43/03/05
الموضوع : القطع/ القطع الموضوعي / تقسيمات القطع الموضوعي/ أَخذُ القطع بحكمٍ في موضوع الحكم - إعتراض السيد الخوئي وجوابه.
ذكر السيد الخوئي اعتراضا على صاحب الكفاية في تقريري درسه ، ويفهم منه ضمنا الإعتراض على الجواب الذي ذكرناه عن الشبهة المتقدمة ، قال إنَّ ما ذكره صاحب الكفاية من إمكان أخذ القطع بالحكم في مرتبةٍ في موضوع نفس الحكم في مرتبة أخرى إنما يصح على مبناه في تعدد مراتب الحكم وأما على المبنى _ المختار وهو مبنى الميرزا _ فليس للحكم أربع مراتب بل هما مرتبتان الجعل المجعول ، وعلى هذا المبنى لا يمكن أن يؤخذ القطع بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع الحكم في مرتبة المجعول ، وهذا ما يحتاج الى بيان ، وتوضيحه من خلال مقدمات:
المقدمة الأولى: إنّ المقصود في المقام ليس هو أخذ العلم بجعل الحكم على زيد في موضوع الحكم على شخص آخر ، وإنما المقصود هو أخذ العلم بالجعل في موضوع الحكم على نفس القاطع به.
المقدمة الثانية: إن شمول الحكم المجعول على نحو القضية الحقيقية لزيد مثلاً وصيرورة هذا الحكم حكما له يتوقف على تحقق موضوعه وتمام قيوده ، فهذا الجعل والقضية الحقيقية ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلبَیتِ مَنِ ٱستَطَاعَ إِلَیهِ سبیلا﴾ [1] إنما يكون حكما لزيد إذا كان زيد مستطيعاً ، وأما لم يكن مستطيعا فلا يكون هذا حكما له ، فالجعل لا يكون حكما لشخص إلا بعد تحقق موضوعه وتمام القيود المأخوذة فيه ، فإذا كان الحكم معلق على العلم بالجعل كما في محل الكلام فهذا الحكم لا يكون حكماً لشخص إلا بعد أن يكون عالما بالجعل ، فالعلم كالإستطاعة المأخوذة في وجوب الحج ، والجعول تختلف بلحاظ القيود ، فقد تؤخذ الإستطاعة قيداً وقد يؤخذ البلوغ قيدا وفي محل الكلام القيد المفترض هو العلم بالحكم.
المقدمة الثالثة : إنَّ تحقق موضوع الحكم وتحقق تمام القيود المأخوذة فيه يساوق فعلية الحكم ، فإذا كان موضوع الحكم متحققا في زيد وتحققت جميع القيود في حقه فالحكم فعليٌ في حقه ، و بناءً عليه يكون القطع بالحكم الفعلي مأخوذاً في موضوع نفسه ، فيعود إشكال الدور .
وببيان آخر : يريد السيد الخوئي أن يقول لا يمكن رفع إشكال الدور بالتفرقة بين الجعل والمجعول وأنّ الحكم في مرتبة الفعلية موقوف على العلم والعلم موقوف على الجعل ، هذا غير صحيح ، لأنَّ هذا العلم هو علمٌ بالحكم الفعلي فيكون الحكم الفعلي موقوف على العلم والعلم موقوف على الحكم الفعلي فلا يرتفع محذور الدور ، وذلك بإعتبار أنَّ القضية الحقيقية وهي الجعل لا تكون حكما لزيدٍ إلا بعد تحقق موضوع وقيود تلك القضية في حقه ، وتحقق موضوع القضية الحقيقية وجميع قيودها يساوق فعلية الحكم ، فيكون القطع بالحكم الفعلي في حق زيدٍ مأخوذاً في موضوع الحكم الفعلي وهذا دور صريح ، ولا يمكن حل إشكال الدور بالتفريق بين الجعل والمجعول.
