43/07/05
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر / الإستدلال على الحجية بسيرة المتشرعة
الأمر الرابع الذي أشار إليه المحقق الخراساني قده وهو أنَّ حجية الظواهر ثابتة مطلقاً وليست مقيدة لا بحصول الظن بالوفاق ولا بعدم حصول الظن بالخلاف.
وقد يقال أنَّ إثبات الإطلاق في حجية الظواهر يكون تاماً وواضحاً فيما إذا إستدللنا على الحجية بالسيرة العقلائية ولكنه ليس كذلك إذا كان الدليل هو سيرة المتشرعة، أما الأول فيكفي في إثباته ما ذكره المحقق الخراساني قده من بناء العقلاء على إدانة من يهمل العمل بالظاهر بدعوى عدم حصول الظن بالوفاق أو محتجاً بحصول الظن في الخلاف، بل إستقر بناء العقلاء على عدم إدانة من يعمل بالظواهر وإن حصل له الظن بالخلاف أو لم يحصل له الظن بالوفاق ، وهذا ما يكشف على أنَّ سيرة العقلاء منعقدة على العمل بالظواهر مطلقاً.
وأما الثاني - أي أنَّ الدليل على حجية الظواهر هو سيرة المتشرعة - فقد يقال يصعب إثبات إطلاق الحجية وشمولها لحالتي حصول الظن بالخلاف أو عدم حصول الظن بالوفاق والسر فيه هو أنَّ سيرة المتشرعة أشبه بالأدلة اللُّبية يقتصر فيها على القدر المتيقن عند الإجمال وذلك لأننا لم نعاصر المتشرعة في عصر المعصومين عليهم السلام ولم نطلع على تفاصيل عملهم فغاية ما ثبت لدينا هو أنهم يعملون بالظواهر وما عدا ذلك مجمل فيُقتصر فيه على القدر المتيقن ، ولا إشكال في أنَّ القدر المتيقن هو إثبات حجية الظهور بشرط عدم حصول الظن بالخلاف أو حصول الظن بالوفاق.
والجواب عنه:
يمكن إثبات حجية الظواهر مطلقاً حتى إذا كان الدليل هو سيرة المتشرعة والوجه فيه - بعد فرض إستقرار سيرة العقلاء على العمل بالظواهر مطلقاً بالتقريب المتقدم - هو أنَّ سيرة المتشرعة المنعقدة على العمل بالظواهر في الجملة لا تخلو من أحد فرضين : إما أن نفترض أنهم يعملون كما يعمل العقلاء أي يثبتون الحجية للظواهر مطلقاً ، وإما أن نفترض أنهم يعملون بالظواهر في دائرة أخص أضيق مما إستقر عليه بناء العقلاء ، أما على الفرض الأول فيثبت المطلوب ، وأما على الفرض الثاني فنسأل لمَ عمل المتشرعة بالظواهر بدائرة أخص من عمل العقلاء ، أو قل لماذا قيَّدوا حجية بالظواهر بحصول الظن بالوفاق أو بعدم حصول الظن بالخلاف ؟
والسبب فيه لا يخلو من أحد شيئين: إما أنهم فعلوا ذلك بمقتضى الطبع العقلائي المتجذر فيهم وإما لأنهم تلقوا ذلك التضييق من قِبل الشارع ، والأول منفي جزماً لافتراض أن العقلاء يعملون بالظواهر مطلقاً ، والثاني منفي كذلك لأنَّ معنى تلقيهم التحديد من قبل الشارع هو أنه ردعهم عن العمل بالسيرة العقلائية وصحح لهم سيرة العقلاء ، وعليه نقول لو كان الشارع ردع عن سيرة عقلائية فرضنا أنها مستقرة ومستحكمة لوصل هذا الردع إلينا فإنَّ مقتضي الوصول موجود والمانع منه مفقود ولكن لم يصل إلينا هذا الردع بل وصل إلينا ما يعزز عمل العقلاء فنستكشف منه عدم الردع واقعاً ، وهذا يعني أنَّ المتشرعة لم يتلقوا هذا التحديد في الحجية من قِبل الشارع ، فلا فرق في الإستدلال على حجية الظواهر بين أن يكون الدليل هو السيرة العقلائية أو يكون هو سيرة المتشرعة فكل منهما يثبت حجية الظواهر مطلقاً.
وهذا البيان يتوقف كما هو واضح على إفتراض إنعقاد سيرة من قبل العقلاء على العمل بالظواهر مطلقاً ، وهذا لابد منه لأنَّ إستكشاف سيرة المتشرعة على العمل بالظواهر الأساس فيه هو أنّ المتشرعة لو لم يعملوا بالظواهر فلابد لهم من طريقة أخرى يعتمدون عليها في مقام التفهيم وكل طريقة غير العمل بالظواهر هي طريقة غريبة وعجيبة جداً ولو كانت لبانت ولنقلت إلينا وحيث لم تنقل إلينا طريقة أخرى فلابد من أن يكون المتشرعة يعلمون بالظواهر أيضاً ، وتكون هذه الطريقة موافقة للطبع العقلائي.
ويمكن تطبيق هذا الكلام إشكالاً وجواباً في موارد أخرى من قبيل حجية ظهور الحال وحجية ظهور الفعل - كالقيام الدال على الإحترام - فهل يكون هذا الظهور حجة أم لا ؟
أما الإشكال فيقول يمكن إثبات حجية هذه الظهورات مطلقاً بالسيرة العقلائية ولكن لا يمكن إثباتها مطلقاً بالسيرة العقلائية ، أما أثباتها بالسيرة العقلائية فبأن يقال إنَّ العقلاء يلومون من لا يعمل بظهور الحال وظهور الفعل مطلقاً ولا يلومون من يعمل بهذا الظهور وإن حصل له الظن بالخلاف أو لم يحصل له الظن بالوفاق.
وأما إثباتها بسيرة المتشرعة فيرد فيه ما تقدم من أن هذه السيرة عملٌ لغيرنا وحيث لم نعاصرهم فلا نعلم كيف كانوا يعملون فيكون عملهم مجملاً فنقتصر فيه على القدر المتيقن ، فلا تثبت حجية هذه الظهور مطلقاً إذا كان الدليل هو سيرة المتشرعة بخلاف ما إذا كان هو السيرة العقلائية.
والجواب هو الجواب وهو أنه يمكن إثبات سيرة المتشرعة على العمل بهذه الظهورات مطلقاً بعد فرض وجود سيرة عقلائية على العمل بهذه الظهورات مطلقاً ، وعليه فنقول إنَّ سيرة المتشرعة لا تخلو إما أن تنعقد على العمل بهذه الظهورات مطلقاً أو تنعقد على العمل بها في دائرة أخص ، والإحتمال الأول يُثبت المطلوب والإحتمال الثاني منفي بما تقدم بأنَّ هذا التحديد إما أن يكون صادراً على أساس المرتكزات العقلائية وإما أن يكون من جهة التلقي من جهة الشارع والأول خلف الفرض ، والثاني لو كان لكان ردعاً عن سيرة عقلائية قائمة مستحكمة وتعديلاً لمسارها وتصحيحاً لها لوصل إلينا ومن عدم الوصول نستكشف عدم الردع ، وهذا يعني أنَّ المتشرعة لم يتلقوا هذا التحديد من الشارع ويعني إنّهم يعملون بهذه الظواهر في نفس الدائرة التي يعمل بها العقلاء وهو الحجية مطلقاً.