الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/07/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع / ما يتنجز بحكم العقل / الإعتراضات على مسلك حق الطاعة / الملاحظة على الإعتراض الأول

    1. تنبيه :

كان الغرض من النقض على الإيراد الثالث على قاعدة قبح العقاب بلا بيان بمخالفة التكليف المعلوم ، بإعتبار أن العقل يحكم بقبح مخالفة التكليف المعلوم وأنَّ عقاب المخالف ليس قبيحاً بمعنى أنه يستحق العقاب ، وهذا يعني أنَّ ملاكَ العقاب موجود في هذه المخالفة ولذا يحكم العقل بإستحقاقه العقاب ، مع أنَّ المفروض أننا لا نعلم ما هو ملاك العقاب الأخروي ، فكما أنَّ العقل يحكم بأن عقاب المخالف للتكليف المعلوم ليس قبيحاً مع عدم العلم بملاك العقاب ، ففي محل الكلام نقول أنَّ العقل يحكم بقبح العقاب على مخالفة التكليف المحتمل وأن المخالف لا يستحق العقاب وهو يعني أنَّ ملاك العقاب ليس موجوداً فيه ، مع عدم العلم بالملاك أيضاَ ، ففي كل منهما حكمٌ عقلي ، في محل الكلام حكم بقبح العقاب ، وفي مخالفة التكليف المعلوم حكمٌ بعدم قبح العقاب ، وإستحقاق العقاب ، وفي كلٍ منهما لا يكون ملاك العقاب الأخروي معلوماً ، هذا كان هو المقصود من النقض على الإيراد السابق .

نأتي الى الإيراد الأول على مسلك حق الطاعة :

الكلام في الشبهات البدوية غير المقرونة بالعلم الإجمالي ، ولا في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، ففي شبهةٍ بدويةٍ وجوبيةٍ مثلاً كما نحتمل الوجوب الواقعي بما له من الملاك الإقتضائي كذلك نحتمل الإباحة الواقعية المشتملة على ملاك إقتضائي للإباحة ،

الإيراد يقول انَّ حق الطاعة للمولى الذي يُدركه العقل العملي كما هو موجود في إحتمال الوجوب موجود أيضاً في إحتمال الإباحة ، فإذا فرضنا أن هذا الحق يستدعي حكم العقل بإشتغال الذمة بتكاليفه والعمل على طبقها لضمان الحفاظ على ملاكات الأحكام الإلزامية _ على فرض ثبوتها _ كذلك هو يستدعي ذلك بالنسبة الى الإباحة لأنها حكم من الأحكام الشرعية _ والكلام في الإباحة الإقتضائية _ فإحتمال الإباحة يستدعي حكم العقل بالترخيص الظاهري لأجل الحفاظ على ملاكات الإباحة الواقعية ، كما انَّ إحتمال الوجوب يستدعي حكم العقل بالتنجيز والإحتياط حفاظاً على ملاك الوجوب الواقعي _ على تقدير ثبوته _ ، وكذلك إحتمال الإباحة الواقعية الإقتضائية _ التي تنشأ من ملاك يقتضي الحكم بالإباحة _ يستدعي حكم العقل بالترخيص وإطلاق العنان حفاظاً على ملاكها ، فكل منهما يقتضي الحفاظ على مبادئه وملاكه بجعل حكمٍ ملائمٍ يحفظ به ذلك الملاك ، فإحتمال الوجوب يقتضي حكم العقل بالتنجيز والإحتياط حفاظاً على مبادئ الوجوب الواقعي ، وإحتمال الإباحة أيضاً يقتضي حكم العقل بالترخيص وإطلاق العنان حفاظاً على مبادئه الواقعية ، وهذان الحكمان العلقيان متنافيان ولا يمكن أن يحكم بهما معاً ، وهذا هو دليلٌ على بطلان مسلك حق الطاعة ، لأن القائل بمسلك قبح العقاب بلا بيان لا يرد عليه هذا الإشكال إذ لا يوجد عنده إلا حكمٌ بالترخيص ، وإحتمال الوجوب لا يقتضي عنده حكم العقل بالتنجيز والإحتياط وإنما يقتضي ذلك على مسلك حق الطاعة فيرد عليه الشكال المتقدم ، هذا خلاصة الإيراد الأول.