والجواب : أما المقدمة الأولى فواضحة ولا كلام فيها ، وكذا لا إشكال في المقدمة الثالثة ، وأما المقدمة الثانية فهي التي ينبغي التأمل فيها ، وهي تقول أنَّ الجعل لا يكون حكماً لشخص إلا بعد تحقق موضوع الحكم وجميع القيود المأخوذة فيه ، وأما قبل ذلك فلا يكون الحكم حكماً له ، فالقضية الحقيقية في مثال الحج إنما تشمل زيداً إذا كان مستطيعاً ، وفي مثالنا تشمله إذا كان عالماً بالحكم ، وبتحقق الموضوع وجميع القيود يكون الحكم فعليا ، والنتيجة التي يخلص إليها هي : أن العلم بالحكم الفعلي أُخِذَ في موضوع الحكم الفعلي ، فالحكم الفعلي موقوف على العلم والعلم موقوف على الحكم الفعلي فيعود إشكال الدور.
ونقطة الضعف في هذا الإعتراض تكمن في المقدمة الثانية فإنّ القضية الحقيقية التي تمثل الجعل لا يتوقف شمولها للشخص على تحقق موضوعها وتحقق القيود المأخوذة فيه ، بل فعلية الحكم - أي المجعول - ووصوله الى مرتبة التحريك والزجر وإستحقاق العقاب والثواب يتوقف على ذلك ، وأما الجعل الذي يمثل القضية الحقيقية الشرطية فالشارع يجعل فيه الحج على تقدير أن يكون المكلف مستطيعا ، ولا مانع من أن يكون شاملا لكل مكلف وإن لم يكن مستطيعاً ، وما ذلك إلا لأن هذه القضية تقديرية فهي تخاطب غير المستطيع قبل الإستطاعة وتقول له بأنك إذا إستطعت وجب عليك الحج ، وهذا حكم له ولجميع المكلفين ، فالجعل كقضية حقيقية يشمل المكلف قبل تحقق الموضوع وقبل تحقق قيوده وشرائطه ، فإذا شملت القضية الحقيقية الجميع وصارت حكماً لزيد قبل تحقق الموضوع والقيود فلا يكون الحكم فعلياً ، فيمكن إفتراض حصول القطع بالجعل لزيد ويترتب عليه المجعول ولا يلزم إشكال الدور ، لأنَّ المجعول موقوف على العلم والعلم ليس موقوفاً على المجعول وإنما هو موقوف على الجعل ، والجعل يشمل جيع المكلفين ، فيمكن الإعتماد على الجواب المتقدم لدفع الشبهة المتقدمة.
ثم إنه يترتب على ما ذكرناه من جواب الشبهة وبالتالي تصحيح ما ورد في بعض الروايات من إختصاص بعض الأحكام بالعالم بها كوجوب القصر والجهر والإخفات ، ولا مانع من الأخذ بظاهرها ولا يلزم من ذلك أي محذور لما تقدم ، يترتب إمكان نفي إحتمال دخالة العلم بالحكم في الغرض والملاك ، بمعنى عدم إختصاص الغرض والملاك بالعالم ، فنقول :
يمكن نفي إحتمال الدخالة بإعتبار أن تقييد الحكم بالعلم به أمرٌ ممكن كما تقدم ولا مانع من أخذه قيدا في الجعل ، فإذا إحتملنا دخالة العلم بالحكم في الملاك أمكن التمسك بالإطلاق لنفيها ، ولا مانع من التقييد بحسب الفرض فلو كان العلم بالحكم دخيلا في ملاك الحكم لذُكِر في الجعل.
وبعبارة أخرى القاعدة تقول كل قيد وشرط في الملاك لابد أن يؤخذ في الجعل ، فإذا ورد حكم كوجوب الصلاة والزكاة مثلا وشككنا هل أنّ العلم بالحكم مأخوذ في ملاك هذا الحكم أم لا ؟ أمكن نفي دخالته بالإطلاق بأن نقول لو كان دخيلاً في الملاك لذكر في الجعل ولا مانع من ذكره فإن لم يذكره فهو لا يريده وهذا هو معنى الإطلاق ، ويستفاد من هذا الإطلاق عدم دخالة هذا القيد ، فيترتب على ما ذكرناه من إمكان التقييد إمكان التمسك بالإطلاق لنفي دخالة العلم بالحكم في الملاك والمبادئ.