43/05/06
الموضوع:الظن/ المقدمة/إمكان التعبد بالظن/الوجه الرابع
توضيح مناقشة التفسير الثاني للوجه الثالث - وهو التعليقية بلحاظ عدم الإذن في الخلاف - وما تقدم هو قولنا :
لكن الظاهر عدم صحة هذا الكلام لأنَّ تعليق فعلية الحكم الواقعي على عدم الإذن في المخالفة وإن كان شاملاً - على تقدير صحته - لجميع الأحكام الواقعية حتى في موارد الطرق والأمارات إلا أننا نحرز تحقق الشرط المعلَّق عليه أي عدم الإذن في الخلاف في هذه الموارد لأنه مع وصول الحكم الواقعي بالأمارة المعتبرة لا يبقى مجال للحكم الظاهري لإرتفاع موضوعه وهو الشك في الحكم الواقعي ، فالصحيح هو وجود محذور في إجتماع الحكمين الواقعي والظاهري في هذه الموارد غايته أنَّ المحذور ليس هو إجتماع المثلين أو الضدين وإنما المحذور هو إرتفاع الحكم الظاهري في موارد الطرق والأمارات.
أما الوجه الرابع فكان يبتني على إختلاف الرتبة في الحكمين الواقعي والظاهري وأنَّ الثاني متأخرٌ برتبتين عن الأول ، وإختلاف الرتبة يدفع شبهة التضاد ، فاجتماع الحكمين في رتبتين كاجتماعهما في زمانين غير محال.
وقلنا أنَّ صاحب الكفاية إدعى أنَّ الحكم الظاهري يستحيل أن يجتمع مع الحكم الواقعي في رتبته لكن العكس - أي إجتماع الحكم الواقعي مع الظاهري في رتبته - غير مستحيل فيلزم التضاد.
وقلنا في جوابه أنَّ الملحوظ إن كان هو عالم الرتب فالصحيح هو كما لا يجتمع المعلول مع العلة في رتبتها كذلك لا تجتمع العلة مع المعلول في رتبته وأنَّ كُلاً منهما غير معقول ، بمعنى أنَّ كُلاً من العلة والمعلول معدوم في مرتبة الآخر.
وإن كان الملحوظ في الإمكان والاستحالة هو الإجتماع في الزمان فإذا كان متعدداً فلا مانع من إجتماع الضدين في زمانين وإنما المحال هو إجتماعهما في زمان واحد ، والكلام في أنَّ الحكمان الواقعي والظاهري هل يجتمعان في زمان واحد أم لا ؟
أما صاحب الشبهة فيقول بإجتماعهما في زمان واحد ، والجواب السابق بتعدد المرتبة ليس كافياً ، والمطلوب في دفع الشبهة هو إثبات تعددهما في الزمان ، بمعنى ثبوت الحكم الواقعي في زمان وثبوت الحكم الظاهري في زمان آخر وهو الذي يرفع التضاد.
هذه الملاحظة الأولى على أصل الوجه الرابع وحاصلها :
إنَّ تعدد المرتبة لا يكفي في دفع شبهة التضاد وإنما الذي يكفي في دفعها هو تعدد الزمان لأنَّ المدعى في أصل الشبهة إجتماعهما في زمان واحد لا في رتبة واحدة.
الملاحظة الثانية: لا نُسلِّم الطولية في الرتبة كما ذكر في أصل الوجه الرابع حيث إستدَّل على الطولية بأنَّ الحكم الظاهري موضوعه الشك فيتأخر عنه ، والشك يتأخر رتبة عن متعلقه وهو الحكم الواقعي تأخر كل شك عن مشكوكه كما أنَّ العلم يتأخر عن المعلوم رتبة ، فيكون الحكم الظاهري متأخراً عن الحكم الواقعي بمرتبتين ، والملاحظة تقول أنَّ هذا ليس ملاكاً للتقدم والتأخر الرتبي والسر فيه هو أنَّ الحكم الظاهري وإن تأخر عن الشك لأنه أُخِذَ في موضوعه والحكم متأخر عن موضوعه لكن الشك ليس متأخراً عن المشكوك رتبةً ، وبيان ذلك:
إنَّ الشك متأخر رتبة عن المشكوك بالذات لا عن المشكوك بالعرض وهذا على غرار ما قلناه بالنسبة الى العلم فالعلم يتعلق بالمعلوم بالذات ولا يتعلق بالمعلوم بالعرض - أي المعلوم الخارجي - فإنه مستحيل لأنَّ العلم أمر ذهني ولا يتعلق إلا بالأمر الذهني وهو الصورة لذهنية للموجود الخارجي ، ونفس الكلام يقال في المقام فالشك يتعلق بالصورة الذهنية للحكم الواقعي ، والترتب الرتبي إنما يصح بين الشك وبين الصورة الذهنية للمشكوك ، وهذا ينتج تأخر الحكم الظاهري بمرتبتين عن الصورة الذهنية للحكم الواقعي في ذهن الشاك وليس التأخر عن الحكم الواقعي بوجوده الخارجي ، فهناك خلط بين المشكوك بالذات والمشكوك بالعرض والمهم في المقام هو الحكم الواقعي بوجوده الواقعي الخارجي لا بوجوده الذهني ، وهو الذي يقال بإمكان أو إستحالة إجتماعه مع الحكم الظاهري ، ويكون الإستدلال بتعدد الرتبة على إمكان إجتماعه بوجوده الخارجي مع الحكم الظاهري ، والملاحظة تقول أنَّ تعدد الرتبة ليس بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي بوجوده الحقيقي الخارجي الذي هو محل الكلام وإن وجد ذلك فهو بين الحكم الظاهري وبين الحكم الواقعي بوجوده الذهني.
