43/04/24
الموضوع: الظن/ المقدمة / الأمر الثاني / إمكان التعبد بالظن
كان الكلام في جواب السيد الخوئي قده على الإعتراض الثالث للمحقق الخراساني قده على ما ذكره الشيخ الأنصاري قده من تقرير الأصل عند الشك في الإمكان وحاصله :
أنَّ المقصود بأصالة الإمكان هو التمسك بدليل ظني معتبر مع الشك في إمكان مضمونه أو إستحالته وبناء العقلاء على الأخذ بظاهره وعدم الإعتناء بإحتمال الإستحالة ، وتطبيقه في محل الكلام بأن نقول إنَّ قيام الدليل على وقوع التعبد بالظن - وإن كان قطعياً - لا يكفي وحده لإثبات الإمكان بالمعنى الذي نبحث عنه أي إمكان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، وهل يلزم منه محال أو لا يلزم ذلك فيكون أمراً ممكناً ، وأما أصل جعل الحكم الظاهري في نفسه فلا مشكلة فيه وإنما الكلام في جعل الحجية للظن مع بقاء الحكم الواقعي في مورده فهل يمكن ذلك أو لا ؟
وتطبيق هذه الفكرة لأصالة الإمكان هو التمسك بإطلاق دليل الحكم الواقعي- وهو دليل ظني معتبر - لإثبات شموله لمورد الحكم الظاهري ، ومضمون هذا الدليل هو ثبوت الحكم الواقعي في مورد الحكم الظاهري ونحن نشك في إمكانه أو إستحالته وهنا تأتي أصالة الإمكان لإثبات أنّ للعقلاء بناء على عدم الإعتناء بإحتمال الإستحالة والأخذ بظاهر الدليل المعتبر والبناء على ثبوت الحكم الواقعي في مورد الحكم الظاهري ، وهو يعني البناء على الإمكان.
والإمكان بهذا المعنى لا يثبت بمجرد أن يقوم دليل على جعل الحكم الظاهري ما لم نُثبت أنَّ الحكم الظاهري يجتمع مع الحكم الواقعي وإثبات ذلك يكون بإطلاق دليل الأحكام الواقعية لإثبات شمولها لموارد الأحكام الظاهرية ، ولا يُعتنى بإحتمال إستحالة الجمع بينهما بل يؤخذ بظاهر الدليل ، فنحتاج الى أصالة الإمكان بهذا المعنى على الرغم من قيام الدليل على جعل الحكم الظاهري ولو كان قطعياً ، فلا يصح كلام صاحب الكفاية المتقدم.
ويتبين مما تقدم: أنَّ أصالة الإمكان بالمعنى المطروح لا يمكن قبولها ، نعم بالمعنى الذي ذكره السيد الخوئي قده - أي التمسك بدليل مفروغ عن حجيته بالرغم من إحتمال إستحالة مدلوله - فهي مقبولة وتساعد عليها البناءات العقلائية لأنها لا تقبل رفع اليد عن ظهور كلام المولى لمجرد إحتمال إستحالة مدلوله فيمكن إن يجتمع الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري.
هذا كله في تأسيس الأصل عند الشك في الإمكان أو الإستحالة.
إمكان التعبد بالظن
أما البحث اللاحق فيقع الكلام فيه عن إمكان التعبد بالظن فهل يلزم من التعبد به محال أم لا ، وهو المعبر عنه بالجمع بين الأحكام الظاهرية والأحكام الواقعية ، والمحاذير التي بسببها قيل بالإستحالة عديدة ، نذكرها :
المحذور الأول: إنَّ التعبد بالظن وجعل الحجية له ينافي حكم العقل بالبراءة العقلية ، أي ينافي حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، فإنّ البيان في القاعدة يراد به العلم فيقبح العقاب بدون حصول العلم بالتكليف ويصح العقاب عند علم المكلف بالتكليف ومخالفته ، وهذه القاعدة تجري في موارد الظن بالتكليف وموارد إحتماله لعدم تحقق العلم ، فالتأمين ثابت في هذه الموارد ، وجعل الحجية للظن يعني أنه يُنجِّز التكليف الذي قام عليه وإستحقاق العقاب على مخالفته لكنه على خلاف قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنها تؤمن من ناحية التكليف المظنون وبجعل الحجية للظن يكون منجِّزاً للتكليف وموجباً لإستحقاق العقاب على مخالفته ، وهذان أمران متنافيان لا يمكن الجمع بينهما.
