43/08/08
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / التفصيل في حجة الظهور/ التفصيل الثاني
الدليل الرابع على التفصيل الثاني وهو الروايات الكثيرة الناهية عن تفسير القرآن بالرأي بدعوى أنَّ هذه الروايات تشمل الأخذ بظهورات الكتاب فيكون منهياً عنه بمقتضى هذه الأخبار.
ولوحظ عليه بملاحظتين:
الأولى: المنع من صدق التفسير على الأخذ بظاهر الكتاب ، فإنَّ التفسير ما إشتمل على كشف القناع وإزالة الستر وكأنه مأخوذ من التَّسْفِير ، سَفَرتْ المرأة عن وجهها أي كشفت عن وجهها قناعها ، وعليه يكون مقصوداً به كشف القناع وإنما يكون ذلك في الأمر المستور والغامض وأما الأخذ بظاهر الكلام فليس فيه كشف قناع لأنَّ المفروض ظهور الكلام في هذا المعنى من دون ستر فيه ولا غبار عليه فحينئذٍ يُمنع من شمول هذه الروايات للظواهر باعتبار عدم صدق عنوان التفسير عليها.
الثانية: وإن صدق التفسير على الأخذ بالظاهر لكنه لا ليس تفسيراً بالرأي وإنما هو تفسير للكلام بمقتضى الطريقة المتعارفة والموازين المعتبرة في باب المحاورة وأما التفسير بالرأي فهو حمل الكلام على خلاف ظاهره وعدم التَّقيُد بموازين المحاورة المعتبرة فهو تفسير على طبق الهوى ، فحتى لو سلمنا صدق التفسير على الأخذ بظهور الكتاب فلا يصدق عليه أنه تفسير للقرآن بالرأي.
ويلاحظ على الملاحظة الأولى أنها قد تتم في بعض الظهورات لكن قد يشك في صدقها بلحاظ جميع الظهورات فبعض الظهورات واضحة ومسلَّمة عند الجميع أي وضع اللفظ لمعنى يكون واضحاً جداً فحمل هذا اللفظ على ذلك المعنى ليس تفسيراً إذ ليس فيه كشف القناع وإزالة الستر كحمل لفظ الأسد على الحيوان المفترس ، ولكن هناك ظهورات تصورية أو تصديقية بحاجة الى إعمال عناية وصناعة حتى يتبين المعنى الذي يكون المعنى ظاهراً فيه وهذه النكات قد لا يلتفت كل أحد ومثل هذا لا يمكن أن نقول ليس فيه كشف قناع وإزالة ستر.
وبعبارة أخرى الظهور على نحوين : تارة يكون الكلام ظاهراً في معنى على نحو لا يشك فيه أحد ويلتفت إليه كل أحد وحمل هذا الكلام على معناه الظاهر فيه ليس فيه كشف قناع وإزالة ستر ، وهذا النحو ترد فيه الملاحظ الأولى أي لا يصدق عليه التفسير إن صحت هذه الملاحظة .
وأخرى يكون الكلام بحاجة الى بذل عنايات كبيرة لتحديد ما هو الظاهر فيه وهذا لا يلتفت إليه كل أحد وإنما يحتاج الى بحث وتدقيق وإقامة شواهد حتى يكون الكلام ظاهراً في هذا المعنى ، نعم بعد إقامة الشواهد يُصدَّق بكون الكلام ظاهراً في هذا المعنى كالصعيد في الآية الشريفة فإنَّ المعنى التصوري الموضوع له اللفظ مختلف فيه ، فمثل هذه الظهورات لا يمكن القول ليس فيها كشف ستر وإزالة قناع فيصدق التفسير على هذا النحو ، فهذه الملاحظة لا تتم في جميع الظهورات سواءً الظهورات التصورية في معاني الألفاظ والظهورات التصديقية في تحديد مراد المتكلم منها.
الملاحظة الثانية: وهي ما تقدم في الرد على من إستدل على عدم حجية الأدلة العقلية بالروايات الناهية عن العمل بالرأي فنفس الجواب يأتي في محل الكلام وهو أنَّ الرأي إشارة الى العمل بالاستحسان والقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع وأمثالها مما تتبناه مدرسة واسعة موجودة في زمان الإمام الصادق عليه السلام تتبنى العمل بالظنون التي لم يقم عليها دليل ، فهذه الروايات إشارة الى ذلك وأي علاقة لهذا بالأخذ بالظهور الخالي من ذلك ؟ ليس في هذا عمل بالرأي وإنما يستند الى ما كان اللفظ ظاهراً فيه ، فالأخذ بالظهور لا يصدق عليه التفسير بالرأي.
