الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / تحديد موضوع حجية الظهور

الكلام في الإعتراض الثاني على الإحتمال الأول في تحديد موضوع الحجية وهو للسيد الشهيد قده وحاصله:

أنَّ الإحتمال الأول يحتاج الى أجراء أصلين لإحراز موضوع الظهور في مرتبة سابقة على إثبات الحجية للظهور أحدهما أصالة عدم القرينة المتصلة لإحراز الجزء الأول للموضوع - الظهور التصديقي - والآخر أصالة عدم القرينة المنفصلة لإحراز الجزء الآخر - عدم القرينة المنفصلة - ، وهذه الأصول أصول لفظية عقلائية مبنية على الكاشفية واعتبارها من قبل العقلاء على هذا الأساس وليست أصولاً تعبدية صرفة ، وإنما تكون لها الكاشفية بملاحظة الظهور بمعنى أنَّ الظهور وغلبة مطابقته للواقع هو المنشأ لثبوت الكاشفية لهذه الأصول وهو الذي يرجح إحتمال عدم القرينة المنفصلة على إحتمال وجودها ، وأما إذا لاحظنا هذه الأصول بقطع النظر عن الظهور كما هو لازم الإحتمال الأول فهذا يعني أنها أصول تعبدية صرفة لأنها بقطع النظر عن الظهور لا كاشفية لها، بل يتساوى احتمال عدم وجود القرينة مع إحتمال وجودها ولا رجحان لأحدهما على الآخر وقد فرغنا عن أنَّها ليست أصولاً تعبدية صرفة، فهذا الإحتمال فيه لازم باطل.

ومن هنا يستنتج السيد الشهيد قده عدم إمكان الإلتزام بهذا الإحتمال ولابد من الإلتزام بأحد الاحتمالين الآخرين.

وقد يقال في مقام الجواب عن هذا الإعتراض أنَّ الكاشفية لهذه الأصول يمكن إثباتها بقطع النظر عن الظهور وذلك باعتبار أنَّ احتمال عدم القرينة موافق للحالة السابقة وهي العدم لأنَّ القرينة أمر وجودي مسبوق بالعدم ، وهذا يوجب الظن بالعدم ومعه تثبت الكاشفية بهذا المستوى من الظن فيمكن القول أنَّ العقلاء بنوا على حجية هذه الأصول بقطع النظر عن الظهور على أساس الكاشفية ولا يلزم من ذلك أن تكون هذه الأصول تعبدية صرفة.

ويمكن الجواب عنه بأنَّ هذا الجواب مبني على أنَّ الإستصحاب حجة عند العقلاء من باب إفادته الظن ، ولكنهم لا يبنون على ذلك وإنما يبنون عليه في حالات معينة كما إذا حصل الإطمئنان ببقاء الحالة السابقة - كما هو الغالب - أو حصل القطع ببقائها في بعض الأحيان، ولذا ذكروا في باب الإستصحاب أنَّ حجيته ليست قائمة على أساس الظن ولولا الروايات الدالة على حجيته لما إلتزموا بحجيته من باب الظن فهو أصل عملي تعبدي صرف تثبت حجيته في موارد وشروط معينة ، هذا هو الإعتراض الثاني على الإحتمال الأول.

وهناك إعتراض ثالث على الإحتمال الأول وحاصله:

أنَّ لازم الإحتمال الأول الإلتزام بأنَّ القرينة المنفصلة تكون مؤثرة في الظهور التصديقي ويكون وجودها مانعاً منه وهذا خلاف ما تقدم، فقد فرغنا عن أنَّ القرينة المنفصلة ليس لها أي أثر على إنعقاد الظهور التصديقي وهو أنه ينعقد بمجرد فراغ المتكلم عن كلامه وعدم إلحاقه له بقرينة متصلة كما تقدم، نعم القرينة المنفصلة توجب سقوط الظهور المنعقد عن الحجية.

أما بيان هذا اللازم فباعتبار أنَّ موضوع الحجية بحسب الإحتمال الأول هو الظهور التصديقي وعدم القرينة المنفصلة وهذا يعني أنّ القرينة المنفصلة تؤثر في الظهور وأنَّ وجودها مانع من إنعقاده ولذا إشتُرط عدمها في تحقق الظهور.