المحذور الثاني: أنَّ جعل الحجية للظن - أي جعل الحكم الظاهري - يستلزم أحد أمرين إما التصويب الباطل وإما إجتماع المثلين أو الضدين وكلٌ منهما محال ، فإن فُرض إرتفاع الحكم الواقعي في موارد جعل الحكم الظاهري لزم التصويب فلو أخبر الحكم الظاهري بوجوب شيء فالحجية المجعولة لهذا الظن التي تنجِّز الوجوب إذا أوجبت إرتفاع الحكم الواقعي فهذا هو التصويب الباطل لأنه يعني زوال الحكم الواقعي برأي المجتهد وبحسب ما تدل عليه الأمارات فلا تكون الأحكام الواقعية ثابتة على كل حال وإنما تختلف بإختلاف العلم والجهل بها بينما لا إشكال في ثبوت الحكم الواقعي على كل حال.
وإن فُرض عدم إرتفاع الحكم الواقعي مع جعل الحكم الظاهري فيلزم إجتماع الضدين إذا إختلفا أو المثلين إذا إتفقا على تقدير بقاء الحكم الواقعي فراراً من محذور التصويب الباطل.
المحذور الثالث: إنَّ جعل الحجية للظن يؤدي الى تفويت المصلحة الواقعية فيما إذا أدت الأمارة الى عدم وجوب الواجب واقعاً أو يؤدي الى الإلقاء في المفسدة فيما إذ دلت على عدم حرمة ما هو حرام في الواقع ، فجعل الحجية للأمارة يؤدي إما الى تفويت المصلحة أو الى الإلقاء في المفسدة.
هذه هي المحاذير من جعل الحجية للأمارات أو جعل الحكم الظاهري في مورد قيام الأمارة.
والمناقشة فيها:
أما المحذور الأول فقد يجاب عنه بالإلتزام بالتخصيص فالحكم العقلي بقبح العقاب بلا بيان وإن كان شاملاً للإحتمال وللظن ويؤمن في حالتي إحتمال التكليف والظن به لكن الدليل الدال على التعبد بالظن الذي يُنجِّز التكليف الذي أدى إليه يكون مخصصاً للقاعدة العقلية فنرفع اليد عنها في موارد الظن بالتكليف لأنَّ الشارع جعل الحجية له ، فتختص القاعدة بإحتمال التكليف.
وجوابه واضح فإنَّ الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص وهو من شؤون الأدلة اللفظية الظنية ، فلابد من ملاحظة حدود الحكم العقلي هل يشمل التكليف المظنون فيكون كالمعلوم أم لا يشمله ويكون كالمحتمل ، فإذا قلنا أن معنى البيان هو العلم فهذا يعني أنَّ التكليف المظنون كالمحتمل في أنّ العقل يرى قبح العقاب من ناحيته ويثبت التأمين في مورده.
وهذا التخصيص إن كان بحكم العقل فهذا يعني المنافاة بين الأحكام العقلية وهو غير متصور ، بل المفروض خلافه لأنَّ العقل حَكمَ بأنَّ التكليف المظنون كالمحتمل ، وإن كان المخصص هو النقل فلا قيمة له لأنَّ الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص بالأدلة النقلية ، فهذا الجواب غير تام.
ودفع المحقق النائيني هذا المحذور بما إلتزم به من جعل الطريقية والعلمية حيث فسَّر الحجية بذلك ، فحجية الظن تعني جعل الظن علماً وطريقاً تعبداً ، وهذا الدليل الدال على الحجية يكون رافعاً لموضوع القاعدة لأنَّ موضوعها عدم العلم بالتكليف وهذا الظن علمٌ تعبداً ، وهذا ليس من قبيل تخصيص الأحكام العقلية ليكون محالاً وإنما هو رفع لموضوع القاعدة بالتعبد من دون أن يكون هناك منافاة بينهما.