42/06/25
الموضوع / القطع / حُجيَّة القطع / إمكان الردع عن القطع
كان الكلام في الوجه الثالث الذي اُستُدِل به على عدم إمكان الردع عن القطع بالتكليف وهو لزوم نقض الغرض وقلنا أنَّ الظاهر من الغرض هو الداعي الذي جُعل التكليف لأجله و ما يُعبَّر عنه بالعلة الغائية ، وهي تحريك المكلف نحو الإمتثال ، فإذا كان هذا هو الغرض وإفترضنا أنَّ القطع كان مصيباً للواقع فلو كان الحكم هو الوجوب فالترخيص يسمح للمكلف بترك الإمتثال فيعتبر هذا نقضاً للغرض من جعل التكليف ، هذا هو الدليل.
والجواب: نحن نُسلِّم أنَّ الغرض من التكليف هو تحريك المكلف وإيجاد الدعي عنده للإمتثال ، لكن ما يَصدر من الشارع هو التكليف وهو عبارة عن جعل ما يكون صالحاً للتحريك ، والمحرك الأساسي للعبد عندما يقطع بالتكليف هو حكم العقل بحُسن الطاعة وقبح المعصية ، نعم الحكم الشرعي هو موضوعٌ لحكمِ العقل ، فإن ما يحكم بحُسنه هو طاعة تكليف المولى وما يحكم بقبحه هو معصية تكليف المولى ، فالمحرك هو حكم العقل.
ومن هنا يظهر أنَّ المحرك هو حكم العقل ، وهنا نرجع الى ما بحثناه سابقاً وهو انَّ حكم العقل بحسن الطاعة وقُبح المعصية هل هو حكم تنجيزيٌ أم هو حكم تعليقي ، فإذا كان حكماً تنجيزياً فتكون المحركية تنجيزية أيضاً ، فيكون الترخيص من قِبل الشارع في مورد القطع بالتكليف نقضاً للغرض ويتم هذا الكلام وهو محال.
وأما إذا كان حكم العقل تعليقياً فلا يكون نقضاً للغرض ، العقل لا يحكم بحُسن الطاعة وقبح المعصية عندما يرخص نفس المولى في ترك الطاعة وترك الإمتثال ، فإذا جعل الشارع الترخيص الظاهري في مورد القطع بالتكليف وتعقلناه فلا يكون هذا الترخيص نقضاً للغرض ، لأن الغرض يتحدد بحدود ما يحكم به العقل ، فإن كان حكمه تنجيزياً فحينئذٍ تكون محركيته تنجيزية ، وتكون هي الداعي لجعل التكليف ، ويكون الترخيص نقضاً لها ويتم البرهان كما تقدم ، واما إذا كان الحكم العقلي تعليقياً معلق على عدم ورود الترخيص ، فحينما يرد الترخيص لا يجد أمامه حكماً عقلياً بالمنجزية وبالتالي بالمحركية لأنه رافع لهذا الحكم العقلي بحسب الفرض ، فلا محركية عندما يرخص الشارع في المخالفة ، ومن هنا لا يكون هذا الترخيص نقضاً للغرض ، فالمسألة ترتبط بالبحث السابق.
ومن هنا يتبين أن كل الوجوه الثلاثة المتقدمة التي اُستدل بها على عدم إمكان الردع غير تامة ، ووجه عدم تماميتها هو أن حُكم العقل حُكم تعليقي وليس تنجيزياً ، فإذا أمنَّا بأنَّ حكم العقل تعليقي فلا تتم الوجوه الثلاثة السابقة ، لا الوجه الأول الذي يقول بلزوم إجتماع الضدين واقعاً أو بنظر القاطع ، وجوابه لا إجماع للضدين لا بلحاظ المبادئ ولا بلحاظ المحركية ، أما بلحاظ المبادئ فالحكم الذي يجعله الشارع ونتعقله هو الترخيص الظاهري وهو لا ينشأ من مِلاك في المتعلق ، وملاك الأحكام الظاهرية إما في نفس جعلها وإما هي نفس مِلاكات الأحكام الواقعية عندما تختلط الملاكات الواقعية على المكلف فيُجعل الحكم الطريقي للحفاظ على مِلاك الحكم الواقعي الأهم ، فليس له مِلاك خاص به حتى يقال بمضادته للحكم الواقعي ولزوم إجتماع الضدين.
كما أنه لا يلزم منه إجتماع الضدين بلحاظ المحركية لما قلناه من أنَّ المحركية التي يحكم بها العقل ليست محركية تنجيزية ، هي محركية تعليقية معلقة على عدم ورود الترخيص ، وإذا جاء الترخيص فلا يوجد حكم عقلي بالمحركية حتى يقال بلزوم نقض الغرض ، فالوجه الأول غير تام
وكذا الوجه الثاني القائل بلزوم التفكيك بين الذات والذاتي أيضاً غير تام ، لأن الحُجيَّة ليست من ذاتيات القطع بل من لوازمه الذاتية واذا كانت الحُجيَّة تعليقية فلا يكون هذا الوجه تاماً أيضاً ، وبورود الترخيص ينتفي موضوع الحُجيَّة التعليقية ولا يلزم التفكيك .
