الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : أقسام القطع / التقسيم الثاني و الملاحظة عليه /

كان الكلام في التقسيم الثاني للقطع الموضوعي وهو انقسامه الى ما يكون القطع تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع ، والمقصود من القطع تمام الموضوع هو أخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي بقطع النظر عن الإصابة للواقع كالقطع بالخمرية موضوعاً للحرمة ( إذا قطعت بخمرية شيء فهو حرام ) بإفتراض أن القطع يكون تمام الموضوع سواءً كان الشيء خمراً واقعاً أم لم يكن خمراً كذلك.

والمقصود من القطع جزء الموضوع هو كون الشيء خمراً دخيلاً في الحكم كما أنَّ القطع دخيل فيه فكأن موضوع الحرمة مركبٌ من شيئين القطع بالخمرية مع كون الشيء خمراً واقعاً ، أي مع الإصابة للواقع ، فالواقع يكون جزء موضوع الحكم الشرعي.

وهذا التقسيم يواجه مشكلة بلحاظ كِلا التفسيرين المتقدمين للقطع الموضوعي _ الطريقي والصفتي _ ، والكلام في أنَّ القطع الموضوعي الصفتي هل يمكن تقسيمه الى ما يكون تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع أم لا ؟

الملاحظة تقول إنَّ هذا التقسيم يصح إذا فسّرنا القطع الموضوعي الصفتي بالتفسير الثاني _ وهو المختار _ ، والتفسير الثاني لا يُلغي حيثية الكشف في القطع وإنما تكون ملحوظة مع لحاظ خصوصية أخرى وهي خصوصية كونه موجباً للإطمئنان و ركون النفس ونحو ذلك ، فإن لُحظت الخصوصية الثانية مع خصوصية الكشف فهو القطع الموضوعي الصفتي ، وإن لُحظت جهة الكشف فقط فهو القطع الموضوعي الطريقي ، وهذا لا إشكال في تقسيمه الى ما يكون القطع تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع ، فتارة لا يكون الواقع دخيلاً في الحكم فيكون القطع تمام الموضوع وأخرى يكون للواقع دخل في الحكم فيكون القطع جزء الموضوع.

وأما على التفسير الأول _ وهو القطع الموضوعي الصفتي الذي تلغى فيه حيثية الكشف عن الواقع _ فتقسيمه الى ما يكون القطع فيه تمام الموضوع أو جزء الموضوع فيه إشكال وهو أنه لا يمكن تصور أن يكون القطع الموضوعي الصفتي جزء الموضوع لأن التفسير الأول مبني على إلغاء جهة الكشف في القطع فكيف نقول أنَّ القطع يكون جزء الموضوع ، بل لابد أن يكون تمام الموضوع ، لأنّ معنى كون القطع جزء الموضوع هو أنّ هناك جزء آخر متمم له وهو إصابة الواقع ، أي كون الشيء خمراً في الواقع ، وهذا الواقع لا يمكن أن يكون دخيلاً في الحكم ما لم نلحظ جهة الكشف في القطع فإن لُحظت صح أن يكون القطع جزء الموضوع ، أما إذا ألغينا جهة الكشف وأخذنا القطع في موضوع الحكم الشرعي بما هو صفة مع قطع النظر عن جهة الكشف فلا يمكن إلا أن يكون القطع تمام الموضوع ، لأنَّ معنى قولنا أنّ القطع جزء الموضوع هو أنّ الشيء ثابتٌ في الواقع ، فالقطع جزء وإصابة الواقع الجزء الآخر للموضوع ، وهذا الواقع لا يمكن أن يكون دخيلاً في الحكم الشرعي ما لم تُلحظ جهة الكشف في القطع ، فلا معنى لتقسيم القطع الموضوعي الصفتي على التفسير الأول الى تمام الموضوع وجزء الموضوع بل هو دائماً تمام الموضوع ، هذا هو الإشكال .

وهذا الإشكال إلى هنا يكون وارداً على التفسير الأول للقطع الموضوعي الصفتي ، بمعنى أنَّ القطع الموضوعي الصفتي لا يمكن تقسيمه الى تمام الموضوع وجزء الموضوع ، لأنّ أخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي كصفة يوجب غض النظر عن متعلقه ، أي الواقع ، فيكون الواقع أجنبياً عن الحكم فلا معنى لأن يقال بأنَّ موضوع الحكم الشرعي هو القطع مع الواقع بحسب التفسير الأول ، هذا هو الإشكال على التفسير الأول للقطع الموضوعي الصفتي.

وهذا بخلاف ما لو إلتزمنا بالتفسير الثاني الذي لا نلغي فيه جهة الكشف عن الواقع ، فلا مشكلة في أن يكون القطع جزء الموضوع والجزء الآخر ثبوت الشيء في الواقع ، فيكون هذا القطع قطعاً موضوعياً صفتياً وهو جزء الموضوع ، ولا محذور فيه .

وأما كون القطع تمام الموضوع فبأن لا يكون الواقع دخيلاً في الحكم الشرعي ، ويكون القطع بما هو صفة خاصة دخيلاً فيه ، فيصح تقسيمه الى ما يكون تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع .

من هنا يتبين أنّ الصحيح أنَّ هذا التقسيم لا يصح بالنسبة الى القطع الموضوعي الصفتي بناءً على التفسير الأول ، بل يتعين أن يكون تمام الموضوع دائماً ، نعم يصح ذلك على التفسير الثاني .

