الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القطع /حجیة القطع/-

في بداية هذه الدورة نقرأ سورة الفاتحة ونُهدي ثوابها الى أرواح علمائنا الأعلام وفقهائنا العظام رضوان الله عليهم جميعاً.

تعرفون بأنَّ البناء في هذه الدورة على الإقتصار على المسائل الأساسية الحيوية في علم الأصول ، التي لها ثمرات عملية واضحة ، أو ثمرات علمية واضحة ، نحن بانون على الإقتصار على هذه المسائل في هذه الدورة التي نشرع فيها في هذا اليوم .

في أول بحث القطع جَرتْ عادتهم _ تبعاً للشيخ الأنصاري في الرسائل _ على تقسيم المكلف الملتفت الى الحكم الشرعي الى أقسام ثلاثة ، بإعتبار أنه إما أن يقطع بالحكم الشرعي أو يظن أو يشك به ، وهذا هو التقسيم الثلاثي المعروف الذي طرحه الشيخ ، وكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة له أحكام تَخصُّه ، القطعُ له أحكام خاصة به والظن له أحكام خاصة به ، والشك كذلك له أحكام خاصة به .

ومن هنا قُسِّم هذا البحث الى مطالب ثلاثة :

المطلب الأول في القطع وأحكام القطع والأمور المرتبطة بالقطع .

والقسم الثاني في الظن وأحكام الظن والأحكام المرتبطة بالظن .

والقسم الثالث في الشك ، هو قسم الأصول العملية ، هو البحث الذي يقع في الأصول العملية بإعتبار أنها أحكام موضوعها الشك .

القسم الثاني موضوعه الظن ، ويقع فيه الكلام عن حُجيَّة الظنون ، وأنه هل قام الدليل الخاص على حُجيَّة ظن من هذه الظنون أو لم يقم الدليل على حُجيَّة ذلك الظن ، والبحث يقع عن حُجيَّة الأمارت بمعناها الواسع العام الأعم من خبر الواحد ، خبر الثقة ، غير ذلك من الأمارات .

القطع له أيضاً أحكام تخصُّه ، يقع الكلام في القسم الأول من البحث في هذه الأحكام الخاصة بالقطع ، فكأن هذا التقسيم الثلاثي أشبه بالإشارة الى الأبحاث الآتية ، البحث في القطع وأحكامه وخصوصياته ، والظن وأحكامه ، والشك وأحكامه ، في هذا التقسيم كأنه يُراد الإشارة الى هذه المباحث الآتية التي يكون القطع موضوعاً لها والظن موضوعاً لها أو يكون الشكُ موضوعاً لها ، ومن هنا سوف لا ندخل في تفاصيل البحث المتعارف في صحة هذا التقسيم الذي ذكره الشيخ قده وعدم صحته ، والإعتراضات التي ترد على هذا التقسيم وعدم ورود هذه الإعتراضات ، ولا ندخل أيضاً في التقسيمات المتعددة المقترحة من قبل علماء الأصول المتأخرين ، حيث أنهم بعد أن إعترضوا على التقسيم الذي ذكره الشيخ أدلى كل واحد منهم بدلوه في تصحيح هذا التقسيم ، وذكروا تقسيماً آخر غير ما ذكره الشيخ ، يعتقد القائل به أنه يَسلم من الإيرادات التي أُوردت على تقسيم الشيخ الأنصاري ، فذكروا تقسيماً ثانياً وثالثاً ورابعاً .. عدة تقسيمات الغرض من كل هذه التقسيمات هو الإشارة الإجمالية الى البحوث الآتية التي سيأتي البحث فيها إن شاء الله تباعاً ، ومن هنا لا تترتب على مناقشة هذه التقسيمات وترجيح أحدها على التقسيمات الأخرى وبيان ما يرد على هذا التقسيم وما لا يرد عليه وأنه ما هو الوجه المصحح لهذا التقسيم وأنه هل يكون هذا الوجه تاماً أو لا يكون تاماً ، هذه أبحاث نحن في غنى عنها ، لأن الغرض من هذا التقسيم هو الإشارة الى البحوث الآتية لا أكثر ، وأما الإشارة الى هذه البحوث تارة بما يذكره الشيخ وأخرى بما يذكره صاحب الكفاية ، أو ما يذكره غيرهما ، والشيخ أشار الى هذه البحوث.