والحاصل: إنَّ ما ذُكر من الطولية لا يكفي لإثبات أنَّ الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي خارجاً حتى يندفع محذور التضاد وإنما يكفي ذلك لإثبات أنَّ الحكم الظاهري في طول الصورة الذهنية للحكم الواقعي في أفق الذهن وهذا لا يندفع به المحذور.
هذا هو التفسير الأول لتعدد المرتبة في الوجه الرابع.
التفسير الثاني لتعدد المرتبة هو أن يقال إنَّ الأحكام الظاهرية مترتبة على الأحكام الواقعية بإعتبار أنَّ الشارع لو لم تكن له أحكام واقعية أصلاً لما كان جعلٌ للأحكام الظاهرية ، ومع الترتب بينهما كيف يُعقل أن تكون الإحكام الظاهرية مانعة من الأحكام الواقعية مع أنَّ الترتب يعني أنَّ الأحكام الظاهرية في أصل وجودها بحاجة الى إفتراض الأحكام الواقعية ، فيستحيل أن تكون مانعة منها وموجبة لانتفائها ، لأنه يلزم من مانعيتها عنها نفيها لنفسها وما يلزم من وجوده عدمه محال ، فلا يعقل أن تكون الأحكام الظاهرية مانعة من الأحكام الواقعية ، فلا مانع من إجتماعهما.
ويلاحظ عليه:
أولاً: لو سلَّمنا ذلك فيُعترض عليه بأنَّ الأحكام الواقعية إلا يمكن أن تكون مانعة من الإحكام الظاهرية ؟
ولا يمكن الإستدلال بالبرهان السابق على إستحالة المانعية لأنها مبنية على الطولية والترتب وهو ثابت في الحكم الظاهري بالنسبة الى الحكم الواقعي وليس ثابتاً في الحكم الواقعي بالنسبة الى الحكم الظاهري كما هو واضح ، فالبرهان المذكور لا يثبت أنَّ الحكم الواقعي ليس مانعاً من الحكم الظاهري.
وثانياً: الأمور المسلَّمة أنَّ المتضادين لا يمكن أن يكون أحدهما علة للآخر لأنَّ عدم الآخر من لوازم وجود الضد فكيف يكون الضد علة للضد الآخر فإنه يؤدي إلى إجتماع الضد الآخر وعدمه وهما نقيضان.
وبناءً عليه يقع السؤال في أنه كيف إفتُرض أنَّ الحكم الواقعي علة للحكم الظاهري وكونه مبنياً ومتفرعاً عليه ؟
فإنَّ الترتب والطولية بين الأحكام الظاهرية والأحكام الواقعية تعني أنّ الحكم الواقعي علة للحكم الظاهري أو يتوقف الحكم الظاهري عليه ، وهذا يعني أنَّ أحد الضدين علة لضده ، فإذا سلًّمنا التضاد بينهما فيستحيل أن يكون أحدهما علة للآخر تطبيقاً للقاعدة المتقدمة ، وأما إذا رفعنا شبهة التضاد في مرحلة سابقة فلا مانع من هذا ، ولكن لا يمكن أن نرفع شبهة التضاد بنفس دعوى الطولية والترتب لأنَّ علية أحد الضدين لضده الآخر محال ، فكيف نرفع شبهة التضاد بدعوى الترتب والطولية التي عرفتَ بأنها محال.
والحاصل: ولا يصح هذا الإفتراض- أي الطولية والترتب - إلا إذا رفعنا التضاد بينهما في مرحلة سابقة ولا يمكن رفعه بنفس هذا الإفتراض - أي الطولية والترتب - المتوقف على دفع التضاد كما عرفت فكيف ندفع التضاد به.