هذا كله في القطع الموضوعي الصفتي ، أما القطع الموضوعي الطريقي فهل يمكن تقسيمه الى ما يكون تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع أم لا ؟

يبدو لأول وهلة أن لا مشكلة في هذا التقسيم لأنّ القطع أخذ في موضوع الحكم الشرعي بما هو طريق للواقع لا بما هو صفة خاصة ، فيمكن أن يؤخذ القطع في نفسه في موضوع الحكم الشرعي وبقطع النظر عن إصابته للواقع فيكون تمام الموضوع ، ويمكن أن يكون الواقع دخيلاً في الحكم الشرعي فيكون القطع المصيب هو موضوع الحكم الشرعي ، فيكون الموضوع مركباً من مجموع القطع والإصابة للواقع ، كالقطع بالخمرية مع كون الشيء خمراً واقعاً ، فيكون القطع جزء الموضوع.

لكن المحق النائيني قده إستشكل في تقسيم القطع الموضوعي الطريقي الى تمام الموضوع وجزء الموضوع ، وقال أنَّ القطع الموضوعي الطريقي لا يكون إلا جزء الموضوع ، بعكس القطع الموضوعي الصفتي الذي لا يكون إلا تمام الموضوع ، فالقطع جزء الموضوع والواقع هو الجزء الآخر دائماً ، وذلك بإعتبار أنَّ أخذ القطع تمام الموضوع معناه أنَّ الواقع ليس دخيلاً في الحكم الشرعي مع أنَّ مقتضى أخذ القطع بما هو كاشف ينافي ذلك ، فلا يمكن أن يُلحظ القطع بما هو كاشف عن الواقع من جهة والذي يقتضي أن يكون الواقع دخيلاً في الحكم الشرعي ، وأخذ القطع تمام الموضوع من جهة أخرى ، والذي يقتضي عدم دخل الواقع في الحكم الشرعي .

وبعبارة أوضح لحاظ القطع بما هو كاشف وجعله موضوعاً للحكم الشرعي معناه أنّ موضوع الحكم الشرعي هو الواقع وأنَّ القطع يُلحظ بنحو الطريقية والغرض الأساسي هو الواقع ، وأما إذا قلنا أن القطع الموضوعي الطريقي يؤخذ تمام الموضوع للحكم الشرعي فيعني أنَّ الواقع غير دخيل في الحكم الشرعي ، ولا يمكن الجمع بينهما ، ومن هنا يقول المحقق النائيني أنّ القطع الموضوعي الطريقي لا يكون إلا جزء الموضوع والجزء الآخر هو الواقع.

وهناك بيان آخر لإشكال المحقق النائيني يذكره المحقق الحلي قده نقلاً عن استاذه ، وهو أنَّ أخذ القطع الموضوعي الطريقي معناه أخذه بما هو كاشف ، وأخذه كذلك معناه لحاظ القطع باللحاظ الآلي ، والمهم هو المنكَشَف به وهو الواقع ، في حين أنّ أخذ القطع الموضوعي الطريقي تمام الموضوع للحكم الشرعي لازمه أن يُلحظ القطع باللحاظ الإستقلالي ، وهذان اللحاظان لا يمكن الجمع بينهما ، وهذا بيان آخر للإشكال السابق ، فلابد أن يكون القطع الموضوعي الطريقي جزء الموضوع دائماً .

ويلاحظ على هذا الإشكال أنه يتم إذا كان المقصود من أخذ القطع موضوعاً على نحو الطريقية هو لحاظه بما هو مصيب للواقع ، فهنا لا يمكن أن يكون القطع تمام الموضوع ، لأنّ معنى أخذه بما هو طريق وكاشف هو أخذه بما هو مصيب للواقع فلابد أن يكون الواقع دخيلاً في الحكم الشرعي ، فلابد أن يكون القطع جزء الموضوع والجزء الآخر هو الواقع ، ولا يمكن أن يكون القطع تمام الموضوع كما ذكر المحقق النائيني ، وبعد إفتراض أخذ القطع بما هو مصيب للواقع فالمعلوم بالعرض _ أي الواقع الخارجي _ لا يمكن أن يكون متعلقاً للقطع وإنما متعلقه هو الصورة الذهنية للشيء المسمى بالمعلوم بالذات ، ولهذه الصورة الذهنية مطابق خارجي هو المعلوم بالعرض ، فإذا كان المقصود من لحاظ القطع بما هو كاشف هو أخذه بما هو مصيب للواقع ، أي أخذ القطع بلحاظ كاشفيته عن المعلوم بالعرض _ وهو الواقع الخارجي _ فإشكال المحقق النائيني يكون وارداً ، ولا يمكن أن يكون القطع حينئذٍ تمام الموضوع بل لابد أن يؤخذ جزء الموضوع ويكون الجزء الآخر هو الواقع الخارجي أي المعلوم بالعرض .

وأما إذا قلنا أن المقصود من لحاظ القطع بما هو كاشف ليس بما هو مصيب للواقع وإنما المقصود منه كاشفيته الذاتية عن المعلوم بالذات _ أي الصورة الذهنية _ لا عن المعلوم بالعرض ، فإشكال المحقق النائيني لا يكون وارداً . خذ كذلك فإشكال المحققالنائيني يكون وارداً