الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / التفصيل في حجة الظهور/ التفصيل الثاني

التفصيل الثاني: هو التفصيل بين ظواهر القرآن الكريم وبين ظواهر غيره من الخطابات الشرعية وهو المنسوب لبعض علمائنا الأخباريين ، فيقال إنَّ ظواهر القرآن الكريم ليست حجة بينما ظواهر غيره من الخطابات الشرعية تكون حجة.

وإستدل له بوجوه :

الوجه الأول: الإستناد الى الروايات الكثيرة الدالة على أنَّ القرآن الكريم لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به وهم المعصومون عليهم السلام.

الوجه الثاني: أنّ القرآن الكريم يحتوي على مضامين عالية جداً لا يدركها كل أحد فيمنع ذلك من الأخذ بظهوره.

الوجه الثالث: دعوى أنَّ الظاهر يدخل في قسم المتشابه والآية تنهى عن إتباع المتشابه ولا أقل من إحتمال ذلك وهذا الإحتمال يمنع من العمل بالظاهر ، وكأنَّ العمل بالكتاب يتوقف على إحراز أن يكون من المحكم ومع عدم إحراز ذلك وإحتمال دخوله في المتشابه فهذا يكفي في عدم جواز العمل به.

الوجه الرابع: دعوى أنَّ الآيات القرآنية التي لها ظهور وإن لم تكن من التشابه ذاتاً لكنها من المتشابه بالعرض وذلك لعروض الإجمال عليها باعتبار علمنا بكثرة إرادة خلاف الظاهر في الآيات القرآنية لكثرة عروض التخصيص والتقييد والتجوز فيها بنحو يتشكل لدينا علم إجمالي يمنع من الأخذ بظهور كل آية من الآيات لإحتمال أن لا يكون هذا الظهور مراداً للمتكلم وإنما المراد خلافه.

وبعبارة أخرى نحن نعلم بورود تخصيصات ومقيدات وإرادة خلاف الظاهر في جملة من الآيات القرآنية ومن دون تشخيصها يمتنع العمل بكل ظهور لأنَّ ظهور كل آية يكون طرفاً من أطراف هذا العلم الإجمالي وإجراء أصالة الظهور في هذا الطرف يكون معارضاً بإجرائها في باقي الأطراف ولا يمكن إجراؤها في جميع الأطراف للزوم مخالفة العلم الإجمالي بإرادة خلاف الظاهر ، فلا يكون ظهور الآية حجة.

الوجه الخامس: دعوى أنَّ الأخذ بظهور الآية الكريمة يصدق عليه تفسير القرآن بالرأي وقد نهت الروايات الكثيرة عنه.

هذه عمدة الوجوه التي يستند إليها لإثبات هذا التفصيل فإذا تمت أو تم بعضها ثبت أنَّ ظواهر الكتاب ليست حجة.

والمناقشة فيها:

أما الأمر الأول وهو دعوى أنَّ القرآن لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به وأنه يمنع من الأخذ بظواهر الكتاب فهي وإنَّ دلت عليها روايات كثيرة مروية في الوسائل الباب 13 من أبواب صفات القاضي الأحاديث 25، 38 ،41، 64، 69 ،73، 74 وفيها هذا المضمون والمقصود به الأئمة عليهم السلام ، لكن هذه الروايات معظمها أو كلها غير تامة سنداً نعم كثرتها واستفاضتها تغني عن البحث في السند لأنّ الاستفاضة تعني استفاضة المضمون وثبوته على أساس الاستفاضة على أساس الروايات.

ووجه الإستدلال بها هو أنَّ حصر فهم القرآن بجماعة معينة يعني أنَّ فهم غيرهم ليس معتبراً حتى لو كان مستنداً الى الظهور ، بل مقتضى حصر فهم القرآن بأهل البيت عليهم السلام يرتبط بجميع الكتاب لا بقسم منه فكل الكتاب فهمه مخصوص بجماعة معينة فيشمل الآيات الصريحة أيضاً ، وهذه توسعة في الإشكال.

وقد يجاب عن هذا الوجه بأنَّ هذه الروايات لا تصلح للردع عن العمل بظواهر الكتاب باعتبار أنَّ الأخذ بظواهره من المسائل المهمة لأنَّ للقرآن منزلة عالية عند المسلمين ويرجعون إليه فلو لم يرد الشارع الرجوع الى الكتاب لردع عن ذلك ولا يكفي في الردع هذه الروايات وهذا على غرار الآيات الناهية عن العمل بالظن فإنها لا تكفي في الردع عن السيرة القائمة من قبل المتشرعة على العمل بخبر الثقة أو بالظواهر مثلاً وينبغي أن يتناسب الردع مع حجم السيرة واستحكامها ورسوخها في نفوس الناس ، والعمل بظواهر الكتاب راسخ عند المسلمين باعتبار رجوعهم إليه فلا تكفي هذه الروايات في الردع عنه ، وهذا الجواب من أهم الأجوبة على هذا الوجه.

ويلاحظ على هذه الجواب أنَّ هذه الروايات كثيرة ومستفيضة فقد تدفع هذه الاستفاضة هذا الإشكال بل يمكن أن يدعى أنَّ الروايات الرادعة عن العمل بظواهر الكتاب بهذا اللسان ( أنَّ القرآن لا يعرفه إلا من خوطب به ) أكثر مما وصل إلينا والواصل منها كثير فلا يمكن القول أنها غير كافية في الردع.

