الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

التنبيه السابع: في جريان التزاحم في المستحبات

فمثلاً اذا كان المكلف غير قادر على الجمع بين مستحبين كزيارة الحسين في عرفة والحج المندوب فهل يقال هنا بانهما يتزاحمان لعدم قدرة المكلف على امتثالهما معاً وحينئذ لا يمكن ثبوت كلا الحكمين الا على نحو الترتب كما هو الحال في الواجبين المتزاحمين؟

او يقال بانه لا يجري التزاحم بينهما، وان عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثالهما لا يمنع من ثبوت كلا الحكمين بلا حاجة الى الترتب

ونقل عن السيد الخوئي (قده) ذهابه الى عدم جريان أحكام التزاحم في المستحبات واختصاصها في الاوامر الوجوبية

واستدل على ذلك بأن المحذور الذي يلزم من ثبوت الحكمين على الاطلاق ومن دون ترتب في الواجبات هو محذور التكليف بغير المقدور كما في صل وانقذ الغريق مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما او الامر بانقاذ هذا الغريق والامر بانقاذ ذاك الغريق، فيقال بان بقاء الامر بانقاذ الغريق على اطلاقه حتى في صورة الاشتغال بانقاذ الغريق الثاني وبقاء الامر بانقاذ الغريق الثاني على اطلاقه حتى في حالة الاشتغال بانقاذ الغريق الاول يلزم منه التكليف بغير المقدور وهذا المحذور يختص بالواجبات ولا يجري في المستحبات

ففي المستحبات لا يوجد الزام حتى يقال بانه يلزم من بقاء الخطابين على اطلاقهما وعدم الترتب بينهما التكليف بغير المقدور، فلا مشكلة في اطلاق الخطابين ولا داعي لتقييد الخطابين بعدم الاشتغال بواجب لا يقل عنه اهمية

وبعبارة اخرى في باب التزاحم بين الواجبات قلنا لا بد من تقييد أحد الخطابين على الأقل بعدم الاشتغال بالآخر حتى نتخلص من محذور التكليف بغير المقدور وهذا المحذور لا يأتي في باب المستحبات فيبقى اطلاق كل من الخطابين على حاله

وكأنه يفرض بأن المحذور الذي يمنع من ثبوت الحكمين على نحو الاطلاق ومن دون ترتب هو التكليف بغير المقدور وهو يختص بالواجبات ولا يأتي في المستحبات

وذكر السيد الشهيد (قده) بأن الأمر يختلف باختلاف الوجه الذي نستند اليه في الواجبات لمنع اطلاق الخطابين لحالة الاشتغال بالآخر

توضيح ذلك اننا تارة نقول ان الوجه للمنع من ثبوت الحكمين على نحو الاطلاق هو انه يلزم منه إحراج المكلف وحمله على العصيان لانه غير قادر على امتثالهما وهذا غير جائز عقلاً

فاذا كان هذا هو الوجه في المنع فصحيح ان هذا الوجه يختص بخصوص الواجبات اذ لا عصيان في مخالفة المستحبات فلا يلزم من اطلاق الاستحبابين حمل المكلف على العصيان لأنه لا عصيان في مخالفة الاستحباب

واما اذا كان الوجه في المنع هو ان بقاء الخطابين على اطلاقهما يستلزم طلب الجمع بين الضدين

او نقول بما هو الصحيح من أن الوجه في المنع هو ما تقدم من ان الخطابات ظاهرة في انها تجعل بداعي البعث والتحريك ولا تشمل موارد عدم امكان الانبعاث فلا بد في الواجبات من فرض الترتب بين الخطابين لأن بقاء الخطابين على اطلاقهما معناه عدم إمكان التحرك والانبعاث فلكي يكون التحريك معقولاً لا بد من تقييد الخطاب بعدم الاشتغال بالآخر والتحرك يكون ممكناً بعد التقييد فيكون الخطاب شاملاً للمورد

بناء على ان الوجه في المنع هو أحد هذين الامرين فالصحيح ان هذين الوجهين كما يجريان في الاوامر الوجوبية كذلك يجريان في الاوامر الاستحبابية فإنه يلزم من بقاء الاستحبابين على اطلاقهما طلب الجمع بين الضدين لأن الاستحباب طلب، وهذا محال كما هو الحال في الواجبات

اما اذا كان الوجه في المنع هو ظهور الخطابات في انها تجعل بداعي البعث والتحريك ولا تشمل موارد عدم امكان الانبعاث فهو يجري في الأوامر الاستحبابية ايضاً فالامر الوجوبي والاستحبابي يشتركان في ان كلاً منهما ظاهر في انه بداعي البعث والتحريك فيختص بصورة إمكان الانبعاث والتحرك ولا يشمل صورة عدم إمكان الانبعاث والتحرك

فلا بد من تقييد الخطاب بعدم الاشتغال بالأهم او المساوي وهو معنى الترتب

وبهذا يتضح أن الصحيح بناء على أن الوجه في المنع من الاطلاقين في باب الواجبات اما انه يلزم منه طلب الجمع بين الضدين او يلزم منه جعل الخطاب في مورد لا يمكن فيه التحرك فهذا كما يجري في الواجبات يجري في المستحبات

الى هنا يتم الكلام عن باب التزاحم بل يتم الكلام في الحقيقة عن تعارض الادلة لان باب التزاحم حقه ان يذكر في باب اجتماع الامر والنهي ولكن ذكرناه هنا لمناسبة

وبهذا تنتهي بحمد الله وتوفيقه هذه الدورة الاصولية التي استغرقت وقتاً طويلاً جداً، وإن كان البناء مسبقاً قبل ذلك على الاختصار مهما أمكن لكن يبدو انه لا مجال للاختصار اذا اردنا ان نبحث المسائل بحثا معمقاً

وقد بذل الاخوان جهداً كبيراً في متابعة الدروس خلال هذه الدورة، ونأمل أن تكون استفادتهم استفادة تامة واستيعابهم لمطالبها استيعاباً تاماً يؤهلهم للدخول في ابحاث اعمق من ذلك على مستوى تكوين الرأي والتصديق بالمسائل لا أن يتبعوا الغير في تلك المسائل

لأن هذه الدورة وغيرها من البحوث الاصولية في الحقيقة تعلم الطالب كيفية الصناعة حتى يتمكن الطالب من أن ينفرد بنفسه في طرح هذه المسائل والوصول بها الى نتائج بحسب ما يراه