43/08/02
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / التفصيل في حجة الظهور
الكلام في المنشأ الخامس وهو إحتمال ضياع القرينة المتصلة سواء بالنسبة الى المقصودين بالإفهام أو بالنسبة الى غير المقصودين بالإفهام ، ولا نافي لهذا الإحتمال لكونه ليس ناشئاً من الغفلة فإن وجد هذا الإحتمال فلا يمكن التمسك بالظهور لكلٍ منهما لأنهما لا يحرزان موضوع أصالة الظهور وهو الظهور التصديقي بحسب الفرض.
والذي يثبت بهذا الاستعراض هو عدم الفرق بين المقصودين بالإفهام وبين غير المقصودين بالإفهام بمعنى ليس هناك حالة يكون الظهور فيها حجة بالنسبة الى المقصودين بالإفهام ولا يكون حجة بالنسبة الى غيرهم ، نعم غاية الأمر أنَّ بعض هذه المناشئ لا يمكن فرضها أصلاً بالنسبة الى المقصودين بالإفهام كالمنشأ الرابع ويمكن فرضها بالنسبة الى غير المقصودين بالإفهام إلا أنه يمكن نفيها بأصل عقلائي ، فيصح لكل منهما التمسك بالظهور.
والنتيجة إذا كان إحتمال إرادة خلاف الظاهر ناشئاً من المناشئ الأربعة الأولى فيكون الظهور حجة بالنسبة الى كل من المقصودين بالإفهام وغير المقصودين به وأما إذا كان الإحتمال ناشئاً من المنشأ الخامس - وهو إحتمال ضياع القرينة المتصلة - فهما يشتركان أيضاً في أن عدم حجية الظهور بالنسبة إليها فالتفصيل لا وجه له ، هذه هي الدعوى.
ويلاحظ على هذه الدعوى:
الملاحظة الأولى: إذا فرضنا أنَّ إحتمال إرادة الظاهر كان ناشئاً من الإحتمال الرابع أي الإعتماد على الرموز والاصطلاحات الخاصة فهل هناك أصل عقلائي ينفي هذا الإحتمال بالنسبة الى غير المقصودين بالإفهام ؟
إدعي إمكان ذلك بإعتباره خلاف الطريقة المتعارفة في مقام التفهيم ، وبعبارة أخرى ما الذي يُلزم المتكلم بأن يستعمل الطريقة المتعرفة للتفهيم ؟ وما المانع من أن يتفق مع المقصود بالتفهيم على إستعمال طريقة خاصة بينهما ، ولا يلزم من ذلك خلف كونه في مقام البيان.
فالظاهر أنه يمكن التشكيك في وجود أصل عقلائي يُنفى به هذ الإحتمال وحيث أنَّ هذا الاحتمال لا يأتي في حق المقصود بالإفهام فحينئذٍ يثبت تفصيل المحقق القمي فيمكن للمقصود بالإفهام الإعتماد على الظهور لأنَّ هذا الإحتمال لا يرد في حقه أصلاً ويكون الظهور حجة بالنسبة إليه ، وأما غير المقصود بالإفهام فهذا الإحتمال وارد بالنسبة إليه ولا نافي له فلا يكون الظهور حجة بالنسبة إليه فيثبت هذا التفصيل في هذا المورد.
الملاحظة الثانية: هناك منشأ آخر يولد إحتمال إرادة خلاف الظاهر ولم يذكر في المناشئ المتقدمة وهو إحتمال اعتماد المتكلم على قرائن متصلة لبية إرتكازية ومنها المفروغية عن شيء ووضوح المطلب فيُحتمل إرادة خلاف ظاهر الكلام إعتماداً على هذه القرائن ، ولا يمكن نفي هذا الإحتمال بأصالة عدم الغفلة لعدم الغفلة لا من المتكلم ولا من السامع وليس هناك أصل من الأصول العقلائية يُنفى هذا الإحتمال به ، وهذا الإحتمال موجود في حق غير المقصود بالتفهيم وأما المقصود بالتفهيم فيتلمس هذه القرينة اللبية وعليه يكون الظهور حجة في حق المقصود بالتفهيم ولا يكون حجة في حق غيره وهذا ينتج التفصيل الذي ذهب إليه المحقق القمي على الأقل في هذه الحالة ، ويُحتمل أن يكون المحقق القمي ناظراً الى ما ذكرنا وأن تفصيله على هذا الأساس.
