43/08/01
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / التفصيل في حجة الظهور
كان الكلام في تفصيل المحقق القمي في القوانين وهو التفصيل بين المقصودين بالإفهام وغير المقصودين بالإفهام حيث إدعى أنَّ الظهور حجة بالنسبة الى المقصودين بالإفهام ولا يكون حجة بالنسبة الى غيرهم ، ولهذا التفصيل تقريبان فرغنا من الأول وإنتهى الكلام الى التقريب الثاني وحاصله هو الإعتماد على أنَّ إرادة خلاف الظاهر بالنسبة الى المقصودين بالإفهام يلزم منه الخلف بينما إرادة خلاف الظاهر بالنسبة الى غير المقصودين بالإفهام لا يلزم منه ذلك فيقال إنَّ المتكلم إذا كان في مقام البيان وتفهيم مراده للمخاطب فلو أراد خلاف ظاهر كلامه لوجب عليه أن ينصب قرينة عليه ومع وعدم نصبه لها يتعين أن يكون مراده ما يكون الكلام ظاهراً فيه وإلا لزم الخلف ، وهذا الكلام إنما يتم بالنسبة الى المقصودين بالإفهام لأن المتكلم ملزم بإيصال مراده إليهم دون غيرهم فلا يمكن لغير المقصودين بالإفهام التمسك بظاهر الكلام.
وبعبارة أوضح المقصود بالإفهام يحصر عنده إرادة خلاف ظاهر الكلام بإحتمال الغفلة إما غفلة المتكلم أو السامع وهي منفية بأصالة عدم الغفلة المقررة عند العقلاء بلا إشكال ومن هنا يمكن للمقصود بالإفهام أن يقول إنَّ إرادة خلاف ظاهر الكلام من دون وصول القرينة إلي يلزم منه الخلف ، وأما غير المقصود بالإفهام فلا يستطيع أن يقول ذلك لإحتمال أن يكون المتكلم قد أراد خلاف ظاهر الكلام ونصب قرينة خاصة للمقصود بالإفهام وأفهمه ما يريده ولكن هذه القرينة لم تصل الى غير المقصود بالإفهام فلا ينحصر احتمال إرادة خلاف الظاهر باحتمال الغفلة بالنسبة الى غير المقصود بالإفهام ولذا لا يكون الظهور بالنسبة إليه حجة.
ويلاحظ عليه: أنَّ الكلام في أصالة الظهور وأننا نلتمس دليلاً لإثبات حجية الظهور وهذا التقريب يجعل الظهور قطعياً بدلالة عقلية وهي لزوم الخلف وهذا خروج عن محل الكلام الذي هو باب الأمارات والظنون المعتبرة.
وأيضاً إنَّ الدلالة لا بد أن تكون ظنية حتى بالنسبة الى المقصود بالإفهام ولا يمكن أن تكون قطعية والسر في ذلك هو أنَّ المقصود بالإفهام يحتاج الى التمسك بأصالة عدم الغفلة لأنه يحتمل إرادة خلاف الظاهر من جهة إحتمال الغفلة إما من المتكلم أو من السامع ولا نافي لهذا الإحتمال إلا أصالة عدم الغفلة فإذا تمسك بها لإثبات الظهور فهذا الظهور يكون ظنياً ولا يكون قطعياً كما هو المدعى في هذا التقريب ، والنتيجة تتبع أخس المقدمات.
وبناءً على دفع الإعتراض المتوجه الى التقريب الأول قد يقال بتوجه التفصيل بين المقصودين بالإفهام وغير المقصودين بالإفهام وهذا بناءً على المباني المتقدمة في موضوع أصالة الظهور - وهو الظهور التصديقي - فحينئذٍ يمكن للمقصود بالإفهام إحراز هذا الظهور التصديقي ويكون الظهور حجة بالنسبة إليه وذلك بإجراء أصالة عدم القرينة المتصلة الراجعة الى نفي إحتمال الغفلة وهو أصل عقلائي ولا إشكال في حجيته وله كاشفية واضحة ، وأما غير المقصود بالإفهام فليس بإمكانه إحراز الظهور التصديقي لأنَّ الإحتمال ليس منحصراً بالغفلة بالنسبة إليه بل قد يقطع بعدم غفلة المتكلم وبعدم غفلته هو عن الإلتفات الى القرينة ومع ذلك يحتمل وجود قرينة متصلة لم تصل إليه لأنَّ المتكلم غير ملزم بذكر القرينة إلا لمن يقصد إفهامه ، فكيف ينفي غير المقصود بالإفهام هذا الإحتمال ؟ لا يمكنه نفيه إلا إذا قلنا بأن أصالة عدم القرينة المتصلة أصل تعبدي صرف ليس مبنياً على الكاشفية وأما مع عدم قبول ذلك فلا يمكن لغير المقصود بالإفهام إحراز عدم القرينة إذ لا أرجحية لوجود القرينة على عدمها بالنسبة إليه.