نعم قد يكون تقسيم الشيخ فيه ملاحظات ، هناك عِدة ملاحظات تُذكر على ما ذكره الشيخ نذكر بعض هذه الملاحظات لا لغرض الدخول في تفاصيلها وإنما في مقام بيان أن هذه التقسيمات لا تخلو من ملاحظات،

مثلاً إعتُرض على تقسيم الشيخ بأن الظن _ وهو القسم الثاني من هذا التقسيم الثلاثي _ لا يُراد به الظن الشخصي بل يُراد به ما يعم الظن النوعي بإعتبار أن حجية الأمارات التي تُبحث في هذا القسم الثاني هي من باب الظن النوعي وليست من باب الظن الشخصي ، الأمارات حينما نبحث عن حجيتها كما سيأتي هي تدخل في باب الظن النوعي لا في باب الظن الشخصي ، فلابد أن يُراد من الظن في القسم الثاني ما يعم الظن النوعي من دون أن يختص بالظن الشخصي .

على هذا الأساس أُشكل بعدم صحة المقابلة بينه وبين الشك ، لا معنى لأن يُجعل الظن في التقسيم الثلاثي في مقابل الشك ، وذلك بإعتبار أن الظن النوعي الذي هو داخل في القسم الثاني بلا إشكال يجتمع مع الشك ، يجتمع مع الوهم فضلاً عن الشك ، نعم الظن الشخصي لا يجتمع مع الشك ، فإن الإنسان إما أن يكون عنده ظن وإما أن يكون عنده شك ، لكن الظن النوعي المعَبَّر عنه بأن الأمارة بحسب طبعها تُفيد الظن ، هذا معنى الظن النوعي ، أما أنها تُفيد الظن لهذا الشخص أو لا هذه مسألة أخرى وهو ظنٌ شخصي ، لكن هذا الظن النوعي الذي تُفيده الأمارة بمعنى أنها لو خُليت وطبعها فهي تفيد الظن ، هذا هو الظن النوعي وهو يجتمع مع الشك ، إذا كان الإنسان شاكاً في الحكم الشرعي وقامت الأمارة على ذلك الحكم الشرعي ، حينئذ هذا المكلف في الوقت الذي يكون ظاناً بإعتبار الأمارة بالحكم الشرعي ظناً نوعياً لا ظناً شخصياً ، فهذه الأمارة مفيدة للظن النوعي مع كون المكلف شاكاً ، أو مفيدة للظن النوعي مع كون المكلف في وهم ، فما معنى المقابلة إذا كان الظن في القسم الثاني يشمل الظن النوعي .

إشكال آخر ، وهو الإشكال المعروف بأنه يلزم من هذا التقسيم تداخل الأقسام ، لأن المكلف قد يكون شاكاً في الحكم الشرعي ولكن قام عنده الدليل المعتبر على ثبوت هذا الحكم الشرعي ، في هذه الحالة هل يجري في حقه الأصل الذي موضوعه الشك ؟ لا ، يجري في حقه الأصل لوجود الدليل المعتبر المثبت لهذا الحكم وإن كان المكلف شاكاً ، وأحياناً على العكس يكون له ظن بالحكم الشرعي لكن هذا الظن بالحكم الشرعي ظنٌ غير معتبر ، وفي هذه الحالة يجري في حقه الأصل ، وهذا معناه أن بعض موارد الظن يكون محكوماً بحكم الشك فيجري في الأصل العملي ، وبعض موارد الشك يكون محكوماً بحكم الظن كما إذا كان المكلف شكاً وقام عنده الدليل المعتبر على ثبوت هذا الحكم ، يدخل في القسم الثاني ويحكم عليه بحكم الظن و يقال إن هذا الدليل حجة في إثبات هذا الحكم الشرعي وإن كان المكلف شاكاً في إثبات هذا الحكم الشرعي ، فبعض موارد الظن تدخل في حكم الشك ويطبق عليها حكم الشك وهو الأصل العملي ، فعندما يكون الظن غير معتبراً يجري في حقه الأصل العملي ، وبعض موارد الشك يطبق عليه حكم الظن ، كما إذا كان المكلف شاكاً وقام عنده والدليل المعتبر على ثبوت ذلك الحكم ، هذا يُعَبَّر عنه بالتداخل .