وجوابه: لابد من التفريق بين مقامين: الأول نتكلم عن أصل إنعقاد الظهور الثاني نتكلم عن حجيته بعد فرض انعقاده، وبلحاظ أصل إنعقاد الظهور فالصحيح هو أنَّ انعقاده لا يتوقف على عدم القرينة المنفصلة ووجودها لا يؤثر في إنعقاده ، بل انعقاده يتوقف على عدم القرينة المتصلة فقط ، فلا مجال لتوهم أنَّ القرينة المنفصلة تهدم أصل الظهور ، ولذا ليس المدعى في محل الكلام أنَّ أصل إنعقاد الظهور يتوقف على عدم القرينة المنفصلة وإنما الكلام في حجية هذا الظهور التصديقي بعد فرض انعقاده ، فهل حجيته منوطة بعدم القرينة المنفصلة واقعاً كما يقول الإحتمال الأول أو بعدم العلم بها كما يقول الإحتمال الثالث ؟

وبعبارة أخرى احتمال القرينة المنفصلة هل يمنع من الحجية أو لا يمنع منها ؟

فالذي يقول أنَّ الجزء الآخر لموضوع الحجية هو عدم القرينة المنفصلة واقعاً فيقول إنَّ إحتمالها يؤثر ويمنع من الحجية فلابد من إحراز عدم القرينة المنفصلة ولو بالأصل ، والذي يقول أنَّ إحتمال القرينة المنفصلة لا يمنع من الحجية وأنها ليست موقوفة على عدم القرينة المنفصلة واقعاً وإنما المهم هو أن لا يُحرز وجودها ، أي تتوقف الحجية على عدم العلم بالقرينة المنفصلة فإذا علمتَ بها فتسقط الحجية وإذا لم تعلم بها الحجية ثابتة وإن إحتملتَ وجودها.

والذي يقول بالإحتمال الأول - كالشيخ الأنصاري والمحقق النائيني - لا يصح الإعتراض عليه بالاعتراض الثالث لأنهم لا ينظرون الى مرحلة إنعقاد الظهور وإنما ينظرون الى مرحلة حجية الظهور بعد فرض انعقاده ويقولون أنَّ الحجية موقوفة على عدم القرينة المنفصلة واقعاً وهذا لا يعني أنها مؤثرة في أصل الإنعقاد ، فهذا الإعتراض ليس وارداً على الإحتمال الأول.

ويبقى السؤال عن حجية الظهور التصديقي وهل هي موقوفة على عدم القرينة المنفصلة واقعاً أم على عدم العلم بها؟

وبعبارة أخرى إنَّ إحتمال القرينة المنفصلة هل يمنع من الحجية أم لا يمنع منها ؟

والإحتمال الأول يقول إنَّ إحتمال القرينة المنفصلة يمنع من الحجية لأنَّ الحجية موقوفة على إحراز عدم القرينة المنفصلة ومع الإحتمال لا إحراز لعدم القرينة ، والإحتمال الثالث يقول إنَّ مجرد إحتمال القرينة المنفصلة لا يمنع من الحجية والذي يمنع منها هو العلم بالقرينة المنفصلة ، فأيهما هو الأصح في المقام ؟

الجواب: الأقرب والأصح هو الإحتمال الثاني أي أن تكون الحجية موقوفة على عدم العلم بالقرينة المنفصلة لا على عدم وجودها واقعاً ، والسر فيه هو أننا نلاحظ أنَّ المتشرعة الذين يعملون بظواهر كلام المعصومين عليهم السلام من زمانهم الى الآن يعملون بالظهور ويبنون على حجيته ويرون أنه يكون منجزاً ومعذراً بالرغم من أنهم يحتملون وجود القرينة المنفصلة ، فإذا تم هذا الكلام فينتفي الإحتمال الأول ، وأما إثبات ذلك فبإعتبار أنَّ المعصومين عليهم السلام ديدنهم هو الإعتماد على القرائن المنفصلة في بيان مراداتهم فالمتشرعة العاملون بكلامهم يحتملون على الأقل وجود قرائن منفصلة توجب سقوط هذا الظهور عن الحجية وبالرغم من ذلك يعملون به ويبنون على حجيته ما لم تصل إليهم القرينة المنفصلة ، أي لم يعلموا بها ، وهذا معناه أنَّ موضوع الحجية ليس هو الظهور التصديقي مع عدم القرينة المنفصلة واقعاً.