الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القطع / حجية القطع / إشكال الشهيد الصدر

إشكال السيد الشهيد الصدر [1]

أشكل السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه الزكية على طريقة الإستدلال على حُجيَّة القطع من جهة إدراجه في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ، يقول إن طريقة الإستدلال لا تخلو من إشكال ، ويبين ذلك بهذا البيان :

مسألة حُسن العدل وقبح الظلم أُخذَ في موضوعها العدل والظلم كما هو واضح ، هذه القضية لها محمول وهو الحُسن وموضوعه العدل ، وقضية قبح الظلم المحمول هو القبح والموضوع هو الظلم ، معنى الظلم هو سلب ذي الحق حقه ، ويقابله العدل وهو إيصال الحق الى صاحبه ، إذن في رتبة الموضوع وقبل المحمول فُرِضَ وجود حقٍ يكون سَلبه ظلماً وإيصاله الى صاحبه عدلاً ، هذا فُرِضَ في رتبة الموضوع وقبل الحكم عليه بالمحمول وأنه حَسن أو قبيح ، فرض وجود حق في محل الكلام _ في حُجيَّة القطع _ هو عبارة عن حق المولوية ، لوضوح أنَّ من لا يكون مولى لا يثبت له هذا الحق ، ولا يكون القطع بتكليفه حُجةً _منجزاً ومعذراً _ وهذا يعني أنا فرضنا في رتبة الموضوع أنَّ هناك مولى له حق المولوية على العبد ، هذا كله قبل أن نصل الى المحمول ، وحينئذ يقول في مقام بيان إشكاله على إدراج حُجيَّة القطع في مسألة التحسين والتقبيح العقليين:

ما هو الغرض من الإستدلال على حُجيَّة القطع في إدراجه مسألة التحسين والتقبيح العقليين ؟ لماذا نستدل على حُجيَّة القطع بجعله صغرى لمسألة التحسين والقبيح العقليين ؟

إن كان الغرض هو إثبات مولولية المولى فهذا غير معقول ، لأن المفروض أن العمل بالقطع عدلٌ ومخالفة القطع بالتكليف ظلمٌ ، وهذا هو فرعُ مولوية المولى ، وإلا _ لو لم تكن هناك مولوية _ لما كان العملُ بالقطع عدلاً ولا تكون مخالفة القطع ظلماً ، وإنما يكون العملُ بالقطع عدلاً ومخالفة القطع ظلماً إذا كان الآمر مولى ، فكيف نستدل على مولوية المولى بمسألة حُسن العدل وقبح الظلم والحال هي تتوقف على إفتراض مولوية المولى ، فلا يمكن أن يكون الغرض من الإستدلال على حجية القطع بإدراجها في مسألة التحسين والتقبيح العقليين هو إثبات مولوية المولى ، إذ يلزم منه ما يشبه الدور.

وإن كان الغرض _ كما هو الظاهر _ من الإستدلال على حُجيَّة القطع في مسألة التحسين والتقبيح العقليين هو إثبات حُجيَّة القطع بتكليف المولى بعد الفراغ عن مولويته ، لا نريد إثبات أصل المولوية بل نريد إثبات حُجيَّة القطع بتكليف المولى المفروغ عن موليته بإدراجها في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ، فجوابه :

لا حاجة لإثبات الحُجيَّة القطع بتكليف المولى الى الإستعانة بمسألة التحسين والتقبيح العقليين ويكفينا أن نفرغ من كونه مولى وله حق المولوية ، وبمجرد أن نقطع بتكليفه تثبت الحُجيَّة لهذا القطع بقطع النظر عن مسألة حُسن العدل وقبح الظلم ، حُجيَّة القطع تثبت بثبوت أمرين :

الأمر الأول أنَّ هذا مولى ، وهو الذي قلنا لابد من الفراغ عنه ، ونفرغ عنه في علم الكلام وأنَّ له حق المولوية إما بملاك الخالقية والرازقية والموجديَّة وإما بملاك وجوب شكر المنعم ، بأي ملاك كان .

الأمر الثاني أنَّ هذا قطعٌ بتكليفه ، أن نفترض وجود قطع بتكليف هذا المولى ، وهو أيضاً مفروضٌ في محل الكلام.

فإذا فرضنا أن المكلف قَطَعَ بتكليف المولى فهذا كافٍ في حُجيَّة هذا القطع ، لأن معنى ( المولى ) هو من له حق الطاعة على العبد ، فإذا قطعَ العبدُ أنَّ هذا تكليف المولى فتجب عليه الطاعة بحكم العقل ولا يجوز له مخالفته وهي الحُجيَّة ، فيكون القطع بتكليف المولى حُجة بقطع النظر عن مسألة التحسين والتقبيح العقليين .

