43/07/19
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / النسبة بين أصالة الظهور وغيرها من الأصول اللفظية
أجبنا عن الإشكال المتقدم - وهو أنَّ احتمال القرينة المتصلة يمنع من الأخذ بظهور الروايات الواصلة إلينا - بأنَّ هناك قاعدة يبني عليها العقلاء وهي التطابق بين الظهورات الثلاث - الظهور الوضعي والتصديقي من كلتا الدرجتين - فالأصل هو أنَّ المعنى الموضوع له اللفظ هو المراد إستعمالاً وجداً ولا نرفع اليد عن هذه القاعدة إلا إذا علم المخاطَب بوجود قرينة على الخلاف ، والقرينة المتصلة على الخلاف لا ترفع الظهور التصوري وإنما توجب عدم التطابق بين الظهور التصوري وبين الظهور التصديقي وتقول أنَّ الظهور التصوري ليس مراداً للمتكلم فنرفع اليد عن مقتضى القاعدة الأولية ويكون المعنى المراد جداً على طبق القرينة ، وهذا جارٍ في كل كلام.
وبناءً عليه يرتفع الإشكال السابق لأنه يعني أنه يكفي في حجية الظهور عدم العلم بالقرينة المتصلة فيبني السامع على أنَّ مراد المتكلم هو ما تكون الألفاظ موضوعة له فيكون الظهور حجة بنظر العقلاء لهم وعليهم في مقام التنجيز والتعذير ما داموا لم يعلموا بالقرينة المتصلة ، وهذا يؤدي الى إختيار الإحتمال الثاني الذي إختاره المحقق الأصفهاني قده في تحديد موضوع الحجية وهو الظهور الوضعي مع عدم العلم بالقرينة المنفصلة ، وهو محرز بكِلا جزأيه ولا يتوقف إحرازه على إجراء أصل في مرتبة سابقة ، أما الجزء الأول فيعلم بها كل عالم باللغة وأما الجزء الثاني فمحرز بالوجدان ، فنحرز بذلك موضوع الحجية ويكون ظهور الكلام حجة للمتكلم وعلى المتكلم.
وقد يجاب عن أصل الإشكال أيضاً بأنَّ هذا الإحتمال ضعيف جداً وبحكم العدم فلا يُعتنى به خصوصاً في مورد تقطيع الروايات إذ يمكن الرجوع الى المصادر الأصلية لمعرفة وجود القرينة أو عدم وجودها.
وإن لم نتمكن من ذلك واحتملنا القرينة المتصلة في بعض الموارد إحتمالاً معتداً به فيتعين الإلتزام بما ذهب إليه لمحقق الأصفهاني قده لدفع هذا الإشكال.
والمحصلة النهائية إنَّ علماءنا الأعلام المتقدمون منهم والمتأخرون لا يتوقفون عن العمل بظهور الروايات الواصلة إليهم لمجرد إحتمال وجود قرينة متصلة إما لعدم إحتمال القرينة المتصلة أصلاً وإما لضعف هذا الإحتمال وإما للبناء على أنَّ موضوع الحجية هو الظهور التصوري وأنَّ القاعدة هي التطابق بين الظهورات الثلاث.
والحاصل: أنَّ الملاحظة والتحليل ومراجعة بناءات العقلاء يساعد على أنَّ العقلاء يعملون بالظهورات الوضعية مع إحتمال إرادة خلافها بنصب القرينة ولا يعتنون بهذا الإحتمال ويبنون على العمل بالظهور ويرونه حجة لهم وعليهم.
نعم في مجال الأغراض التكوينية لا تجري هذه القاعدة لكون الغرض فيها هو الوصول الى الواقع لكن الكلام ليس فيه، وأما في مجال الأغراض التشريعية وتحصيل ما يكون حجة منجزاً ومعذراً فلا توقف عن الأخذ بالظهور الوضعي ما لم يثبت ما يخالفه وكأنهم يرون أنَّ عدم العلم بالمخالف يكفي في البناء على الظهور تنجيزاً وتعذيراً.
