الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : أقسام القطع / إعتراض المحقق الأصفهاني على التقسيم الأول /

ذكرنا أنَّ القطع الموضوعي ينقسم الى قسمين القطع الموضوعي الطريقي والقطع الموضوعي الصفتي ، وقلنا أن هناك تفسيران لهذا التقسيم ذكرناهما في الدرس السابق ، واليوم نُشير إلى أنَّ عبارة صاحب الكفاية يظهر منها الإشارة الى هذين التفسيرين حينما قال :

" صحّ أن يؤخذ _ أي القطع _ فيه بما هو صفة خاصّة وحالة مخصوصة بإلغاء جهة كشفه ، أو اعتبار خصوصيّة اُخرى فيه معها "

هذا إشارة الى التفسيرين ، فقوله: (بإلغاء جهة كشفه) هذا هو التفسير الأول ، أي أنَّ القطع الموضوعي الصفتي تُلغى فيه جهة الكشف ، وقوله : (اعتبار خصوصيّة اُخرى فيه معها) أي مع جهة الكشف ، هذا هو التفسير الثاني وهو أن لا تُلغى جهة الكشف وإنما هل تُعتبر مع هذه الجهة خصوصية أخرى أو لا ، فإن اعتُبرت تلك الخصوصية _ وهي خصوصية كون القطع موجباً لركون النفس وعدم التردد وأمثال ذلك _ فحينئذٍ يكون قطعاً موضوعياً صفتياً ، وإن لم تُعتبر مع الجهة الكشف خصوصية أخرى فهذا يكون قطعاً موضوعياً طريقياً ، فالمحقق الخراساني أشار الى التفسيرين في هذه العبارة .

وإعترض المحقق الأصفهاني في حاشيته على هذا التقسيم بما حاصله :

أنَّ هذا التقسيم غير مقبول ولا معقول لأنَّ القطع حقيقته الإنكشاف ، وليس شيئاً له الإنكشاف بنحو يكون الإنكشاف من لوازمه ، بل هو نور في نفسه ونور لغيره ، فحقيقته وواقعه الإنكشاف والإراءة والطريقية ، فكيف يمكن ملاحظة هذا القطع بنفسه مع قطع النظر عن حيثية كشفه ؟!

والقطع الموضوعي الصفتي بحسب التفسير الأول نغض النظر عن جهة كشفه ، وبتعبير آخر نُلغي جهة الكشف ، وهذا غير ممكن لأنَّه يعني التفكيك بين الشيء ونفسه ، فلا يمكن أن نفترض أخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي مع غض النظر عن جهة كشفه هذا يساوق أخذ القطع في موضوع الحكم مع غض النظر عنه !

وهذا من قبيل ملاحظة الإنسان بما هو إنسان مع قطع النظر عن إنسانيته ، ومن هنا لا معنى لأخذ القطع موضوعاً للحكم تارة بلحاظ كاشفيته وأخرى بغض النظر عن كاشفيته ثم تقسيم القطع الموضوعي الى قطعٍ موضوعي طريقي إذا أخذ بلحاظ كاشفيته ، وقطعٍ موضوعي صفتي إذا أغمضنا النظر عن جهة كاشفيته ، هذا إشكال المحقق الأصفهاني على التقسيم المتقدم .

ويلاحظ عليه أنه وارد على خصوص التفسير الأول للتقسيم ولا يرد على التفسير الثاني له ، إذ لا نغض النظر في كِلا القسمين بحسب التفسير الثاني عن جهة الكاشفية في القطع وإنما يفترقان في أن الملحوظ هل هو جهة كاشفيته فقط أو الملحوظ هي _ أي الكاشفية _ مع خصوصية موجودة فيه وهي خصوصية كونه موجباً للإذعان والاطمئنان ونحوها ، فالأول هو القطع موضوعي الطريقي ، والثاني هو القطع الموضوعي الصفتي وهو الذي لوحظ فيه خصوصية أخرى في القطع مضافاً الى جهة الكاشفية ، وهذا التقسيم بهذا التفسير لا يرد عليه هذا الإشكال إذ ليس هناك تفكيك بين القطع وبين الكاشفية.

ومن هنا يظهر أن هذا التقسيم مرجعه في الحقيقية الى أنَّ القطع وإن كان إنكشافاً تاماً ولا يُتصور فصل الإنكشاف عنه ولا يُعقل أن يُلحظ القطع مع عدم لحاظ جهة كاشفيته ، ولكن لا إشكال في أنَّ هذا القطع له ملازمات في الخارج كسكون النفس وعدم التردد ، وهذه الملازمات ليست هي حقيقة القطع وإن لم تنفك عنه ، حقيقة القطع هي الإنكشاف التام ، وحينئذٍ يكون مرجع التقسيم الثاني الى أنَّ القطع تارة يُؤخذ موضوعاً في الحكم الشرعي بما هو إنكشاف تام مع قطع النظر عن ملازماته الخارجية ، وليس هناك تفكيك بين القطع ونفسه ليرد عليه الإشكال المتقدم ، وغض النظر عن ملازماته الخارجية ليس فيه محذور ، فإذا أُخذ كذلك فهو القطع الموضوعي الطريقي.

وأخرى يؤخذ القطع موضوعاً بما هو كاشف مع لحاظ هذه اللوازم ،ككونه موجباً للركون وعدم التردد ، بنحو تكون اللوازم دخيلة في الحكم الشرعي ، فحينئذٍ يكون قطعاً موضوعياً صفتياً ، فالدخيل في الحكم الشرعي تارة يكون القطع بما هو كاشف فقط وأخرى يكون الدخيل في الحكم الشرعي هو القطع بما هو كاشف مع لحاظ كونه موجباً لسكون النفس وعدم التردد ،و هذا يُعبر عنه القطع الموضوعي الصفتي ، وهذا لا محذور فيه.