ويلاحظ عليه :

الملاحظة الأولى : أنَّ حق الطاعة للمولى لا إشكال في وجوده في مورد إحتمال التكليف كالوجوب والحرمة ، فيقال إنَّ المولى له حق الطاعة في تكاليفه المحتملة كما له حق الطاعة في تكاليفه المعلومة _ بناءً على هذا المسلك القائل بأنَّ للمولى حق الطاعة في مطلق تكاليف الواصلة الى المكلف ولو بوصول إحتمالي _ فله حق الطاعة في تكاليفه المعلومة والمحتملة ، وهو يعني أنَّ المكلف إذا إحتمل الوجوب فيجب عليه الإتيان بالفعل بحكم العقل ، وإذا إحتمل الحرمة فلابد أن يترك ذلك الفعل لأن هذا هو معنى حق الطاعة للمولى في تكاليفه المحتملة ، هذا واضح في مورد إحتمال الوجوب وإحتمال الحرمة .

وأما في مورد إحتمال الإباحة الإقتضائية فيقال لا يوجد حق طاعة للمولى ، إذ لا معنى لأن يُقال أنَّ للمولى حق الطاعة في حكمه بالإباحة ، لسبب بسيط وهو أن الإباحة ليس لها طاعة وإمتثال ، هذا الكلام يكون معقولاً في حكم الشارع بالوجوب فنقول له حق الطاعة وعلى العبد أن يطيع مولاه في حكمه بالوجوب ، وأيضاً حكمه بالتحريم ، بمعنى أن يمتثل هذا التكليف فيفعل محتمل الوجوب ويترك محتمل التحريم ، وإما بالنسبة الى الإباحة فلا معنى لأن يقال أن المولى له حق الطاعة في حكمه بالإباحة لأن الإباحة ليس لها إمتثال وليس لها طاعة ، فلا يصح أن نقول أنَّ حق الطاعة للمولى في أحكامه الترخيصية وما يقتضيه هذا الحق من حكم العقل بالترخيص يُزاحم حق الطاعة في تكاليفه الإلزامية وما يقتضيه هذا الحق من حكم العقل بالإحتياط والتنجيز ، فهذا التنافي ينشأ من أنَّ حق الطاعة في أحكامه الإلزامية يقتضي حكم العقل بالتنجيز ، بينما حق الطاعة في أحكامه الترخيصية يقتضي حكم العقل بالترخيص ، فيقع التنافي بين حكم العقل بالتنجيز وحكمه بالترخيص ، فيقال هذا غير معقول ومؤشر على بطلان مسلك حق الطاعة.

نقول لا يوجد حق طاعة في الأحكام الترخيصية ، حق الطاعة يختص بالتكاليف الإلزامية فيقال أنَّ المولى حق الطاعة في تكاليف الإلزامية _ الوجوب والتحريم _ ولا معنى لذلك في الترخيص الذي هو إطلاق العنان للمكلف وعدم إلزامه بشيء ، فليس للإباحة طاعة وإمتثال حتى يقال بالتنافي بين حكمي العقل ، ويجعل ذلك دليلاً على بطلان مسلك حق الطاعة ، فلا يوجد إلا حكمٌ عقلي واحد بالتنجيز والإحتياط مراعاةً لإحتمال التكليف الإلزامي لأن حق اطاعة للمولى لا يختص بتكاليفه المعلومة بل يشمل تكاليفه المحتملة ، فيجب على العبد أن يطيع هذا التكليف المحتمل فيحكم العقل بالإحتياط ولزوم الفعل في الشبهة الوجوبية ولزوم الترك في الشبهة التحريمية لأجل الحفاظ على الملاكات الإلزامية الواقعية إن كانت هي الموجودة في مورد الشك ، ليس في المقام إلا هذا .

