43/06/22
الموضوع: الظن/ حجية الظواهر /
ذكرنا أنه يمكن الإستغناء عن الشرطية الثانية لاستكشاف الإمضاء في السيرة العقلائية وذلك لأنَّ إفتراضها يتضمن إفتراض سيرة المتشرعة بما هم عقلاء وإفتراض إتفاق المتشرعة على موقف عملي لابد أن يكون مأخوذاً من الشارع ، وإفتراض أنَّ جميع المتشرعة ينساقون مع النكات العقلائية من دون مراجعة الشارع في أمور تخصه بعيد جداً ، نعم قد يصح ذلك في البعض لكن لا يمكن إفتراضه في جميع المتشرعة لأنَّ صدور العمل بما هم متشرعة منهم يكون بموافقة الشارع فيثبت أنَّ هذا الموقف مُتلقى من الشارع ولو بنحو الموجبة الجزئية فيثبت الإمضاء بهذا البيان.
ومن هنا تظهر الفوارق العملية التالية:
الأول: إنَّ سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص لا تحتاج الى ضم شيء في إثبات الإمضاء وهي تكشف عن الحكم الشرعي كشف المعلول عن العلة بمجرد فرض إنعقادها، بينما سيرة المتشرعة بالمعنى الأعم لا تكشف عن الحكم الشرعي كذلك وتكشف عن الإمضاء مع ضم المقدمة الأولى فقط ولا حاجة الى المقدمة الثانية أيضاً.
الثاني: تتوقف سيرة المتشرعة على إثبات إستقرار بناء المتشرعة على العمل فتكشف عن الحكم الشرعي كشف العلول عن العلة ، فلو إستقرت سيرتهم على الجهر في ظهر الجمعة فهذا عمل خارجي كاشف عن الحكم الشرعي ، وأما السيرة العقلائية فلا يشترط فيها وجود عمل خارجي وإنما المهم هو وجود مرتكزات عقلائية عامة تقتضي تحركاً معيناً وموقفاً خاصاً ، وذلك لأنَّ إستكشاف الإمضاء من السيرة العقلائية بأن يقال: إنّ الشارع لو لم يمضِ لردع ولو ردع لوصل - بناء على الإحتياج الى المقدمة الثانية - وهذا البيان متحقق في المرتكزات العقلائية وإن لم تتمثل بعمل في الخارج فإنها مادامت مستقرة في إذهان العقلاء وتقتضي بطبعها سلوكاً خاصاً وإن لم يتحقق ذلك السلوك لمانع فهي تُعرِّض أغراض الشارع للخطر فلو فرضنا عدم رضا الشارع بها للزم الردع عنها بإحدى الدلالات الثلاثة المتقدمة ، فحجية الظواهر مثلاً إذا أردنا إثباتها بسيرة المتشرعة فلابد من إثبات عملهم بالظواهر فيكشف ذلك عن الإمضاء الشرعي كشف المعلول عن العلة ، وأما إذا أردنا الإستدلال عليها بالسيرة العقلائية فلا حاجة الى إفتراض عمل العقلاء بالظواهر ويكفي في إثبات حجيتها وجود مرتكزات عقلائية مستقرة في أذهان العقلاء تقتضي العمل بالظواهر في مطلق المجالات وهذا ما يَعرِّض أغراض الشارع للخطر لو لم يرضَ بها ولردعَ عنها ، فيكون عدم ردعه نقضاً للغرض وهو خلاف ظهوره الحالي فيُستكشف من سكوته الإمضاء.
الثالث: إذا إنعقدت سيرة المتشرعة فلا يُحتمل الردع عنها لأنها معلولة للحكم الشرعي بل يوجد تنافٍ واضح بين إنعقاد سيرة المتشرعة وبين الردع فإنه لو ردع عنها لما إنعقدت ، وأما السيرة العقلائية فيُحتمل فيها الردع ولذا نحتاج فيها الى إثبات عدم الردع.