بعبارة أخرى هذا القسم الثاني _ الظن _ لا يخلو إما أن يكون معتبراً أو يكون غير معتبر ، فإن كان معتبراً يكون حكمه حكم القطع من حيث الحجية ، المنجزية والمعذرية ، وإن كان غير معتبر فحكمه حكم الشك بمعنى أنه يكون مجرى للأصل العملي

إثارة أخرى أو أشكال آخر على هذا التقسيم أثاره صاحب الكفاية ، لا بأس بالإلتفات إليه ، وهو إن ظاهر هذا التقسيم إختصاص الحكم بالحكم الواقعي في قوله ( أنَّ المكلف إذا ألتفت الى حكم الشرعي فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن )[1] مقصوده من الحكم هو الحكم الشرعي الواقعي ، فإذا إلتفت إليه فلا يخلو من أحدى حالات ثلاث إما ان يقطع به أو يظن أو يشك به ، الإشكال يقول لا داعي لتخصيصه بالحكم الواقعي بإعتبار أن أحكام القطع من المنجزية والمعذرية لا تختص بالحكم الواقعي بل كما تشمل القطع بالحكم الواقعي كذلك تشمل القطع بالحكم الظاهري ، القطع منجزٌ ومعذرٌ كما سيأتي سواءً تعلق بالحكم الواقعي أو تعلق بالحكم الظاهري ،كما أن المكلف إذا قطعَ بحكم واقعي ثابت للشيء بعنوانه الأولي من قبيل حلية أكل لحم الغنم وحرمة أكل لحم الخنزير _ وهذه أحكام واقعية _ المنجزية والمعذرية كما تَثبت للقطع بهذه الأحكام كذلك تَثبت للقطع بأحكامه الظاهرية الثابتة للشيء بعنوانه الثانوي ، الثابتة للشيء بما أنه مشكوك حكمه الواقعي ، هناك أحكام تًثبت للشيء بعنوان أنه يُشك في حكمه الواقعي فيثبت له حكم ظاهري ، هذه الأحكام الظاهرية القطعُ بها أيضاً يكون منجزاً ومعذراً ، إذا قطع المكلف بحكم ظاهري ثابت للشيء بعنوان ثانوي يكون منجزاً عليه ويكون مؤاخذاً إذا خالفه ، إذن أحكام القطع لا تختص بالحكم الواقعي بل ينبغي تعميمها للقطع بالحكم مطلقاً سواءً كان واقعياً أم كان ظاهرياً ، ومن هنا وتلافياً لهذا الإشكال الأخير ولبعض الإشكالات المتقدمة أو لغيرها من الإشكالات التي لم ندخل ولن ندخل في تفاصيلها وردَ التقسيم الثاني الذي ذكره صاحب الكفاية .

