الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : أقسام القطع / التقسيم الثاني و الملاحظة عليه /

كان الكلام في التقسيم الثاني للقطع الموضوعي وهو تقسيمه الى تمام الموضوع وجزء الموضوع بالمعنى الذي تقدم ، وقلنا أنّ هذا التقسيم لا يصح بالنسبة الى القطع الموضوعي الصفتي بناء على التفسير الأول ، وقلنا أنه بناء على التفسير الأول يتعين أن يكون القطع تمام الموضوع دائماً ولا يمكن أن يكون جزء الموضوع ، نعم هذا التقسيم يصح بناءً على التفسير الثاني الذي هو الأصح على ما تقدم.

ثم قلنا أنَّ المحقق النائيني إستشكل في صحة هذا التقسيم وذكر بأنَّ القطع الموضوعي الطريقي لا يمكن أن يكون إلا جزء الموضوع ، ولا يمكن أن يكون تمام الموضوع ، بإعتبار أنَّ أخذ القطع تمام الموضوع يعني أنَّ الواقع لا دخل له في الحكم ، فكون هذا خمراً ليس له دخل في الحكم ، بل تمام موضوع هو القطع بأنَّ هذا خمر سواءً كان في الواقع خمراً أم لم يكن خمراً ، في حين أنَّ أخذ القطع على نحو الطريقية معناه أنَّ الواقع له دخل في الحكم ، وهذان أمران متنافيان ، ومن هنا لا يمكن أخذ القطع الموضوعي الطريقي إلا جزء الموضوع .

وقلنا أنَّه قد يُعبر عن هذا الإشكال بتعبير آخر وهو أن أخذ القطع على نحو الطريقية معناه أننا نلحظ القطع باللحاظ الآلي ، وأنَّ جعل القطع تمام الموضوع معناه أننا نلحظ القطع باللحاظ الإستقلالي ، واللحاظان متنافيان لا يمكن الجمع بينهما.

وقلنا أنَّ هذا الإشكال يكون وارداً إذا فسّرنا الطريقية في القطع الموضوعي الطريقي بالكاشفية العرضية أي القطع الكاشف عن الواقع الخارجي وهو متعلق القطع بالعرض ، لأنَّ القطع بإعتباره صفة نفسية لابد أن يكون متعلقه أمراً ذهنياً ، نعم الخارج يكون متعلق له ثانياً وبالتبع ، فالمعلوم بالذات للقطع هو الصورة الذهنية للشيء والمعلوم بالعرض هو مطابق هذه الصورة الذهنية في الخارج ، وكاشفية القطع تارة تلحظ عن المعلوم بالعرض _ الواقع الخارجي _ وأخرى يلحظ القطع بما هو كاشف عن معلومه بالذات _ الصورة الذهنية _.

والكلام أنَّ القطع الموضوعي الطريقي الذي يلحظ بما هو كاشفٌ وطريق إن كان المراد من الكاشفية والطريقية هو الكاشفية العرضية إي بما هو كاشف عن الواقع الخارجي هو المأخوذ في موضوع الحكم الشرعي فإشكال المحقق النائيني يكون وارداً ، لأنَّ معناه أنَّ الواقع الخارجي له دخل في الحكم ، فيكون القطع ملحوظاً باللحاظ الآلي وهذا لا يجتمع مع أخذ القطع تمام الموضوع لأنه يعني أن الواقع لا دخل له في الحكم وأنه ملحوظ باللحاظ الإستقلالي ولا يمكن الجمع بينهما.

وإن كان المراد بها الكاشفية والطريقية الذاتية أي يلحظ القطع بما هو كاشف عن معلومه بالذات _ الصورة الذهنية للشيء _ ويكون دخيلاً في الحكم الشرعي ، فالإشكال غير وارد ، لأنَّ الكاشفية الذاتية محفوظة على كل حال سواءً أخطأ القطع الواقع أم أصابه ، وأخذ القطع بما هو كاشف عن معلومه بالذات لا يعني دخل الواقع الخارجي في الحكم الشرعي حتى يقال أنَّ أخذ القطع بما هو تمام الموضوع يعني أن الواقع ليس له دخل وهذان لا يجتمعان ، فلا مانع من أخذ القطع الموضوعي الطريقي بناءً على إرادة الطريقية والكاشفية الذاتية وجعله تمام الموضوع بمعنى عدم دخل الواقع الخارجي في الحكم الشرعي ، ويمكن أن يكون جزء الموضوع بأن يكون الواقع الخارجي دخيل أيضاً ، فالإشكال غير وارد على هذا التقسيم بناء على إرادة الطريقية والكاشفية الذاتية.

