43/04/15
الموضوع: القطع/العلم الإجمالي/وجوب الموافقة القطعية/ النتائج
تبين مما تقدم أنَّ ما ذكره المحقق العراقي قده من التخيير في إجراء الأصل المؤمن في أطراف العلم الإجمالي غير تام ، وتبين أيضاً أنَّ المانع الإثباتي من جريان الأصل في بعض الأطراف تام أيضاً كما هو الحال في المانع الإثباتي من جريان الأصل في جميع الأطراف غاية الأمر أنَّ المانع يختلف وإن كان في كل منهما إثباتياً ، فالمانع الإثباتي من جريان الأصل في جميع الأطراف في حرمة المخالفة القطعية كان هو ما ذكره الشيخ من التهافت ، أو أنَّ الإرتكاز العقلائي لا يُساعد عليه ويكون بمثابة القرينة المتصلة بأدلة الأصول وتوجب منع الإطلاق فيها لشمول أطراف العلم الإجمالي بحسب بيان آخر.
والمانع الإثباتي في وجوب الموافقة القطعية هو المعارضة ، فلا يجري الأصل في هذا الطرف لأنه معارض بجريان الأصل في الطرف الآخر .
وبناء عليه تجب الموافقة القطعية في موارد العلم الإجمالي كما تحرم المخالفة القطعية كما تقدم ، لكنه في المقامين لمانع إثباتي لا لمانع ثبوتي ، وهذا خلافاً للمشهور الذي يرى أنَّ المانع ثبوتي على الأقل في حرمة المخالفة القطعية ، وخلافاً للمحقق العراقي قده الذي يرى أنَّ المانع ثبوتي في كِلا المقامين.
وتظهر الثمرة فيما إذا فرضنا أنَّ أحد الطرفين كان مورداً للأصل المؤمِّن دون الآخر كما إذا كان أحد الطرفين يجري فيه أصلان مؤمِّنان طوليان من قبيل إستصحاب عدم التكليف والبراءة وكان الطرف الآخر مورداً للبراءة فقط ، وبناء على أنَّ الأصول لا تدخل كلها في التعارض وإنما يقع التعارض بين الأصل الطولي أي إستصحاب عدم التكليف في أحد الطرفين وبين البراءة في الطرف الآخر ويتساقطان فتجري البراءة في هذا الطرف بلا معارض ، فتظهر الثمرة إذا كان المانع إثباتياً ، وأما إذا كان ثبوتياً فلا تجري البراءة فيه حتى مع عدم المعارض.
وبناءً على ما تقدم يقال في تخريج وجوب الموافقة القطعية أنّا فرغنا عن أنّ العلم الإجمالي ينجز حرمة المخالفة القطعية ، وهي تعني عدم إمكان جريان الأصل في كِلا الطرفين ، وجريانه في أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح ، وجريانه في الفرد المردد غير معقول ، وهذا سوف يوقع التعارض بين إطلاق دليل الأصل لهذا الطرف وإطلاقه للطرف الآخر فإذا تعارضا تساقطا ، وإذا لم يعد الأصل شاملاً لكلا الطرفين يبقى الإحتمال في كل طرف بلا مؤمِّن فيكون منجَّزاً بلا إشكال ، وهذا معناه وجوب الموافقة القطعية.
وهذا التخريج على مسلك حق الطاعة ومنجزية الإحتمال يكون واضحاً جداً ، وإنما الكلام بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان فكيف يمكن تخريج وجوب الموافقة القطعية ؟
والإشكال فيه هو أنَّ من يؤمن بقاعدة قبح العقاب بلا بيان يرى أنّ موضوعها متحقق في كِلا الطرفين لأنَّ المفروض أنَّ التكليف في كل طرف بخصوصيته لم يتم عليه البيان وهذا واضح بالوجدان - وإن تم البيان على الجامع - ومعه يتحقق موضوع القاعدة العقلية في كل طرف ، ونحن نتعقل التعارض في الأصل المؤمِّن الشرعي أما التعارض في الأصل المؤمِّن العقلي فمحل إشكال ، فيمكن وقوع التعارض في الأصل المؤمِّن الشرعي بأن يكون إطلاق حديث الرفع لهذا الطرف معارضاً بإطلاقه للطرف الآخر ، والتعارض من شأن الأدلة في مقام الإثبات ، فيتعارضان ويتساقطان ويبقى إحتمال التكليف في كل طرف بلا مؤمِّن فيتنجز وتجب الموافقة القطعية ، وهذا تام بناءً على مسلك حق الطاعة إذ لا يوجد أصل مؤمِّن عقلي على هذا المسلك الذي يرى منجزية الإحتمال ، ولكن عندما نؤمن بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ونؤمن بتحقق موضوعها في كِلا الطرفين فلا يتحقق التنجيز إلا بدعوى سقوط الأصل المؤمن العقلي في كِلا الطرفين ، ولكنه محل إشكال إذ لا تعارض في الأصول العقلية لأنها أحكام ثبوتية تابعة لملاكاتها الثبوتية الواقعية وليست هي في مقام الحكاية عن شيء حتى يقع فيها التعارض كما هو الحال في الأدلة الشرعية ، ولابد أن تكون هذه الملاكات واضحة وليس فيها إشتباه وإلا فلا معنى لإفتراض حكم عقلي من دون أن تكون ملاكاته واضحة ، ولا يُتعقل حصول التعارض فيها ، فلابد من إفتراض جريان الأصل المؤمِّن العقلي في كل طرف ، فكيف نُخرِّج وجوب الموافقة القطعية ؟ بل ما هو المانع من جريان البراءة العقلية في أحد الطرفين مع عدم وجود المانع الثبوتي ؟ وبجريان الأصل المؤمِّن في أحد الطرفين ينتج عدم وجوب الموافقة القطعية ، فيبقى السؤال مطروحاً عن تخريج وجوب الموافقة القطعية بناء على مسلك قبح العقاب بلا بيان.
