الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / تحديد موضوع حجية الظهور

الكلام في تحديد موضوع الحجية وفيه ثلاثة إحتمالات:

الأول: أن يكون موضوع الحجية مركب من الظهور التصديقي وعدم القرينة المنفصلة، وعند الشك يُحرز الجزء الأول بأصالة عدم القرينة المتصلة ويُحرز الجزء الآخر بأصالة عدم القرينة المنفصلة ، فبناءً على هذا الإحتمال لا يُرجع الى أصالة الظهور مباشرة وإنما لابد من إجراء أصلين في رتبة سابقة يُحرز بهما الموضوع، ونُسب هذا الرأي الى الشيخ الأعظم قده.

الثاني: أن يكون موضوع الحجية مركب من الظهور التصوري مع عدم العلم بالقرينة المنفصلة ، ويُحرز الجزء الأول بالعلم بالوضع والجزء الآخر محرز بالوجدان، فالموضوع محرز بالوجدان ، وعليه يجوز الرجوع الى أصالة الظهور بلا حاجة الى إجراء الأصول في مرتبة سابقة.

الثالث: أن يكون موضوع الحجية مركب من الظهور التصديقي مع عدم العلم بالقرينة المنفصلة، ويختلف هذا عن الإحتمال الأول في أنَّ الجزء الثاني للموضوع هناك هو عدم القرينة المنفصلة وهنا عدم العلم بالقرينة المنفصلة، وبناءً عليه يُحرز الجزء الأول عند الشك بإجراء أصالة عدم القرينة المتصلة وأما الجزء الثاني فمحرز بالوجدان وبذلك نحرز موضوع الحجية ويمكن الرجوع الى أصالة الظهور.

وعليه فإجراء أصالة الظهور لإحراز مراد المتكلم يتوقف على إحراز عدم القرينة المتصلة والمنفصلة على الإحتمال الأول ففي حالة الشك لابد من إجراء أصلين - أصالة عدم القرينة المتصلة والمنفصلة - في مرتبة سابقة ومن دون ذلك لا يمكن التمسك بحجية الظهور بناءً على الإحتمال الأول.

وأما بناءً على الإحتمال الثالث فهو يتوقف على إحراز عدم القرينة المتصلة فقط لإحراز الظهور التصديقي وأما القرينة المنفصلة فلا حاجة الى نفيها بالأصل لأنَّ جزء الموضوع هو عدم العلم بها وهو محرز بالوجدان ، وإذا لم يمكن إحراز عدم القرينة المتصلة لسبب من الأسباب تعذر البناء على أصالة الظهور.

وأما على الثاني فهو لا يتوقف على إحراز عدم القرينة مطلقاً بل يكفي في إجراءه الشك في القرينة متصلة أو منفصلة ولذا فالقائل بهذا الإحتمال لا يحتاج الى إجراء هذين الأصلين السابقين لأنَّ كِلا الجزءين محرز بالوجدان.

والكلام يقع في تحديد ما هو الصحيح من هذه الإحتمالات.

إعترض المحقق الأصفهاني قده على الإحتمال الأول وقال ينبغي نفيه وذلك لإستحالة أن يكون عدم القرينة المنفصلة في الواقع دخيلاً في الحجية والبناء العقلائي لأنه يعني أنَّ القرينة المنفصلة بوجودها الواقعي تكون مانعة من الحجية وهو غير معقول ، والمعقول هو أنَّ القرينة المنفصلة بوجودها الواصل تكون مانعة من الحجية ، وحينئذٍ نقول أي نحو من الوصول يكون مانعاً هل هو الوصول العلمي أو حتى الوصول الإحتمالي يكون مانعاً من الحجية ؟

ثم يقول ولا يمكن الإلتزام بالثاني لأنه خلاف ما تبانى عليه الفقهاء إذ لا يرفعون اليد عن الظهور لمجرد إحتمال القرينة المنفصلة ، فلابد من القول أنَّ المانع من الحجية هو الوصول العلمي للقرينة المنفصلة ، أي إحراز القرينة المنفصلة هو المانع من حجية الظهور ، فيكون موضوع الحجية هو عدم العلم بالقرينة لا عدمها واقعاً.

وببيان آخر طرح المحقق الإصفهاني قده ثلاثة إحتمالات في المقام:

الأول: أن تكون القرينة بوجودها الواقعي مانعة من الحجية، وهذا هو ظاهر الإحتمال الأول لأنه يقول أن موضوع الحجية هو الظهور التصديقي وعدم القرينة المنفصلة ، ثم نفى هذا الإحتمال إذ لا يعقل أن يكون الوجود الواقعي للقرينة المنفصلة مانعاً من الحجية وهو خلاف ما تبانى عليه العقلاء.

الثاني: أن تكون القرينة بوجودها الواصل لو وصولاً إحتمالياً هو المانع من الحجية ، ونفاه لأنه خلاف عمل الفقهاء إذ لا يتوقف أحد في حجية الظهور لمجرد إحتمال وجود قرينة منفصلة.