نعم يبقى الكلام في أصل تقسيم القطع الموضوعي الى الطريقي والصفتي ، وما هو المراد من القطع الموضوعي الطريقي ، هل المراد بالطريقية المفروضة في هذا القسم الطريقية الذاتية أو الطريقية العرضية ، وتظهر الثمرة في التقسيم الثاني فإن قلنا أن المقصود هو الطريقية العرضية فيرد إشكال المحقق النائيني ، وإن قلنا أن المقصود هو الطريقية والكاشفية الذاتية فلا مانع من تقسيمه الى تمام الموضوع وجزء الموضوع ، فما هو المقصود من الطريقية ؟

يظهر من بعضهم أنَّ المراد هو الكاشفية العرضية أي أنَّ القطع يؤخذ في موضوع الحكم الشرعي بما هو كاشف عن المعلوم بالعرض _ الواقع الخارجي _ ، فيكون الفرق بينه وبين القطع الموضوعي الصفتي هو أن القطع الموضوعي الصفتي يلحظ القطع فيه بما هو كاشف عن معلومه بالذات ، والقطع الموضوعي الطريقي يلحظ القطع فيه بما هو كاشفه عن معلومه بالعرض ، وهذا الأخير يستلزم أن يكون الواقع دخيلاً في الحكم ، وهذا لا يجتمع مع أخذه تمام الموضوع كما أشكل المحقق النائيني .

ويظهر من آخرين أنَّ المراد هو الكاشفية الذاتية أي أنَّ القطع يؤخذ في موضوع الحكم الشرعي بما هو كاشف عن معلومه بالذات في مقابل القطع الموضوعي الصفتي الذي يلحظ بما هو صفة متأصلة في النفس فإنَّ العلم نور في نفسه بمعنى كونه صفة خاصة ، ونور لغيره بمعنى الكاشفية الذاتية عن المعلوم بالذات ، فإذا لاحظنا القطع بما هو نور فهو القطع الموضوعي الصفتي وإذا لاحظناه بما هو كاشف عن معلومه بالذات فهو القطع الموضوعي الطريقي.

والخلاصة : المراد بالطريقية في القطع الموضوع الطريقي هي الطريقية الذاتية ، فإذا قلنا بهذا فلا إشكال في تقسيمه الى تمام الموضوع وجزء الموضوع و لا يرد عله إشكال المحقق النائيني قده.

تنبيه : بناءً على تفسير الكاشفية والطريقية في القطع الموضوعي الطريقي بالكاشفية العرضية نستطيع أن ندفع الإشكال الذي أورده المحقق الأصفهاني على التقسيم الأول _ وهو تقسيم القطع الموضوعي الى الصفتي والطريقي _ بقطع النظر عن الدفع المتقدم ، وكان حاصل إشكاله هو أن القطع الموضوعي الصفتي يلزم منه التفكيك بين القطع ونفسه لأنه يعني غض النظر عن جهة الكشف في القطع وهو غير معقول ، ودفعناه بأنّ هذا الإشكال مبني على التفسير الأول للقطع الموضوعي الصفتي ، وإخترنا التفسير الثاني الذي تلحظ فيه جهة الكشف غاية الأمر في الطريقي تلحظ جهة الكشف فقط وفي الصفتي تضاف خصوصية أخرى الى جهة الكشف وتكون دخيلة في موضوع الحكم الشرعي ، وهذه الخصوصية هي الإذعان وعدم التردد وما كان من هذا القبيل .

والآن نقول يمكن دفع هذا الإشكال بناءً على الطريقية العرضية في القطع الموضوعي الطريقي بأن نقول أن المقصود في المقام هو الكاشفية العرضية ولا محذور في التفكيك بين القطع وبين كاشفيته لأنها ليست حقيقة القطع بل ولا من لوازمه الذاتية لوضوح إمكان التفكيك بينهما كما في القطع المخطئ ، والمقصود من أنَّ العلم حقيقته الإنكشاف هو الكاشفية الذاتية أي كشف العلم عن معلومه بالذات وهذا لا يمكن أن يتخلف عن القطع لأنه عبارة أخرى عن العلم والقطع ، لكن كشف العلم عن الواقع الخارجي ممكن أن يتخلف ، فالعلم قد يكون له مطابق خارجي وهو المصيب وقد لا يكون له مطابق خارجي وهو المخطئ ، فلا مانع من التفكيك بين العلم وجهة الكشف والمقصود جهة الكشف العرضي أو مع غض النظر عن جهة الكشف ، ولا يلزم من ذلك المحذور الذي ذكره المحقق الأصفهاني ويكون هذا جواباً آخر عن إشكاله.

وهناك تفسير آخر لتقسيم القطع الموضوعي الى الطريقي والصفتي غير ما تقدم ، وهو منقول عن الشيخ عبد الكريم الحائري في درر الفوائد ، ولكن نكتفي بهذا المقدار من البحث عن تقسيمات القطع.

قيام الأمارات والأصول مقام القطع

والمقصود في المقام هو قيام الأمارات والأصول مقام القطع بنفس دليل إعتبارها ، والمقصود من قيام الأمارة مقام القطع في التنجيز والتعذير بنفس دليل إعتبار لا بدليل خارجي ، فالقطع بحرمة شيء منجز للحرمة وموجب لإستحقاق العقاب على المخالفة وفي صورة المطابقة للواقع فالعقاب على المعصية ، وفي صورة عدم المطابقة للواقع فالعقاب على التجري ، وعلى كلا التقديرين القطع ينجز الحرمة على المكلف ، بمعنى أنه يكون موجباً لإستحقاق العقاب على المخالفة.

والكلام يقع في أنَّ الأمارة بدليل إعتبارها هل تكون منجزة إذا تعلقت بالتكليف ومعذرة إذا تعلقت بعدم التكليف أو لا ؟