وإذا تمت هذه الملاحظة فتكون جواباً آخر عن الدليل الرابع ، وأما مع التشكيك فيه بأن يقال لا نعلم أنَّ المراد من (الرأي) الصادر من الأئمة عليهم السلام هو ما تتبناه المدرسة الأخرى وإنما يحتمل أن يكون المراد منه تفسير القرآن بإعمال النظر والاجتهاد والتدقيق وتجميع القرائن فكلمة ( الرأي ) على معناها الأصلي وهو إعمال النظر في إستنباط ظاهر الكلام ، وبناءً عليه يصدق على بعض الظهورات أنها تفسير بالنظر وحينئذٍ تكون هذه الروايات شاملة للأخذ بالظهورات من القسم الثاني.
وعليه نقول أنَّ الرأي تارة يكون المراد به هو ما تذهب إليه المدرسة الأخرى فيكون الجواب تاماً ولا يصح الإستدلال بهذه الروايات على الأخذ بظهور الكتاب.
وأخرى نجزم بأنَّ المراد به المعنى الأصلي وهو إعمال النظر وتفريغ الوسع فتكون هذه الروايات شاملة لمحل الكلام.
وثالثة نشك في المعنى المراد منه فيكون مجملاً فهل يمكن الرجوع الى أصالة عدم النقل التي ترجع الى أصالة بقاء اللفظ على ظهوره الأولي فيكون للرأي معنى أول وضع له اللفظ ومعنى آخر نقل إليه اللفظ ومع الشك في المراد منه قد يقال بالرجوع الى أصالة عدم النقل ؟ فهل يجوز التمسك بأصالة عدم النقل والتي يسميها السيد الشهيد قده بأصالة الثبات في اللغة أو لا ؟
الجواب: يستشكل في جواز الرجوع الى هذا الأصل إذا كان يُحتمل إحتمالاً معتداً به نتيجة لظروف معينة أن يكون للكلام معنى آخر ، فمجرد الإحتمال يكفي عدم البناء على هذه الروايات على نحو تمنع من العمل بالظهور فإنَّ هذا الإحتمال يوجب الإجمال في الرواية ، وقد فرغنا من حجية الظهور.
الملاحظة الثالثة: ما تقدم من أنَّ المفروض أنَّ العمل بالظهور إستقر عليه بناء العقلاء وجرت عليه سيرتهم من دون فرق بين ظهور الكتاب وبين ظهور آخر فهل يكفي في الردع عن هذه السيرة مجرد دليل من هذا القبيل ؟
المدعى أنَّ هذا لا يكفي في الردع عن هذه السيرة لرسوخها في نفوس الناس ولا تكفي هذه الروايات في الردع عنها.
الى هنا يتبين أن جميع الأدلة الخمسة التي إستدل بها على هذا التفصيل ليست ناهضة لإثباته فينتج أنه لا فرق بين ظواهر الكتاب وبين ظواهر غيره فكلها حجة ، مع التأكيد على عدم جواز العمل بظواهر الكتاب وطواهر السنة إلا بعد المراجعة والفحص إذ يحتمل أن يكون المراد خلاف ظاهر النص لقرائن في كلام آخر.
وهناك جواب آخر عن أصل التفصيل يتمثل في وجود طوائف من الروايات ظاهرة في أنَّ ظواهر الكتاب الكريم حجة وأنه يمكن التعويل على ظاهره ، وهذه الروايات تصلح أن تكون معارضة لما استدل به على عدم حجية ظواهر الكتاب إن تمت ، وهذه الأخبار كثيرة ويمكن تقسيمها الى طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي تأمر بالتمسك بالكتاب ومنها حديث الثقلين فإنَّ معنى التمسك بالكتاب هو التمسك بدلالاته سواء كانت صريحة أو ظاهرة فهذه الطائفة بإطلاقها تشمل النص والظاهر ولا مجال لتخصيصها بخصوص النص إذا يلزم منه ما يشبه تخصيص الأكثر وهو مستهجن.
ولو سلمنا أنَّ الروايات الناهية عن العمل بالظن تشمل العمل بالظهور وتنزلنا عن الأجوبة المتقدمة فسيقع التعارض بينها وبين الطائفة الآمرة بالتمسك بالكتاب ، والنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه فإنَّ الروايات الآمرة بالتمسك بالكتاب تشمل النص والظاهر ، والروايات الناهية عن تفسير القران بالرأي تشمل الظاهر والمجمل ومادة الإجتماع هي الظهورات القرآنية فمن جهة هناك روايات تأمر بالتمسك بها ومن جهة هناك روايات تنهى عن العمل بها.