كما أنَّ المناقضة مع الحكم العقلي غير واردة أيضاً لأن الحكم العقلي تعليقي والترخيص إنما يناقض حكم العقل التنجيزي.
ولا يلزم نقض الغرض أيضاً لأن الحكم تعليقي ، فنكتة الجواب عن هذه الوجوه الثلاثة هو الإيمان بأنَّ الحكم العقلي بحُسن الطاعة وقبح المعصية ، بالحجية والمنجزية هو حكمٌ تعليقي ، وهذا ما قلنا أنه لا يمكن إقامة برهان عليه ولكن الذي ندركه بوجداننا هو أن َّالحكم العقلي حكمٌ تعليقي لا تنجيزي بالوجه الذي ذكرناه وأنَّ منشأ هذا الحكم هو رعاية حق المولى بالطاعة وأنه إذا تنازل نفس المولى عن حقه فلا يكون هذا الحكم العقلي ثابتاً في المقام.
فالنتيجة التي وصلنا إليها هي أنَّ الوجوه الثلاثة على عدم إمكان الردع غير تامة ، ولكن هل يعني هذا إمكان جعل الترخيص في مورد القطع بالتكليف أو لا ؟
الصحيح هو عدم الإمكان ، لكن ليس الوجه هو أحد الوجوه الثلاثة السابقة ، وإنما الوجه فيه هو أنَّ هذا الترخيص فيه إحتمالان :
إما أن يكون ترخيصاً نفسياً كالحكم المقطوع به ينشأ من مِلاك في المتعلق ، وإما أن يكون حكماً ظاهرياً طريقياً ، وعلى الأول يكون الدليل على عدم إمكان جعله هو لزوم إجتماع الضدين بلحاظ عالم المبادئ واقعاً على تقدير الإصابة وفي نظر القاطع على تقدير عدم الإصابة كما تقدم ، وعلى الثاني وهو أن يكون الترخيص ظاهرياً طريقياً فالسؤال هل يمكن جعله في مورد القطع بالتكليف ؟
الجواب لا يمكن ذلك ، ولابد أولاً من بيان معنى كون الحكم ظاهرياً طريقياً ، والرأي الذي يذكره السيد الشهيد المعروف عنه وحاصله :
أن َّالحكم الظاهري الطريقي هو الحكم الذي لا ينشأ من مِلاك في المتعلق وإنما ينشأ من نفس ملاكات الأحكام الواقعية ، وبيانه :
الأحكام النفسية الواقعية تارة تكون متميزة لا إختلاط فيها ولا إشتباه ، هذا خمرٌ حرام ، وهذا خل حلال ، لا يوجد إشتباه إطلاقاً ، وأخرى تكون الأحكام النفسية الواقعية مختلطة لا يُميز المكلف الحرام منها من الحلال ، كما في الشبهات الموضوعية هل هذا خل أو خمر ؟ أو حتى في الشبهات الحكمية التي يَشك في أنَّ الفقاع حرام أو حلال ، وهو يعني أنه يشك في أنَّ هذا السائل المعيَّن حلال أو حرام ، فصار إختلاط وإشتباه على المكلف.
أما في الحالة الأولى فلا مجال لجعل الحكم الطريقي الظاهري _ وسيأتي برهانه _ فيعمل المكلف بمقتضى تكليفه المتميز لديه ، وأما في الحالة الثانية فيقع التزاحم بين مِلاكي الحكمين المشتبهين ، ويعبر عنه السيد الشهيد بالتزاحم الحفظي وهو تزاحم في مقام الحفظ بمعنى أنَّ حفظ أحد الملاكين يكون بشيء وحفظ المِلاك الآخر بشيء آخر ، فالشارع في مقام الحفظ هل يحفظ هذا المِلاك او ذاك ؟
مثلاً إذا إختلط الحرام بالحلال على المكلف _ بنحو الشبهة الموضوعية أو الحكمية _ ولم يعلم أنَّ هذا حرامٌ ناشئ من مفسدة في المتعلق أو أنه حلالٌ ناشئ من ملاك في المتعلق _ ولنفترض أن الحلية حلية إقتضائية _ وكذا إذا إختلط الواجب بالحرام وملاك الوجوب مصلحة ومِلاك الحرام مفسدة ، فالشارع في مقام الحفظ إذا أراد حفظ مِلاك الوجوب وأن يَحصِّل المكلف على المصلحة فيجعل الإحتياط كحكم طريقي ظاهري ويحافظ به على مصلحة الحكم الإلزامي ، وإذا كان الملاك الآخر هو الأهم كالإباحة الإقتضائية التي ملاكها إطلاق العِنان فيجعل البراءة ، لأن بها يحفظ مِلاك إطلاق العِنان للمكلف ، وإن كان بجعل الإحتياط يُدرك المكلف مصلحة الأحكام الواقعية الإلزامية ولكن يلزم تفويت مصلحة إطلاق العِنان عليه ، وكذا بجعل البراءة يٌدرك مصلحة إطلاق العِنان واليسر وإن كان يلزم تفويت مصلحة الحكم الواقعي الإلزامي ، هذه خلاصة الفكرة التي يطرحها السيد الشهيد قد