    1. تقسيم صاحب الكفاية

يقول صاحب الكفاية لا داعي لتقسيم المكلف الى هذه الأقسام الثلاثة قطع وظن وشك ، وإنما نقول المكلف إذا التفت الى حكمٍ فعلي _ أعم من أن يكون واقعياً أو يكون ظاهرياً _ إما أن يقطع به أو لا يقطع به ، فإذا قطع به تثبت له أحكام القطع تثبت له أحكام القطع من المنجزية و المعذرية كما سيأتي ، وإن لم يقطع به حينئذ يُصار الى حجية الظن بناءً على تمامية دليل الإنسداد بحكم العقل ، وهو ما يسمى بالحكومة ، وهناك خلاف بأن مقدمات الإنسداد ماذا تنتج ، حكم العقل بحجية الظن أو لا تنتج ذلك ، فإذا قلنا أنها تنتج حكم العقل بحجية الظن في حالة الإنسداد فحينئذٍ يكون الظن حجة فيعمل بالظن بمقتضى حكم العقل ، وإما إذا لم تتم مقدمات الإنسداد أو قلنا أن مقدمات الإنسداد لا تُنتج حكم العقل بحجية الظن حينئذٍ يُصار الى الأصول العملية ومن هنا كانت القسمة عند صاحب الكفاية ثنائية لا ثلاثية ، إن المكلف إذا إلتفت الى الحكم الفعلي _ الأعم من الواقعي والظاهري _ إما أن يقطع به أو لا ، فإن قَطَعَ به يشمل مباحث القطع ومباحث الظن ، لأن الأمارات تُثبتُ أحكاماً ظاهرية ويحصل القطع بها إذا تمت بالدليل ، إذا كانت الأمارة معتبرة يحصل القطع بالحكم الظاهري ، وهذا القطع بالحكم الظاهري كالقطع بالحكم الواقعي بلحاظ الأحكام التي تُبحث في القطع من المنجزية والمعذرية وأمثالها ، فكل مباحث الظن سوف تدخل في القطع ، فلا يوجد قسمان قطع و ظن ، عندنا قطع بالحكم الشرعي ، والحكم الشرعي تارة يكون حكماً واقعياً وأخرى يكون حكماً ظاهرياً ثابتاً ببركة دليل حجية الأمارة فيثبت حكم ظاهري والمكلف يقطع به ، لأن الأمارة قامت عنده وقام الدليل المعتبر على حجيتها فهو يكون قاطعاً بأن الشارع جعل هذا الحكم الظاهري عند الشك وعدم العلم بالواقع ، فيدخل في باب القطع ، أو لا يحصل له القطع لا بالحكم الواقعي ولا بالحكم الظاهري فهذا القسم الثاني ، فلا علم وجداني بالحكم الشرعي ، ولا الأمارة قامت على الحكم الشرعي مفيدة للقطع بالحكم الظاهري ، حكم شرعي إلتفتَ إليه لا هو قاطع به وجداناً ولا هو قاطع به تعبداً ، أي لم يقطع به وجداناً كحكم واقعي ، ولم يقطع به كحكم ظاهري بقيام الأمارة المعتبرة عليه ، فهنا يرجع الى الأصول العملية ، إلا في حالة واحدة وهي إن تمت مقدمات دليل الإنسداد وأنتجت حُجيَّة الظن بحكم العقل ، فحينئذ يكون هذا الظن حجة بحكم العقل ، ويكون المرجع الظن مطلقاً ولو لم يقم الدليل الخاص على إعتباره ، لأن المفروض إنسداد باب العلم والعلمي ، و المقدمات تامة بحسب الفرض فلابد من الرجوع الى الظن بإعتبار أن العقل حكم بحجيته في حال الإنسداد ، وإن لم تتم هذه المقدمات فيرجع حينئذٍ الى الأصول العملية ، كأن التقسيم ثنائي ، إما أن يحصل القطع أو لا ، فإن حصل القطع دخل الجميع فيه ، وإن لم يحصل القطع يُرجع الى باب الشك ، وتجري عليه أحكام الشك وتطبق عليه الأصول العملية إلا في حال تمت مقدمات دليل الإنسداد وأنتجت الحكومة _ حكم العقل بحجية الظن _ .

قلنا أننا لا ندخل في تفاصيل هذه الأبحاث لأنها ليس لها ثمرة عملية واضحة ،وإنما ندخل في صُلب البحث ، مع الإلتزام بالأقسام ، فنبحث أولاً في القطع ثم الظن ثم الشك .

 

    2. القطع

في مباحث القطع البحث يقع في حجية القطع ، وليس المقصود منه البحث في عن الحجية وإثباتها بالدليل لكونها محل شك وتردد ، لا ، إذ لا إشكال في أن القطع حجة بلا خلاف ولا ريب ولا إشكال ، ولا نحتاج إقامة أدلة وبرهان على حجيته كما سيأتي ، وإنما المهم البحث عن أن هذه الحجية الثابتة بلا إشكال هل هي من اللوازم الذاتية للقطع التي لا يمكن أن تنفك عنه إطلاقاً ، أو لا هذه ثابتة للقطع بحكم العقل ، أو لا هي من اللوازم الذاتية ولا ثابتة له بحكم العقل وإنما هي ثابتة ببناء العقلاء ، البحثُ يتركز على هذه القضية ، على أن الحجية التي ينبغي ان فرغ عن ثبوتها للقطع هل هي من لوازمه الذاتية أو هي ثابتة بحكم العقل أو أنها ثابت ببناء العقلاء .

هناك إصطلاحات تتكرر في بحث حجية القطع :

    1. إصطلاح طريقية القطع .