وخلاصة البحث: يمكن أن نقول أنه كلما أحرزنا إنعقاد عمل المتشرعة في زمانهم عليهم السلام على شيء كان كاشفاً عن الحكم الشرعي كشفاً إنياً حتى إذا كان يُحتمل نشوء عملهم من مرتكزات عقلائية بعد ضم النكتة الأخيرة وهي أننا لا نحتمل إطباق المتشرعة على موقف معين إستناداً الى نكات عقلائية صرفة من دون السؤال من الشارع وأخذ موافقته على ذلك ، وأما إذا لم نُحرز ذلك فإن أحرزنا إقتضاء الطبع والمرتكزات العقلائية لذلك السلوك المعين لو خُليت ونفسها فيثبت بها الإمضاء لكن بضميمة المقدمتين الشرطيتين السابقتين - بناءً على الإحتياج الى الشرطية الثانية - .
هذا تمام الكلام عن السيرة.
حجية الظواهر
إستدل المحقق الخراساني على حجية الظواهر بقوله :
(.. لاستقرار طريقة العقلاء على اتّباع الظهورات في تعيين المرادات ، مع القطع بعدم الردع عنها ، لوضوح عدم اختراع طريقة اُخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه ، كما هو واضح.
والظاهر أنّ سيرتهم على اتّباعها من غير تقييد بإفادتها للظنّ فعلاً ، ولا بعدم الظنّ كذلك على خلافها قطعاً) أي أنَّ السيرة على العمل بالظواهر غير مشروطة بأن تكون مفيدة للظن الفعلي بالوفاق ولا مشروطة بعدم الظن الفعلي بالخلاف ، وإستدل على ذلك بقوله :
(ضرورة أنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظنّ بالوفاق ولا بوجود الظنّ بالخلاف.) أي إنَّ العقلاء لا يعذرون العبد إذا اعتذر بمخالفة كلام مولاه بعدم حصول الظن بالوفاق.
والكلام على ضوء ما ذكره صاحب الكفاية يقع في أمور أربعة:
الأول في تحديد المقصود بحجية الظواهر.
الثاني في الإستدلال عليها بالسيرة العقلائية، وفيه كلام في الكبرى والصغرى كما سيأتي.
الثالث لماذا لم يستدل صاحب الكفاية على حجية الظواهر بسيرة المتشرعة.
الرابع في عدم تقيُّد الحجية بالظن بالوفاق ولا بعدم الظن بالخلاف.
أما الأمر الأول فيمكن تصور معنيين لكون الظهور حجة:
المعنى الأول: إنَّ الظهور حجة في مجال تحصيل الواقع أي في مجال الأغراض التكوينية ، من قبيل الإعتماد عليها في تفسير الشعر ، وفهم تأليف معين ، ولتعيين سعر العملة ونحو ذلك من الأمور التكوينية فلا يترتب على الإعتماد على الظهور شيء سوى الوصول الى الواقع.
المعنى الثاني: أنَّ الظواهر حجة في مجال الخروج عن عهدة التكليف وتحصيل المؤمن أي حجة في التنجيز والتعذير ، وهذا يكون عادة في مجال التعامل مع الموالي ، فيكون الظهور حجة بيد المولى لإثبات التنجيز ويكون حجة في تحصيل المؤمن للعبد على المولى ، ولا يلحظ هنا مطابقة الواقع أو عدم مطابقته.
لا إشكال أنَّ المقصود في المقام هو المعنى الثاني لأنَّ المهم هو تحصيل المنجِّز أو تحصيل المؤمِّن وهو معنى الحجية، نعم يقع الكلام في أنَّ هذه الحجية هل يمكن إثباتها إستناداً الى قيام السيرة على الحجية في مجال الأغراض التكوينية بعد الفراغ عن إمكان إثباتها بقيام السيرة على الحجية في مجال الأغراض التشريعية.
وبعد ذلك يقع الكلام في أنَّ هذه الحجية هل هي حجية ذاتية كحجية القطع أم هي جعلية فلابد في إثباتها من دليل يدل على جعل الحجية للظواهر.