النسبة بين أصالة الظهور وغيرها من الأصول اللفظية
حاول الشيخ الأنصاري قده في الرسائل إرجاع أصالة الظهور الى أصالة عدم القرينة ، وبعكسه حاول المحقق الخراساني قده إرجاع أصالة عدم القرينة الى أصالة الظهور ، ونحن نتعرض الى هذه الأصول تباعاً:
أما أصالة الظهور وأصالة الحقيقة فالظاهر رجوع الثانية الى الأولى بمعنى أنَّ أصالة الحقيقة مصداق من مصاديق أصالة الظهور ، فإنَّ أصالة الحقيقة تكشف عن المراد الإستعمالي للمتكلم بمعنى أنَّ المتكلم إستعمل اللفظ بمعناه الموضوع له فإذا قال ( رأيتُ أسداً ) وشككنا في أنه إستعمله في معناه الموضوع له أو في معنى آخر فأصالة الحقيقة تشخص لنا المراد الإستعمالي وأنَّ المتكلم إستعمل اللفظ في معناه الموضوع له وأراد إخطاره في ذهن السامع.
وكذلك أصالة عدم القرينة تشخص لنا المراد الإستعمالي للمتكلم عند الشك في نصب القرينة على إرادة خلاف المعنى الموضوع له وتفيد أن المتكلم إستعمل اللفظ في معناه الموضوع له، فتكون مصداقاً من مصاديق أصالة الظهور أيضاً ، فكل من أصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة تجري لتشخيص المراد الإستعمالي وتكون مصداقاً من مصاديق أصالة الظهور ، بل أصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة ترجع إحداهما الى الأخرى لأنَّ الشك في إستعمال اللفظ في المعنى الموضوع له أو إستعماله في غيره ينشأ من الشك في نصب القرينة على إرادة خلاف المعنى الموضوع له أو عدم نصبه لها فأصالة الحقيقة تنشأ دائماً من إحتمال وجود قرينة على إستعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له ، فلا فرق بينهما وكل منهما يكون مصداقاً من مصاديق أصالة الظهور.
وأما أصالة العموم فمن هذا القبيل أيضاً وغاية الأمر أنها تنظر الى المراد الجدي ، فإنَّ المتكلم إذا تكلم بلفظ موضوع للعموم كـ ( كل ) ونحوها فأصالة العموم تجري لإثبات أنَّ مراده هو العموم عند الشك في إرادته أو إرادة الخصوص ، أي عند الشك في أنَّ المتكلم هل نصب قرينة على التخصيص أم لا ، وهذه القرينة لا علاقة لها بالمراد الإستعمالي فإنه إستعمل ( كل ) في معناها الموضوعة له وهو العموم غاية الأمر أنه هل يريده جداً أم لا ، فإذا نصب قرينة على التخصيص فيعني أنه لا يريده جداً وعند الشك تجري أصالة العموم لإثبات أنَّ الكلام المستعمل في العموم مراد جداً للمتكلم ولا نرفع اليد عنه إلا بقرينة تدل على التخصيص ، وبعبارة أخرى الأصل هو التطابق بين المرادين الإستعمالي والجدي ، ومثلها الكلام أصالة الإطلاق.
والنتيجة: هذه الأصول كلها من مصاديق أصالة الظهور مع إختلاف المرتبة فأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة تجري لتشخيص المراد الإستعمالي الذي يرجع الى تطابق بين الظهور الوضعي التصوري وبين المراد الإستعمالي ، وأما أصالة العموم وأصالة الإطلاق فترجع الى أصالة التطابق بين المراد الإستعمالي وبين المراد الجدي ، وكلها مصاديق لأصالة الظهور.
هذه هي محاولة المحقق الخراساني قده فهل هذا الكلام تام أم لا ؟