الملاحظة الثالثة: لو فرضنا أنَّ المقصودين بالتفهيم كانوا مخاطبين فالاحتمال الخامس وهو ضياع القرينة المتصلة لا يمكن تصوره بحق المقصودين بالتفهيم ويمكن تصوره في غير المقصودين بالتفهيم ، وإنما يمكن فرض هذا الإحتمال في كل منهما بناءً على أنَّ المقصودين بالتفهيم غير مخاطبين وأما إذا كان المقصودون بالتفهيم مخاطبين فلا يُحتمل إرادة خلاف الظاهر من جهة ضياع القرينة المتصلة ولا معنى له فيختص هذا الإحتمال بغير المقصودين بالتفهيم ، وحيث لا نافي لهذا الإحتمال كما ذكر فينشأ التفصيل المتقدم بين المقصودين بالتفهيم المخاطبين فيكون الظهور حجة بالنسبة إليهم وأما غيرهم فلا يكون الظهور حجة بالنسبة إليهم ويثبت تفصيل المحقق القمي.
فينتج إلى هنا أنَّ التفصيل الذي ذكره المحقق القمي له وجه وليس ببعيد فيمكن القول أنَّ المتكلم إذا كان في مقام التفهيم فلا بد أن يذكر ما يُبين مراده ، فإذا كان مراده ظاهر الكلام فبها وليس عليه شيء وأما إذا أراد خلاف الظاهر فهو ملزم بمقتضى قوانين المحاورة بنصب قرينة على إرادة خلاف ظاهر هذا الكلام ، لكنه ملزم بذلك بالنسبة الى المقصودين بالتفهيم وإلا كان خلف كونه في مقام البيان والتفهيم وأما غير المقصودين بالتفهيم فليس المتكلم ملزماً بشيء تجاههم.
نعم قد يقال يمكن التمسك بسيرة المتشرعة لنفي هذا التفصيل وإثبات أنَّ الظهور حجة مطلقاً فإنهم يعملون بظواهر النصوص الشرعية الواصلة إليهم ولا يُفرقون بين المقصودين بالتفهيم وبين غيرهم ولم ينقل عنهم غير ذلك وهذا يثبت عدم الفرق بين المقصودين بالتفهيم وبين غيرهم بخلاف تفصيل المحقق القمي ، فيمكن أن يُجعل هذا دليلاً على أنَّ الظهور حجة مطلقاً.
أقول هذا الكلام في الجملة لا بأس به لولا شيء واحد وهو أنَّ تمسك المتشرعة بظهور كلام الأئمة عليهم السلام من دون الإلتفات الى أنهم مقصودون بالتفهيم أو لا ناشئاً من إفتراض أنهم مقصودون بالتفهيم ، وسيأتي البحث في أنّ الخطابات الشرعية هل يُقصد بها تفهيم الجميع أو خصوص المخاطبين أو خصوص الموجودين في زمان الخطاب دون المعدومين ، فقد تكون سيرة المتشرعة على التمسك بالظهور مع كونهم غير موجودين في زمن الخطاب مبتنية على أنهم يعتبرون أنفسهم مقصودون بالتفهيم فلا تكون سيرتهم نافية لتفصيل المحقق القمي ، فلا يمكن الإستدلال بالسيرة وحدها لنفي هذا التفصيل.
وبناءً على ثبوت هذا التفصيل - كما هو ليس ببعيد - يقع الكلام في ما يترتب عليه وهو في جهتين :
الجهة الأولى: في أنَّ المقصود بالإفهام هل يختص بالمخاطبين أو بالموجودين في زمن الخطاب أو يشمل غيرهم ؟
الجهة الثانية: وعلى تقدير عدم كوننا نحن مقصودين بالإفهام فهل يكون هذا التفصيل مانعاً لنا من العمل بظواهر الأدلة الشرعية ؟
أما الكلام في الجهة الأولى فهناك نوعين من الخطابات الشرعية الخطابات القرآنية والخطابات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، فالخطابات القرآنية يُقصد بها الجميع لا خصوص المخاطبين ولا خصوص من وجد في زمن الخطاب وذلك باعتبار أنَّ القرآن أُنزل للجميع وهو هداية للجميع فيُقصد به مخاطبة الجميع.