الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

43/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الظن/المقدمة / إمكان التعبد بالظن/ إعتراض السيد الخوئي على المصلحة السلوكية

إعترض السيد الخوئي قده على المصلحة السلوكية ببيانين ذُكر أحدهما في الدراسات وذُكر الآخر في مصباح الأصول ، ففي الدراسات ذكر أنَّ المصلحة السلوكية معقولة في نفسها ولا يلزم منها المحال ولا يخالفها شيء من الروايات ولا الإجماع إلا أنه لا دليل عليها فهي مجرد إحتمال ولكنه كافٍ في رد دعوى إمتناع جعل الحكم الظاهري لإنَّ الإمتناع يعني إستحالة الثبوت والإحتمال ينفيه.

وأما في مصباح الأصول فاعترض عليها بلزوم التصويب لأنَّ المفروض في المصلحة السلوكية هو أنَّ سلوك طريق الأمارة يشتمل على مصلحة يُتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع بسبب سلوك طريق الأمارة وفي هذه الحالة لا يُعقل عدم تغيُّر الواقع بأن يبقى الحكم متعلق بصلاة الظهر تعييناً كما فُرض في المثال المتقدم ولابد أن يتبدل هذا الحكم الى الوجوب التخييري بين صلاة الظهر وبين سلوك طريق الأمارة المؤدي الى صلاة الجمعة ، لأنَّ المكلف الجاهل بالحكم الواقعي والذي قامت عنده الأمارة المخالفة للواقع بحسب الفرض لا يُعقل أن يكون حكمه حكم العالم بالواقع الذي حكمه التعيين فلابد أن يكون حكم غير العالم هو التخيير بين صلاة الظهر وبين سلوك طريق الأمارة ، وذلك لأنَّ المصلحة السلوكية تفترض وجود مصلحة في سلوك طريق الأمارة يُتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع ، فالمكلف الجاهل بالواقع والذي قامت عنده أمارة مخالفة للواقع على وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة لا يمكن أن نقول تجب عليه صلاة الظهر تعييناً وإنما يتبدل حكمه الى التخيير فهناك مصلحتان مصلحةٌ في صلاة الظهر وهي المصلحة الواقعية ومصلحة أخرى مساوية لها موجودة في سلوك طريق الأمارة ويكون إختصاص الوجوب بصلاة الظهر ترجيح بلا مرجح، فلابد أن يكون الواجب هو الجامع بينهما ويكون الوجوب وجوباً تخييرياً ، فلو فرضنا أنَّ الجاهل جاء بصلاة الظهر فقد أدرك المصلحة الواقعية لأنه جاء بالواجب والواقعي ويجزيه ذلك بلا إشكال ،كما يجزيه سلوك طريق الأمارة بأن يصلي صلاة الجمعة فيحصل في كل منهما على نفس المقدار من المصلحة ، فلابد أن يكون الواجب هو الجامع بينهما لا خصوص صلاة الظهر ، وهذا تصويب وتبدل في الواقع حدث بسبب قيام الأمارة.

ويمكن أن يُقرَّب هذا الإشكال بتقريب آخر بأن يقال إنّ المصلحة السلوكية فُرض فيها إنفتاح باب العلم ، وفُرض فيها أنّ الخطأ في الأمارة أكثر من الخطأ في سلوك الطرق العلمية المؤدية الى الأحكام الواقعية ، فقد تقدم أنه على فرض الإنسداد وبضميمة عدم إمكان إهمال إمتثال الأحكام الواقعية وضميمة عدم جواز أو عدم وجوب الإحتياط يكفي ذلك في إمكان التعبد بالظن بل لزومه ولا حاجة حينئذٍ الى المصلحة السلوكية.

وكذلك لو قلنا بالانفتاح مع فرض دوام إصابة الطرق الظنية للواقع فلا فرق بينها وبين الطرق العلمية فلا تفوت على المكلف المصلحة ولا يقع في المفسدة فلا حاجة الى المصلحة السلوكية ، وكذلك الحال إذا فرضنا أنَّ إصابة الواقع في الأمارة مساوية لإصابة الطرق العلمية للواقع فهنا نقول بإمكان التعبد بالأمارة ولا يلزم من ذلك إيقاع المكلف في المفسدة أو تفويت المصلحة عليه لأنّ المفروض أنه يقع في مخالفة الواقع بقطع النظر عن التعبد بالأمارة ، فالوقوع في المفسدة وتفويت المصلحة ليس ناشئاً من التعبد بالأمارة حتى يقال بالامتناع.