هذا هو التقسيم الأول للقطع الموضوعي.

التقسيم الثاني للقطع الموضوعي هو تقسيمه الى ما يكون تمام الموضوع وما يكون جزء الموضوع :

فتارة يكون القطع تمام موضوع الحكم الشرعي فبمجرد تحقق القطع يثبت الحكم لتحقق موضوعه ، وأخرى يكون الموضوع مركباً من جزءين من القطع وشيء آخر ، ومقصودهم من كون القطع تمام الموضوع هو ما إذا أُخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي مطلقاً سواءً كان مصيباً للواقع أو كان مخطئاً للواقع ، نحو إذا قطعتَ بخمرية شيء فهو عليك حرام ، فالحكم الشرعي يثبت إذا قطعتَ بالخمرية سواءً كان قطعك مصيباً للواقع أو لا ، وهنا يكون القطع تمام الموضوع للحكم الشرعي.

وقد نفترض ترتب الحكم على خصوص القطع المصيب للواقع ، فموضوع الحكم الشرعي هو القطع المصيب للواقع لا مطلق القطع ، وهذا يعني أنَّ موضوع الحكم الشرعي مركب من جزءين القطع والإصابة للواقع ، هذا أصل فكرة التقسيم الثاني .

وهذا التقسيم يمكن تصوره مبدئياً في القطع الموضوعي الطريقي وفي القطع الموضوعي الصفتي ، ففي القطع الموضوعي الطريقي يمكن أن يقال ببساطة أنَّ هذا القطع الذي أخذ في موضع الحكم الشرعي بما هو كاشف تارة يكون تمام الموضوع أي سواءً أصاب الواقع أو لم يُصب الواقع ، وأخرى يكون جزء الموضوع أي أُخذ القطع المصيب للواقع لا مطلقاً فيكون القطع جزء الموضوع للحكم الشرعي والإصابة الجزء الآخر .

وكذلك يمكن تصوره مبدئياً في القطع الموضوعي الصفتي فنقول تارة تكون الصفة تمام الموضوع ويترتب عليها الحكم سواءً كان الواقع كذلك أو لم يكن كذلك ، أي سواء كان مصيباً للواقع أم كان مخطئاً للواقع ، فهذا قطع موضوعي صفتي والقطع فيه تمام الموضوع ، وأخرى تكون الصفة دخيلة في الحكم الشرعي لكن مع إصابة القطع للواقع ، فالدخيل في الحكم الشرعي شيئان القطع بإعتباره صفة خاصة وإن يكون القطع مصيباً للواقع ، فهذا القطع الصفتي جزء موضوع الحكم الشرعي.

فمبدئياً نقول أنَّ التقسيم الثاني _ وهو أن يكون القطع الموضوعي تمام الموضوع أو جزءه _ يمكن تصوره على كِلا شقي التقسيم الأول أي يجري في القطع الموضوعي الطريقي وفي القطع الموضوعي الصفتي بالبيان المتقدم.

لكن نقول من الواضح أنَّ القطع الموضوعي الصفتي تقسيمه الى تمام الموضوع والى جزء الموضوع مبني على التفسير الثاني الصحيح للتقسيم الأول ، أي مبني على تفسير القطع الموضوعي الصفتي بأنه القطع الذي تُلحظ فيه الخصوصية مع جهة الكشف _ لا بإلغاء جهة الكشف _ في مقابل أن تلحظ جهة الكشف فيه مع قطع النظر عن تلك الخصوصية فيكون القطع الموضوعي طريقي ، فالقطع الكاشف عن الواقع تارة بماله من تلك الخصوصية أُخِذ في موضوع الحكم الشرعي سواءً طابق الواقع أم لم يطابقه فيكون تمام الموضوع ، وأخرى تؤخذ فيه إصابة الواقع خاصة فيكون جزء الموضوع للحكم الشرعي .

وأما بناءً على التفسير الأول الذي رفضناه وورد عليه إشكال المحقق الأصفهاني وهو أنَّ القطع الموضوعي الصفتي هو الذي لم تلحظ فيه جهة الكشف ، والقطع الموضوعي الطريقي هو الذي تلحظ فيه جهة الكشف ، فعلى هذا التفسير لا معنى لتقسيمه الى تمام الموضوع والى جزء الموضوع ، وإنما يصح هذا التقسيم على التفسير الثاني الصحيح فقط ، لأنَّ التفسير الأول يقول لم تلحظ في القطع جهة الكشف ، وكونه تمام الموضوع يعني أخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي مطلقاً سواءً أصاب الواقع أم لم يُصب الواقع فالثبوت الواقعي للشيء ليس له دخل في الحكم الشرعي ، وهذا هو القطع الموضوعي الصفتي .

والقطع الموضوعي الطريقي هو الذي أُخذ في موضوع الحكم الشرعي بلحاظ جهة الكشف ، والإشكال هو كيف يمكن تقسيم القطع الموضوعي الصفتي الى كونه تمام الموضوع وجزء الموضوع ، وجزء الموضوع يعني أن هناك جزء آخر للموضوع هو الثبوت الواقعي للشيء ، فكيف يكون مأخوذاً جزءً في الموضوع مع أنَّ المفروض في التفسير الأول قطع النظر عن جهة كشفه ، هذا غير معقول ، وإنما يكون الثبوت الواقعي دخيلاً في الحكم الشرعي عندما تُلحظ جهة الكشف فيقال أن الثبوت الواقعي دخيل في الحكم الشرعي ، وأما مع إلغاء جهة الكشف فلا يمكن أن نقول أنَّ هناك جزء آخر لموضوع الحكم الشرعي وهو الثبوت الواقعي للشيء .