الثالث: أن يكون المانع من الحجية هو القرينة المنفصلة بوجودها الواصل يقيناً ، فتكون الحجية موقوفة على عدم إحراز القرينة المنفصلة ، وهذا الإحتمال هو المتعين ، فالجزء الآخر لموضوع الحجية ليس هو عدم القرينة المنفصلة وإنما هو عدم العلم بالقرينة المنفصلة وهذا هو الإحتمال الثالث من الإحتمالات المتقدمة.

والحاصل أنَّ المانع من الحجية وعن جري العقلاء على طبق الظهور يستحيل أن يكون أمراً واقعياً وبقطع النظر عن وصوله، إذن وجود القرينة المنفصلة واقعاً لا يكون هو المانع حتى يكون عدمها جزءاً من الموضوع بل المانع لابد أن يكون وصول القرينة المنفصلة إليهم ، فإن فُرض أنّ الوصول الإحتمالي للقرينة يمنع من الحجية فهذا لا يمكن الإلتزام به لوضوح أنَّ البناء ليس على رفع اليد عن الحجية لمجرد إحتمال وجود القرينة المنفصلة ، وحينئذٍ يتعين أن يكون المانع هو الوصول العلمي للقرينة المنفصلة ، فمع عدمه يرتفع المانع ويُبنى على الحجية ، ومعناه أنَّ العمل بالظهور عند العقلاء يكفي فيه عدم العلم بالقرينة المنفصلة ، وهو محرز بالوجدان.

وأجيب عن هذا الإعتراض: بأنه إنما يتم إذا فسرنا السيرة العقلائية بالعمل الخارجي والجري العملي من قبل العقلاء فحينئذٍ يقال لا نتعقل أن يكون الوجود الواقعي للقرينة المنفصلة بقطع النظر عن وصولها مانعاً من العمل بالظهور بل الذي يمنعهم من العمل به هو القرينة المنفصلة إذا وصلت إليهم إحتمالاً أو يقيناً ، فيكون لهذا الإعتراض وجه ، وأما إذا فسرنا السيرة العقلائية على العمل بالظواهر بجعل العقلاء الظهور حجة كما تقدم بيانه - وهو أنَّ كل عاقل على تقدير أن يكون مولى فهو يجعل الحجية لظاهر كلامه بالنسبة الى عبيده - فحينئذٍ يقال أي ضير في أن تكون الحجية منوطة بأمر واقعي ،كما أنَّ حجية خبر الواحد منوطة بالوثاقة بوجودها الواقعي ، وكثير من الحجج منوطة بأمور واقعية ولابد من إحرازها بدليل أو بأصل ، فلا إشكال في أن يجعل المولى ظاهر كلامه حجة ويكون منوطاً بعدم القرينة المنفصلة على الخلاف ، أي يكون منوطاً بأمرٍ واقعي.

وإنما نشأ الإشكال والشبهة من أنَّ العمل الخارجي والجري العملي من قبل العقلاء لا يمكن أن يتأثر بالواقعيات غير الواصلة إليهم حتى على مستوى الإحتمال وإما إذا كان الملحوظ هو الحجية المجعولة من قبل العقلاء فلا مانع من إناطتها بأمر واقعي، غاية الأمر إذا لم يحرز المكلف الأمر الواقعي فيستعين بالأصول لإحرازها ، وفي المقام يُحرز عدم القرينة المنفصلة بالأصل ، هذا هو الجواب الأول عن إعتراض المحقق الأصفهاني.

الإعتراض الثاني: ما ذكره السيد الشهيد قده وحاصله:

أنّ الأصول العقلائية اللفظية اعتبارها من باب الكشف والإراءة وليست هي أصولاً تعبدية صرفة ، وهذه الأصول إنما تكون كاشفة على أساس الظهور وبقطع النظر عن الظهور فلا كاشفية فيها ، فإذا أردنا إجراء أصالة عدم القرينة المنفصلة فبقطع النظر عن الظهور فالاحتمالان - إحتمال وجود القرينة وإحتمال عدمها - متساويان ولا ظن بأحدهما ولا كاشفية فيهما ، والمرجح لإحتمال عدم القرينة على إحتمال وجودها هو ظهور الكلام وغلبة مطابقته للواقع إذ لا يكون هذا الظهور مطابقاً للواقع إذا كانت هناك قرينة على الخلاف، وبقطع النظر عن هذا الظهور وغلبة مطابته للواقع لا يترجح أحد الاحتمالين على الآخر ، فلولا ظهور العام في العموم وغلبة مطابقته للواقع لما كان إحتمال عدم القرينة المنفصلة أقوى من إحتمال وجودها ، فالترجيح والكاشفية لأصالة عدم القرينة المنفصلة ناشئ من ظهور العام في العموم وغلبة مطابقته للواقع ، فإذا قلنا أننا نجري أصالة عدم القرينة بقطع النظر عن الظهور فهذا يعني البناء على أنَّ هذه الأصول العقلائية أصول تعبدية وغير مبنية على الكاشفية وهو خلاف ما فرضناه لأنَّ البناء على الكاشفية يعني أنَّ أحد الاحتمالين يكون راجحاً فيحصل ظن بعدم القرينة من غلبة مطابقة الظهور للواقع وبقطع النظر عن ذلك فالاحتمالان متساويان.