ففُرض في المصلحة السلوكية إنفتاح باب العلم وأنها أقل إصابة للواقع من إصابة الطرق العلمية ، فحينئذٍ يُتصور أن يكون التعبد بالأمارة مؤدياً الى تفويت المصلحة أو الوقوع في المفسدة فنحتاج الى المصلحة السلوكية للجواب عن هذا الإشكال ، فنقول بأنَّ في سلوك طريق الأمارة مصلحة يُدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع.

والإشكال يقول إنَّ هذا مرجعه الى وقوع التزاحم بين مصلحتين المصلحة الفائتة والمصلحة التي يُتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع بمعنى أنّ المحافظة على المصلحة الواقعية يقتضي إلزام المكلف بتحصيل الطرق العلمية لأنها أكثر إصابة للواقع من الأمارة بينما المحافظة على المصلحة السلوكية يقتضي الأمر بسلوك طريق الأمارة ، وأمرُ المكلف بتحصيل الطرق العلمية يُفوت عليه تحصيل المصلحة السلوكية كما أنَّ أمره بسلوك طريق الأمارة يؤدي الى فوات المصلحة الواقعية في بعض الأحيان ، وحينئذٍ يُرجع الى الأهم منهما والمفروض في محل الكلام أنَّ المصلحة السلوكية هي الأهم بنظر الشارع لأنَّه أمرَ بسلوك طريق الأمارة في ظرف الجهل بالواقع وهذا يعني أنَّ المصلحة الواقعية أصبحت مغلوبة للمصلحة السلوكية في فرض جهل المكلف بالواقع ، وهذه المغلوبية حصلت بسبب التعبد بالأمارة وهذا نحو من التصويب ، بمعنى أنَّ المصلحة الواقعية قبل التعبد بالأمارة لم تكن مغلوبة لشيء وبعد التعبد بها أصبحت مغلوبة للمصلحة السلوكية وهذا تبدل في الواقع بلحاظ المصلحة الواقعية التي هي من مبادئ الحكم الشرعي ، والتبدل في مبادئ الحكم نحو من التصويب ، وهذا من قبيل قيام المصلحة في نفس الفعل المباح واقعاً بسبب قيام الأمارة كما لو فُرض حدوث المصلحة في صلاة الجمعة بسبب قيام الأمارة.

وفي أجود التقريرات ذكر السيد الخوئي قده ما يمكن أن تكون فيه إشارة الى الجواب عن الإعتراض بلزوم التصويب من المصلحة السلوكية ، وحاصله:

أنَّ المصلحة الواقعية والمصلحة السلوكية ليسا في مرتبة واحدة حتى يحصل الكسر والانكسار بينهما بل هما في رتبتين بمعنى أنَّ المصلحة السلوكية في طول المصلحة الواقعية ومتأخرة عنها ولا معنى حينئذٍ لأن تكون إحداهما غالبة والأخرى مغلوبة ، فكأنَّ الطولية وتعدد الرتبة يدفع مشكلة الكسر والإنكسار .

وتوضيح ما ذلك:

إنّ الطولية التي إفترضها هي بلحاظ كون المصلحة السلوكية موجودة في سلوك طريق الأمارة والعمل على طبقها، وكل أمارة هي بصدد تعيين الواقع والكشف عنه لأنها طريق الى الواقع ، فالشارع أمرنا بالعمل على طبق الأمارة التي هي بصدد تعيين الواقع ، فالواجب هو العمل بأمارة من هذا القبيل ، وبناءً عليه لابد أن يكون الحكم الظاهري المجعول في مورد الأمارة مترتباً على الحكم الواقعي وفي طوله وإذا كان كذلك فيستحيل أن يكون نافياً له لأنه قد أُخذ في موضوعه إفتراض وجود حكم واقعي مشكوك فيه ، فلا يُعقل أن يكون الحكم الظاهري نافياً للحكم الواقعي ، فلابد أن يكون الحكم الواقعي ثابت مع ثبوت الحكم الظاهري ، وهذا يُثبت ترتب المصلحة السلوكية على المصلحة الواقعية لأنَّ الحكم الواقعي أُخذ في موضوع الحكم الظاهري.

هذا هو الجواب عن الإعتراض بحصول الغالبية والمغلوبية بين المصلحتين ولزوم التبدل في الواقع.