    2. إصطلاح محركية القطع ، لأن القطع له طريقية وله محركية .

    3. إصطلاح مُنجزية القطع و مُعذريته المعَبَّر عنه بحجية القطع ، المقصود منه ان القطع يكون مُنًجِّزاً للتكلف على تقدير الإصابة ، و يكون مُعَذِّراً على تقدير الخطأ.

    4. إصطلاح وجوب مُتابعة القطع ، إستعمله الشيخ الأنصاري في عباراته .

هل هذه الإصطلاحات : طريقية القطع ، محركية القطع ، حجية القطع يعني منجزيته و مُعذريته ، وجوب متابعة القطع تكشف عن معاني متعددة أو يراد بها شيء واحد ؟

الإصطلاح الأول طريقية القطع المراد به كاشفية القطع عن متعلقه ، القطع إذا تعلق بشيء يكون كاشفاً عنه ، والكلام الذي ينبغي أن يقع في طريقيته وكاشفيته هل هي من لوازم القطع الذاتية أو أنها مجعولة ؟

الصحيح في هذا البحث هو أنها من لوازم القطع لا أنها مجعولة ، الكاشفية للقطع ، كون القطع كاشفاً عن متعلقه ، كون القطع طريقاً الى متعلقه ، هذه الكاشفية التامة الصحيح أنها من لوازم القطع الذاتية التي لا يمكن أن تنفك عنه ، بل أكثر من هذا القطع ليس شيئاً له الكاشفية التامة بل هو عبارة عن الطريقية والكاشفية التامة ، ومن هنا لا مجال للقول أن الكاشفية مجعولة للقطع لأنه يستلزم وجود إثنين يجعل أحدهما للآخر ، بينما الصحيح أن القطع هو عبارة أخرى عن الكاشفية والإراءة التامة ، وعلى كل حال هذا البحث ليس دخيلاً في علم الأصول ، ولا يتعلق به غرض الأصولي ، الأصولي يبحث عن ما ينجز التكليف ويعذر عنه ، منجزاً للتكليف يحتج به المولى على العبد وما يكون معذراً يحتج به العبد على المولى ، الأصولي غرضه هذا ، وأما البحث عن حقيقية القطع وأنَّ كاشفية القطع هل هي ذاتية أو مجعولة لا يتعلق به غرض الأصولي ، ولو فرضنا أنها مجعولة ، الأصولي يريد أن يعرف أن القطع منجز لما تعلق به أو لا ، ولا يفرق أن تكون الكاشفية من لوازم القطع الذاتية أو مجعولة له ، المهم أن القطع ينجز التكليف الذي يتعلق به كما أن القطع بعدم التكليف يكون معذراً حتى لو كان التكليف ثابتاً في الواقع ما دام المكلف قاطعاً بعدمه يكون معذراً له ، هذا جانب المعذرية ، إذا قطع بالتكليف هذا جانب المنجزية يكون هذا القطع منجزاً لذلك التكليف عليه بحيث يكون موجباً لإستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ، وإذا قطع بعدم التكليف يكون هذا القطع معذراً له أمام المولى حتى لو كان ثابتاً في الواقع ، هذا هو الذي يتعلق به غرض الأصولي ، والتطرق له من الإضافات التي دَخلت في علم الأصول ، هذا إصطلاح طريقية القطع .

الإصطلاح الثاني محركية القطع والمقصود بها إستدعاء القطع بشيء التحرك بالنحو المناسب لحاجة القاطع ، من يقطع بوجود الماء يتحرك له إذا كان عطشاناً ، القطع بوجود النار يستدعي التحرك بالإبتعاد عن النار .

وهذه المحركية قضية تكوينية لا يتعلق بها غرض الأصولي ، ولا يبحث عن محركية القطع هل أنها ذاتية للقطع أو مجعولة له ، هذا شيء لا يتعلق به غرضه إطلاقاً ، ولذا ينبغي عدم إدراجه في علم الأصول .

يبقى الإصطلاح الثالث وهو المنجزية والمعذرية للقطع المعبر عنه بحجية القطع ، والرابع هو وجوب متابعة القطع ، هل هذا _ وجوب متابعة القطع _ غير الإصطلاح الثالث وغير الإصطلاح الأول والثاني أو لا ؟


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص25.