الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / الإشكال على الإستدلال بسيرة العقلاء على حجية الظواهر

أشكل على الإستدلال بالسيرة العقلائية على حجية الظهور بأنَّ المتيقن منها هو السيرة العقلائية على عمل العقلاء بالظهورات العرفية المتعارفة بينهم ولكن الشارع ليس كذلك فإنه كثيراً ما يعتمد على القرائن المنفصلة في إيصال مراده ، بل الإنفصال في كلام الشارع يقع بزمان طويل جداً يصل الى عقود من الزمن والقرينة من متكلم آخر كتقييد كلام إمام بكلام إمام آخر وهذا ما لا يبني عليه العرف خصوصاً إذا كان المتكلم غيرهم ، وهذا يعني أنَّ الشارع له طريقة خاصة في بيان مراداته وإنعقاد السيرة العقلائية على العمل بالظهور إنما هو في ظهور كلام المتكلم المتعارف بينهم ولا نحرز بناءهم على حجية ظهور كلام متكلم خارج عن طريقتهم العرفية ، ومن هنا نحتاج الى ضم سيرة المتشرعة لإثبات أنهم يعملون بظاهر كلام الأئمة عليهم السلام.

والجواب عنه بما تقدم من أنَّ لسيرة العقلاء مجالان: الأول الإعتماد على الظواهر في مجال الأغراض التكوينية ، الثاني الإعتماد على الظواهر في مجال الأغراض التشريعية - أي لإثبات التنجيز والتعذير-.

وعليه نقول: أنَّ هذه الطريقة غير المتعارفة التي سار عليها الشارع من كثرة الإعتماد على القرآن المنفصلة ولو كانت لمتكلم آخر إنما توجب تزلزل السيرة بلحاظ المجال الأول ولا توجب ذلك بلحاظ المجال الثاني ، بمعنى إذا كان الغرض من الإعتماد على الظهور هو التوصل الى الواقع في الأغراض التكوينية فهذا يتأثر بكثرة الإعتماد على القرائن المنفصلة لأنها تبتني على الكاشفية التي تتزلزل بكثرة الإعتماد على القرائن المنفصلة ، وأما إذا كان الغرض من الإعتماد على الظهور في الأغراض التشريعية وإثبات التنجيز والتعذير بقطع النظر عن الواقع فهذا لا يؤثر فيه كثرة الإعتماد على القرائن المنفصلة ، فإذا ورد دليل على شيء فيكون منجزاً له ويستحق العبد العقاب على تقدير المخالفة ، ولا مانع من ورود بيان آخر يدل على خلافه ويكون الأول منجزاً ما لم ترد قرينة الى الخلاف ، أو يكون مؤمناً كذلك حتى يرد بيان آخر على خلافه ، فالغرض هو إثبات التنجيز والتعذير لا الوصول الى الواقع وهذا لا يتأثر بكثرة إعتماد المتكلم على القرائن المنفصلة ، فلا مانع من الإستدلال بسيرة العقلاء على حجية الظهور في المجال الثاني وهو المهم في محل الكلام.

إشكال آخر على الإستدلال بسيرة العقلاء على حجية الظهور مطلقاً، وحاصله:

نحن نحتمل وجود رادع عن العمل ببعض مراتب الظهور وإن لم نحتمل وجود رادع عن العمل به بتمام مراتبه وذلك لاستقرار السيرة العقلائية على العمل بالظهورات بما فيهم المتشرعة ولو وجد الرادع لم يتحقق إتفاق المتشرعة على العمل بالظهورات ، فهناك ظهورات لا يُحتمل الردع فيها كظهور ( كل ) في العموم ، وصيغة إفعل في الوجوب ، وظهور أدوات الشرط في التعليق ، والعام المجموعي في مدلوله ، ونحو ذلك من الظهورات المتعارفة ، ولكن هناك ظهورات يحتمل فيها الردع وهي التي تبتني على التحليل ويطلق عليها ( مناسبات الحكم والموضوع ) وهي التي يتعدى فيها من مورد الى آخر فهنا نحتمل الردع عن العمل بها إما باعتبار أنها من التفسير بالرأي والأدلة تنهى عنه ، وإما باعتبار صدق العمل بالقياس عليها وهذا يحصل في الموارد التي يتعدى فيها من مورد النص الى غيره والتي يعبر عنها بإلغاء الخصوصية والقطع بعدم الخصوصية ونحو ذلك كما يُتعدى في القياس من مورد النص الى غيره غاية الأمر الجزم بعدم الخصوصية أو حمل المورد على المثالية ، فيقال في هذا الإشكال أنَّ الأدلة الناهية عن العمل بالقياس يُحتمل أن تكون رادعة عن العمل بالظهور في هذه المرتبة وإحتمال الردع يكفي في عدم صحة الإستدلال بالسيرة على حجية هذه الظهورات في هذه المراتب.

وبعبارة أخرى الظهورات على قسمين بعضها واضح لا يبتني على الدقة والتحليل وهذه لا نحتمل فيها الردع وبعضها يبتني على التحليل ولذا يختلف فيها الفقهاء وفي هذه يحتمل الردع بأحد الوجوه المتقدمة.

وجوابه:

أولاً إنَّ هذا المقدار من الإحتمال لا يكفي في الردع عن سيرة عقلائية يفترض أنها متجذرة ومتأصلة ومبنية على مرتكزات عقلائية.

ثانياً - وهو المهم - قد نعثر بعد التفتيش على ظهورات نجزم بعدم الردع عن العمل بها ، أي نجزم بانعقاد السيرة على العمل بها ونجزم بعدم ردع الشارع عن العمل بها ويمكن أن نتمسك بها لإثبات حجية باقي الظهورات ، كما لو وجد دليل يدخل في القسم الأول في دلالته على مدلوله ويكون مفاده هو حجية الظواهر من القسم الثاني فيثبت به حجية هذا القسم من الظواهر وبذلك تثبت حجية الظهورات الأخرى.

ويمثل لذلك بالأدلة الآمرة بالعمل بالكتاب والسنة والتمسك بهما كحديث الثقلين فالظهور فيها يدخل في القسم الأول فهو ظهور واضح في لزوم إتباع الكتاب والسنة واستقرت سيرة العقلاء على العمل به ونجزم بعدم الردع عنه فيثبت مفاده وهو لزوم العمل بالكتاب والسنة ثم نستفيد من هذا الظهور التمسك بما هما ظاهران في مدلولهما ولو كان هذا الظهور من القسم الثاني.