ومن هنا جرت محاولات لطرح فكرة يراد بها التوصل الى أنَّ غير المقصود بالإفهام يمكنه نفي كل الإحتمالات التي توجب إحتمال إرادة خلاف ظاهر الكلام فيقال في بيانها:
إنَّ إحتمال إرادة خلاف الظاهر له مناشئ متعددة فهل هناك يُفرق بين المقصودين بالإفهام غير المقصودين به بحسب هذه المناشئ أم هي تعم كُلاً منهما ؟ فإما يمكن نفيها بالنسبة اليهما معاً أو لا يمكن ذلك بالنسبة إليهما معاً ومعه لا وجه للتفصيل بينهما ، وهي خمسة:
المنشأ الأول: أن يخل المتكلم عمداً بذكر القرينة ، وهذا الإحتمال منفي بأنَّ المتكلم في مقام البيان والتفهيم وهذا لا يتناسب مع فرض الإخلال العمدي بذكر القرينة لبيان مراده ، وهذا المنشأ لا يُفرق فيه بين المقصود بالتفهيم وغيره.
المنشأ الثاني: إحتمال غفلة المتكلم بذكر القرينة وهو منفي بأصالة عدم الغفلة ولا يُفرق فيه أيضاً بين المقصود بالتفهيم وغيره ، وكل منهما ينفي هذا الإحتمال بأصالة عدم الغفلة.
المنشأ الثالث: إحتمال القرينة المنفصلة على إرادة خلاف الظاهر ، وهذا الإحتمال لا يمكن بالنسبة الى المقصود بالتفهيم إذ لا معنى لقصد تفهيمه مع فرض قرينة منفصلة يذكرها المتكلم بعد ذلك لبيان مراده الجدي ، نعم هو محتمل بالنسبة الى غير المقصود بالتفهيم ، فهناك فرق بينهما لكنّ غير المقصود بالتفهيم يمكنه نفي هذا الإحتمال إعتماداً على أصالة الظهور بناءً على أنّ الجزء الأول من موضوعها هو الظهور التصديقي المتوقف على أصالة عدم القرينة المتصلة والجزء الثاني هو عدم العلم بالقرينة المتصلة ولا إشكال في أنَّ غير المقصود بالتفهيم لا يعلم بالقرينة المتصلة ، فبإمكانه إحراز موضوع حجية الظهور وبالتالي نفي هذا الإحتمال تمسكاً بأصالة الظهور ، وكذا يمكنه إحراز عدم الظهور التصوري بالوجدان بحسب المبنى الآخر في موضوع حجية الظهور ، وعليه كل منهما لا يعتني بهذا الإحتمال أما المقصود بالإفهام فلعدم ورد هذا الإحتمال في حقه أصلاً وأما غير المقصود بالتفهيم فبنفي هذا الإحتمال بالإعتماد على أصالة الظهور فهما متساويان في أنَّ هذا المنشأ منفي بالنسبة الى كل منهما.
المنشأ الرابع: إحتمال إعتماد المتكلم على رموز واصطلاحات خاصة بينه وبين المقصودين بالإفهام ، وهذا المنشأ يختص بغير المقصود بالإفهام ولا يرد بالنسبة الى المقصود بالإفهام لأنه طرف في الإصطلاح نعم ممن الممكن لغير المقصود بالإفهام نفي هذا الإحتمال إعتماداً على ما هو المتعارف من أنَّ المتكلم لا يستعمل الرموز والاصطلاحات الخاصة لبيان مراده فإنه غير متعارف وخلاف الظاهر جداً ، وبالتالي لا فرق بينهما في أن هذا المنشأ لا يكون موجباً للتفريق بينهما.
المنشأ الخامس: إحتمال وجود القرينة المتصلة على إرادة خلاف الظاهر ولكنها لم تصل من جهة الضياع ، والظاهر أنَّ هذا المنشأ يمكن فرضه بالنسبة الى كلٍ منها أما المقصودين بالإفهام فكما إذا فرض تفهيمهم بالكتاب والمراسلة لا بنحو مباشر فيحتملون أن المتكلم يريد خلاف الظاهر إعتماداً على قرينة متصلة لكنها لم تصل إليهم لسبب من الأسباب ، وأما غير المقصودين بالإفهام ففرض ذلك بالنسبة إليهم واضح.