والحاصل: أنه بناء على هذا المسلك - قبح العقاب بلا بيان - لا يبقى إحتمال التكليف في كل طرف بلا مؤمِّن حتى يقال بتنجِّزه ، بل القاعدة العقلية تجري فيه وتكون مؤمِّنة ، وهذا يعني عدم وجوب الموافقة القطعية.
وقد يقال: إنَّ العلم الإجمالي بيان على التكليف ومع كونه كذلك لا مجال لجريان القاعدة لإنتفاء موضوعها وهو عدم البيان.
وجوابه: إنَّ العلم الإجمالي بيان ولكنه على الجامع وأما الخصوصية في كل طرف بما هي خصوصية فلم يتم عليها البيان ، وهو يعني تحقق موضوع القاعدة العقلية في كل طرف ولازمه أن تجري فيه وتكون مؤمِّنة من جهة إحتمال التكليف ، فلا تجب الموافقة القطعية ، فيبقى هذا السؤال مطروحاً ولابد من الإجابة عنه.
هذا تمام الكلام في منجزية العلم الإجمالي في كِلا المقامين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية.
الإمتثال الإجمالي
الإمتثال تارة يكون تفصيلياً بأن يمتثل المكلف التكليف ويعلم بأنه إمتثله في هذا الفرد كما لو صلى الظهر إمتثالاً للتكليف بها مع عدم الشبهة وعدم التردد ، وأخرى يكون إمتثالاً إجمالياً كما لو أتى بفردين يعلم بتحقق الإمتثال بهما ولا يعلم تحققه بأي فرد منهما ، كما لو تردد في الواجب بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة فاحتاط بالإتيان بهما معاً فيتحقق إمتثال التكليف قطعاً ولكن مع عدم العلم بأي فرد تحقق ذلك.
والكلام يقع في كفاية الإمتثال الإجمالي للتكليف المعبر عنه بكفاية العلم الإجمالي في مقام الإمتثال.
ولُب البحث يشمل حتى إحتمال التكليف مجرداً عن العلم الإجمالي ، كما لو إحتمل وجوب صلاة ركعتين عند دخوله المسجد فيأتي بها إحتياطاً ، ولا يعلم بأنه إمتثال تفصيلي لأنه شاك في أصل التكليف ، فعلى تقدير وجود التكليف فهذا يكون إمتثالاً له ، فهل يكفي هذا النوع من الإمتثال مطلقاً أو بشروط أو لا يكون كافياً أصلاً ؟
أما حُسن الإمتثال الإجمالي عقلاً - وهو الإحتياط - فمما لا إشكال فيه ، خصوصاً الإحتياط في الشبهات البدوية فإنه من أرقى أنواع الإنقياد ، لأنه إمتثال برجاء أن يكون المولى قد كلفه بذلك الشيء ، فالكلام ليس في حُسنه وإنما الكلام فيما لو تمكن المكلف من الإمتثال التفصيلي بالسؤال ونحوه فهل يمكنه مع ذلك أن يكتفي بالإمتثال الإجمالي أم لا ؟
وهنا نقول: لا إشكال في كفاية الإمتثال الإجمالي مع التمكن من الإمتثال التفصيلي في التوصليات لأنّ الغرض منها يتحقق بمجرد الإتيان بها خارجاً بأي نحو إتفق ذلك ، ومثاله لو أراد تطهير الثوب ولديه ماءان مشتبهان أحدهما مطلق والآخر مضاف فيطهره بكل منهما مع فرض التمكن من الإمتثال التفصيلي وتمييز المطلق عن المضاف ، ونحوه في عقد النكاح بأن يكرر الصيغة بصورها المحتملة حتى يقطع بتحقق الصيغة الواقعية التي يترتب عليها تحقق العُلقة الزوجية حتى مع التمكن من الإمتثال التفصيلي.
وإنما الكلام مختص بالعبادات فهل يصح الإمتثال الإجمالي فيها مع التمكن من الإمتثال التفصيلي أم لا ؟