ومسألة التحسين والتقبيح العقليين بمعنى كون إمتثال التكليف المقطوع به يتصف عَملُه بالحُسن ومخالفته التكليف المقطوع به تتصف بالقبح ، هذه متأخرة عن إفتراض أنَّ هذا تكليفٌ للمولى المفروغ عن مولويته ، لأن الإمتثال أو العصيان يتصف بالحسن أو القبح لإنطباق عنوان العدل أو الظلم عليه ، وهذا صحيح في نفسه ويستحق فاعله المدح لكونه إمتثالاً أو يستحق الذم لكونه عصياناً إلا إن حُجيَّة القطع لا تتوقف عليه بل هو متأخر عنها.

وبعبارة أخرى : إنَ حُجيَّة القطع بمعنى التنجيز والتعذير تتحقق بمجرد إثبات كبرى وصغرى ، الكبرى هي مولوية المولى والصغرى هي القَطعُ بحكمه _ أي وصول الحكم الى العبد _ ، فإذا تحققتا يكفي هذا في إثبات حُجيَّة القطع بتكليف المولى و، كلاهما مفروض في محل الكلام ، أما الكبرى فللفراغ عنها في علم الكلام ، وأما الصغرى فلأن الفرض هو القطع بتكليف المولى ، فالمدعى في إثبات حُجيَّة القطع هو هذههذه الكبرى والصغرى ،ولا يتوقف الأمر على إنضمام مسألة الحُسن والقبح العقليين .

هذا والكلام كُله في خصوص القطع بتكليف الشارع لا القطع بتكاليف أي مولى كان ، والإعتراض يرد على كيفية الإستدلال على حُجيَّة القطع بتكليف المولى بمسألة التحسين والتقبيح العقليين لا على أصل حُجيَّة القطع بتكليفه.

ومن هنا يظهر أنَّ الإستدلال على _ كما ذُكر في بعض الكلمات _حُجيَّة القطع بأنَّ العقلَ يُدرك حُسن العمل بالقطع وقبح مخالفة القطع بالتكليف ، ويُدرك صحة عقاب المولى العبد المخالف لقطعه وعدم صحة عقاب العامل بقطعه ولو كان قطعه مخالفاً للواقع ، هذا الكلام وإن كان تاماً ولكنه فرع المولوية والحُجيَّة ، فلو لم تكن هناك المولوية ولم تثبت الحُجيَّة فلا يدرك العقل أن إمتثال أمر شخصٍ يكون حسناً وأن مخالفته تكون قبيحة ولو لم تكن هناك مولوية ، فإدراك حُسن العمل بالقطع وقبح مخالفة القطع يكون بعد إثبات مولوية المولى وأن له حق الطاعة ، فلا معنى للإستدلال بأن العمل بالقطع يكون حَسناً وترك العمل بالقطع يكون عمله قبيحاً كما ورد في بعض الكلمات خصوصاً في مصباح الأصول[2] .

من هنا يظهر أنَّ حُجيَّة القطع _ بمعنى المنجزية _ لا تتوقف إلا على إثبات الكبرى وهي مولوية المولى والصغرى وهي القطع بتكليف المولى ، ويظهر أنَّ هذه المولوية التي فُرضت في مرحلة الموضوع ولها حق الطاعة مولوية حقيقية ذاتية ليست مجعولة ، ومن الواضح أنها مختصة بالذات المقدسة ، وكل المولويات الأخرى هي مولويات مجعولة ثابتة بالجعل.

ولا إشكال في ثبوت هذه المولوية في موارد القطع بالتكليف بلا خلاف ، ونستطيع القول أنَّ هذا هو القدر المتيقن من ثبوت مولوية المولى وثبوت حق الطاعة فيه ، ويكون التكليف منجَزاً على العبد ، ولا نحتمل أن تكون مولوية المولى ثابتة في موارد الظن بالتكليف أو إحتماله ولا تكون ثابتة في موارد القطع به ! والأمر يدور بين شيئين إما أن تكون مولوية المولى ثابتة في جميع الموارد من القطع والظن وإحتمال التكليف كما يقول أصحاب مسلك حق الطاعة ، وإما أن تكون ثابتة في موارد القطع بالتكليف فقط ، فتكون موارد القطع هي القدر المتيقن من مولوية المولى ، وأما إحتمال أن تكون مولوية المولى ثابتة في موارد الظن بالتكليف ولا تكون ثابتة في موارد القطع به فغير موجود أصلاً ، إذ يعني كلما إنخفضت درجة الإحتمال ثَبَتَتْ المولوية وكلما إرتفعت درجة الإحتمال حتى إذا وصلت درجة القطع إرتفعت المولوية ! ومن هنا نقول أن القدر المتيقن لمولوية المولى هو موارد القطع بالتكليف ، وأما موارد الظن بالتكليف أو إحتماله أو الشك به أو حتى الوهم بالتكليف فيقع الكلام في أن هل للمولى حقُ الطاعةِ على العبد فيها أيضاً أو لا ؟

هذا هو محل النزاع بين مَسلكين ، عُرِفَ الأول بمسلك قُبح العقاب بلا بيان وعُرِفَ الثاني بمسلك حق الطاعة.


[1] مباحث الاُصول، القسم الثاني، الحائري، السيد كاظم، ج1، ص200.
[2] مصباح الأصول( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص15.