، أو قل صدق العام على المقصودين أوضح من صدقه على غيرهم ، وهنا قالوا لا استهجان في ذلك ، ويدعى أنَّ ما نحن فيه من هذا القبيل وذلك لأنَّ مخالفة النص القرآني فرد أوضح من مخالفة الظهور القرآني فلا مشكلة في تخصيص هذه الأخبار بخصوص النصوص القرآنية ولا يلزم من ذلك الحمل على الفرد النادر المستهجن عرفاً بل هو حمل على الفرد النادر غير المستهجن عرفاً ، هذه هي الدعوى.

وجوابها: أنَّ الحمل على الفرد النادر إنما يكون مستهجن عرفاً لأنه يكون من التطويل بلا طائل ، فلا معنى لقولك (أكرم الناس) مع إرادة خصوص زيد وعمرو وبكر منهم ، هذا غير مقبول عرفاً وينبغي تحديد المراد من أول الأمر، هذه هي نكتة في استهجان حمل العام على الفرد النادر ولا يُفرق فيها بين كون الباقي تحت العام أشد وأوضح في إنطباق العام عليه أو كون ذلك أضعف وأخفى ، ففي كل منهما يكون ذلك تطويلاً بلا طائل حتى في مثال (أكرم العلماء) مع إرادة خصوص الفقهاء.