وعلى أي حال تبقى هذه المسألة معلقة فمن يكتفي بهذه الروايات في الردع يندفع لديه الإشكال ومن لا يكتفي بذلك لم تصلح هذه الروايات للردع عن الأخذ بالظهور بنظره.

ويلاحظ عليه أيضاً أنَّ هذه الروايات معارضة بروايات كثيرة ثابتة يُرجع فيها المعصوم عليه السلام الناس الى الأخذ بظاهر الكتاب وأنَّ القرآن مرجع للمسلمين نحو (هذا ونحوه يعرف من كتاب الله) و (إذا تُليت عليه آية التقصير وفُسرت له) ونحو ذلك ، بل في حديث الثقلين دلالة على التمسك بالكتاب وأنه في عرض العترة ولا معنى لأمر المسلمين بالتمسك بالكتاب كما أمروا بالتمسك بالعترة والحال أنَّ الأخذ بظواهر الكتاب غير جائز ولا يفهمه إلا من خوطب به ! فلو كان ذلك كذلك لأمروا بالتمسك بالعترة فقط.

وهذا يعني أنَّ هناك سنة صادرة من المعصومين عليهم السلام تأمر بالرجوع الى الكتاب والتمسك به بمعنى يشمل حتى الأخذ بظواهره وليس المقصود بالتمسك بالكتاب هو خصوص التمسك بالنصوص القطعية منه لأنها نادرة والغالب في الكتاب هو الظواهر فالأمر بالتمسك بالكتاب يعني الأمر بالتمسك بظواهر الكتاب ، فمجموع هذا الكلام يكون معارضاً لطائفة الأخبار القائلة أنَّ القرآن لا يفهمه كل أحد.

وبناءً على هذا قد يقال لابد من حمل هذه الأخبار الدالة على أنَّ القرآن لا يفهمه كل أحد على بعض المحامل لتنسجم مع هذه السنة الثابتة في إرجاع المسلمين الى الكتاب وأمرهم بالتمسك به وتعليمهم كيفية الإستدلال بظواهره ، ومن ذلك حملها على أنه لا يعلمه كله فيرتفع التنافي بينها وبين ما دلَّ على إرجاع الناس الى ظواهر الكتاب.

أو تحمل على أنه لا يعرفه حق المعرفة أي أحد كمعرفته ببطونه وما يُراد منه واقعاً وأسباب نزوله وجميع تفاصيله فهذا لا يعرفها إلا جماعة معينة وهذا لا ينافي أن يعرفه الناس معرفة متعارفة ، فلابد من حمل هذه الروايات على هذه المحامل.

أما الأمر الثاني وهو أنَّ الكتاب يحتوي على مضامين عالية لا يعرفها كل أحد فهذا لا يمنع من الأخذ بالظهور إذ ليس المقصود أنَّ كل آية وكل حرف منه يحتوي على ذلك بنحو يعجز عن فهمه كل أحد ، بل المقصود هو أنَّ فيه ما يشتمل على مضامين عالية لا يفهما كل أحد وهذا لا ينافي أن يكون فيه ما لا يكون كذلك فيمكن الرجوع الى أمثال هذه الآيات التي لا تستبطن مضامين عالية.

وأما الأمر الثالث وهو دعوى أنَّ الظواهر من المتشابه وقد نهت الآية عن إتباع المتشابهات والأخذ بالمحكمات ويدعى أنَّ المتشابه لا يختص بالمجمل كما هو المعروف بل يشمله ويشمل الظاهر أيضاً ، والوجه في ذلك هو أنَّ المراد من المتشابه ما تشابه من حيث المعنى بمعنى أن يكون للآية معنيان ويمكن حملها على كل واحد من المعنيين وهذا لا يختص بالمجمل فالظاهر له معنيان أيضاً ويمكن حمله هذا المعنى أو على ذاك ، نعم حمله على أحد المعنيين أقرب من حمله على الآخر باعتبار كونه هو الظاهر ، وبهذا الإعتبار يكون متشابه ، فكأنَّ المعنى اللغوي للمتشابه يشمل الظاهر كما يشمل المجمل.

وأجيب عن هذا الوجه بأجوبة:

الأول هو منع صدق المتشابه على الظاهر واختصاصه بالمجمل وذلك بإعتبار أنَّ المناط في المتشابه ليس هو قابلية أن يراد من اللفظ كل واحد من المعنيين بل المناط فيه هو فرض الإشتباه والتردد في المراد من هذا الكلام وهذا لا يصدق إلا على المجمل وذلك باعتبار أنَّ كل معنى من المعنيين تتساوى نسبته الى اللفظ فيتحير السامع في إرادة المتكلم وهذا غير موجود في الظاهر ولا تردد فيه ، بل هناك وضوح في مراد المتكلم وهو الظاهر من الكلام ، نعم يمكن أن يريد المعنى الآخر ولكن مجرد الإمكان غير كافٍ ، فلا تردد ولا إشتباه في مراد المتكلم ومن هنا يمنع من صدق المتشابه على الظاهر.