43/07/07
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / أجوبة الإشكال الثاني
الإشكال الثاني: لو تنزلنا وقلنا بقيام السيرة على العمل بالظهورات من القسم الثاني ولكن يًحتمل الردع عنها بالروايات الناهية عن العمل بالرأي والروايات الناهية عن العمل بالقياس فتكون هذه الأدلة شاملة للعمل بالظهور من القسم الثاني ومعه لا يمكن إثبات حجية الظهورات مطلقاً.
وأما كفاية إحتمال الردع في عدم الإعتماد على السيرة العقلائية لإثبات حجية الظهورات مطلقاً فلأن السيرة إنما تكون دليلاً إذا كشفت عن الإمضاء الشرعي ولا يمكن إحراز الإمضاء إلا بإحراز عدم الردع وإذا إحتملنا الردع فلا نحرز الإمضاء وبالتالي لا يصح الإستدلال بالسيرة على حجية الظهورات مطلقاً.
وأجيب عنه بوجوه:
الأول: أنَّ الإحتمال المذكور ليس إحتمالاً معتداً به للردع عن سيرة فُرض استقرارها وانعقادها على العمل بالظهور -حتى من القسم الثاني - بل ينبغي أن يكون الردع عن هذه السيرة واضحاً ، فكأنَّ عدم الردع محرز هنا.
وبعبارة أوضح أنَّ هذا المقدار لا يولد إحتمالاً معتداً به على نحو يمنع من إحراز الإمضاء وإنما يولد إحتمالاً ضعيفاً لا يمنع من إحراز الإمضاء.
الثاني: أن يفترض وجود دليل يُشكِّل ظهوراً من القسم الأول الذي لا إشكال في حجيته بقيام السيرة عليه وإحراز عدم الردع عنه، فإذا كان حجة وكان مفاده حجية الظواهر مطلقاً فتثبت باعتبارها مدلولاً لروايات ثبتت حجيتها باعتبارها من القسم الأول وهو القدر المتيقن من الظواهر المعتبرة.
فحجية الظواهر مطلقاً لم تثبت إستناداً الى السيرة وإنما ثبتت إستناداً الى دليل لفظي نعم يشترط فيه أن لا يكون داخلاً في الظواهر من القسم الثاني وإلا لزم الدور.
ويدعى إمكان تطبيق هذا الوجه في موردين:
المورد الأول الروايات التي الآمرة بالتمسك بالكتاب والسنة.
المورد الثاني الروايات الآمرة بالرجوع الى الكتاب العزيز، نحو: (..يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجࣲۚ﴾...الخ )[1] ، أو الروايات الدالة على عرض الأخبار على الكتاب (..إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به.)[2]
فيقال إنَّ الروايات الآمرة بالتمسك بالكتاب والسنة دلالتها على وجوب التمسك بهما دلالة عرفية واضحة لا تبتني على إعمال عنايات وإلغاء خصوصيات فتثبت حجية هذا الظهور لأنه داخل في القسم الأول المتيقن الحجية ، ومفاد هذه الروايات هو وجوب العمل بالكتاب والسنة وهو تارة يكون باعتبارهما كلاماً ولفظاً ودلالة فيكون مفاد هذه الروايات وهو وجوب العمل بدلالات الكتاب والسنة وحينئذٍ يقال إنَّ مقتضى الإطلاق اللفظي هو وجوب العمل بدلالات الكتاب والسنة سواءً كانت من القسم الأول أو الثاني.
وأخرى يدل على المطلوب أيضاً باعتبار أنَّ الملحوظ في العرض على الكتاب هو المعاني فقوله عليه السلام (..يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجل..) مفاده: إعمل بالمعاني المستفادة من كتاب الله بنحو تكون هي الميزان في قبول الخبر أو طرحه ، وحينئذٍ يقال إنَّ مقتضى الإطلاق المقامي هو العمل بالمعاني سواءً كانت داخلة في الظهور من القسم الأول أو الثاني ، لأنَّ أمر الشارع بالعمل بالمعاني المستفادة من الكتاب الكريم والسنة يعني أنه أوكل أمر تشخيصها الى العرف ولم يحدد طريقة خاصة وهذا هو معنى الإطلاق المقامي ، وحينئذٍ يقال لا إشكال في أنَّ الظهورات من القسم الثاني كالظهورات من القسم الأول يستفيدها العرف من القرآن الكريم غاية الأمر أنَّ الظهورات في القسم الأول تُستفاد بلا حاجة الى إعمال عناية وتوسط تحليل بينما الظهورات في القسم الثاني بحاجة الى إعمال عنايات وإلغاء خصوصيات وشيء من التحليل ولكنه يبقى معنى مستفاداً من القرن الكريم.
فمقتضى هذه الروايات هو ثبوت حجية الظواهر في كِلا القسمين.
الثالث: إنَّ الأدلة التي إحتمل فيها الردع عن السيرة متأخرة الصدور عن السيرة وهذا يعني أن السيرة في صدر الإسلام كانت منعقدة على العمل بالظواهر حتى من القسم الثاني ولا يُحتمل فيها الردع فيثبت الإمضاء في الزمان السابق على صدور هذه الأدلة، فإذا نشأ إحتمال الردع بعد صدور هذه الروايات فهذا يرجع في واقعه الى إحتمال النسخ ولا يعتنى به لإمكان الرجوع الى إستصحاب الإمضاء واستصحاب الحجية فتثبت حجية الظواهر مطلقاً.
وهذا الجواب مبني على تسليم إنعقاد سيرة للعقلاء على العمل بالظهور في القسم الثاني في الزمان السابق، وأما إذا لم نحرز قيام السيرة على العمل بالظهور في هذا القسم فيبطل هذا الجواب، ولا يبعد أن يكون المفروض في محل الكلام هو إنعقاد السيرة على العمل بالظهور مطلقاً.
الرابع: التمسك بروايات تدل على أنَّ الأئمة عليهم السلام كانوا يستدلون على بعض الأحكام الشرعية بالظواهر من القسم الثاني فيثبت أنها حجة عندهم عليهم السلام.