الملاحظة الأخرى : لو سَلَّمنا وجود حق الطاعة في إحتمال الإباحة كما هو موجود في إحتمال التكليف الإلزامي نقول :

أنَّ حكم العقل بالإحتياط والمنجزية مراعاةً لإحتمال التكليف الإلزامي إنما هو لحق الطاعة للمولى على عبده ، في حين أنَّ حكم العقل بالترخيص مراعاةً لإحتمال الإباحة إنما هو لأجل حق العبد ، وهذا فارقٌ بين الموردين ، إحتمال التكليف الإلزامي يقتضي حكم العقل بالتنجيز والإحتياط قضاءً لحق الطاعة للمولى ، وأما إحتمال الإباحة الإقتضائية فحق الطاعة فيه هو مراعاة لحق العبد بإعتبار إحتمال الترخيص _ وإن حكم الفعل الواقعي وهو الإباحة _ فهذا يعني أنَّ المولى أطلق العنان للعبد بالنسبة الى هذا الشيء ، والعقل يحكم بالترخيص وأنَّ العبد مطلق العنان وهذا الحكم هو مراعاةً لحق العبد بإعتبار أنَّ المولى حينما رخص الفعل وأباحه فحينئذٍ من حق العبد أن يفعل أو لا يفعل ، ولا مُلزم له في أن يفعل كما لا ملزم له في أن يترك ، إذن هو مطلق العنان تجاهه ، وهذا حق للعبد يثبت بجعل الشارع للإباحة ، والعقل ٍمراعاةً لحق يجعل الترخيص ، فلا يوجد ما يلزم العبد بالفعل ولا الترك ، وحينئذ نقول :

ليكن هناك حكمٌ عقلي بالتنجيز مراعاةً لإحتمال التكليف وليكن هناك حكم عقلي بالترخيص مراعاةً لحكم الشارع بالإباحة ، لكن هذا تنافي وتزاحم بين حق المولى وحق العبد في الحقيقة ، وعندما يقع التزاحم بين حق المولى وحق العبد فلا إشكال في تقديم حق المولى على حق العبد ، وهذا معناه ثبوت مسلك حق الطاعة من دون أن يلزم من ذلك التنافي بين الأحكام العقلية لأنَّ هذا الحكم بالترخيص على تقدير وجوده يُراعى فيه حق العبد بينما حكم العقل بالتنجيز يُراعى فيه حق المولى ، وإذا وقع التزاحم بينهما يقدم حق المولى على حق العبد.

قد يُقال هنا : التزاحم هنا ليس بين حقين حتى يُقال بأن حق المولى يُقدم على حق العبد ، لأنه لا توجد لدينا حقوق في المقام وإنما توجد أحكام فالعقل يحكم بالتنجيز وبالترخيص ، فالتنافي بين حكمين عقليين ، ولا مجال للقول بتقديم أحدهما على الآخر لأنه إنما يتصور إذا كان التنافي بين حقين أحدهما للمولى والآخر للعبد فيقال نُقدم حق المولى على حق العبد ، وأما عندما يكون التنافي بين حكمين عقليين فلا معنى لتقديم أحدهما على الآخر .

فنقول : إن التزاحم وإن كان بين حكمين عقليين حكمٌ بالترخيص وآخر بالتنجيز _ ومحال أن يجتمعا ولذا يُجعل هذا دليلا على بطلان مسلك حق الطاعة _ لكنَّا نسأل منشأ الحكميين ما هو ؟

لا إشكال في أنَّ حكم العقل بالتنجيز منشأه حق الطاعة للمولى ، كما أنَّ حكمه بالترخيص منشأه حق العبد في أن يكون مطلق العِنان ، والتنافي والتزاحم بين الحكمين العقليين لا محالة يؤدي الى التنافي والتزاحم بين الحقين حق المولى وحق العبد.

وبعبارة أكثر وضوحاً : إنَّ العقل إنما يحكم بالترخيص _ على تقدير وجوده _ لأجل الحفاظ على حق العبد في أن يكون مطلق العِنان لأنَّ الشارع هو الذي أطلق عِنانه ، فيكون التنافي بين الحقين ، ولا إشكال في تقديم حق المولى على حق العبد ، فلا يمكن أن يُجعل هذا دليلاً على بطلان مسلك حق الطاعة.