الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/ تنبيهات التزاحم

انتهى الكلام الى ما اذا فرضنا عدم وجود مرجح بين الدليلين المتعارضين فيحكم بتساقطهما وان التساقط الذي يحكم به هو التساقط المطلق يعني سقوط الدليلين عن الحجية حتى في نفي الثالث، ولا اشكال انه في موارد التعارض العادي بعد فرض التساقط المطلق يجوز الرجوع الى العمومات او الى الاصول العملية

وحينئذ يقع الكلام انه هل يمكن القول بذلك في موارد التزاحم الملاكي الذي يحرز فيه وجود الملاكين؟

ذكرنا ان السيد الشهيد (قده) ذكر ان الرجوع الى الاصول العملية في بعض الاحيان يلزم منه الترخيص في المخالفة العملية القطعية وذكر لذلك مثالين انتهى الكلام الى المثال الثاني، وهو فيما اذا احرزنا وجود الملاكين في المتعارضين بنحو التباين مع كون احدهما اعم مورداً من الآخر بنحو لا يمكن تخصيصه بالآخر ومثل لذلك بما اذا ورد دليل يقول (تصدق على كل فقير) ودليل آخر يقول (يحرم التصدق على الفقير القادر على العمل) مع افتراض أن الفقير غير القادر على العمل نادر جداً وحينئذ لا يمكن تخصيص العام بالأخص لأن معناه اخراج الخاص من العام فيبقى العام مختصاً بالفقير غير القادر على العمل وهو فرد نادر بحسب الفرض فيلزم من ذلك حمل العام على الفرد النادر، فاذا فرضنا ذلك يبقى العام على عمومه وحينئذ يقع التعارض بينهما بنحو التباين فيتعارضان في الفقير القادر على العمل

وفي مثل هذه الحالة اذا فرضنا ان التعارض بينهما تعارض بحت اي لم نحرز وجود الملاكين في مورد التعارض ففي هذه الحالة لا مانع من الرجوع الى اصالة البراءة لنفي وجوب التصدق على هذا الفقير القادر على العمل ونفي حرمة التصدق عليه اذ كل منهما مشكوك لتعارض الدليلين وتساقطهما مطلقاً

واجراء البراءة لنفي هذين التكليفين لا يلزم منه محذور المخالفة العملية القطعية لأن المكلف غير قادر عليها لأن المكلف لا يخلو من احدهما وعلى كلا التقديرين سواء تصدق المكلف عليه او ترك التصدق فلا جزم بالمخالفة العملية، هذا اذ كان التعارض من التعارض البحت

واما في التزاحم الملاكي فلا يجوز ذلك لأن اجراء البراءة لنفي الحكمين معاً يلزم منه اننا نجوز للمكلف ان يترك التصدق على الفقير غير القادر على العمل وهذا فيه محذور وهو انه يلزم من ذلك تفويت ملاك فعلي ثابت في هذا الفقير غير القادر على العمل بمقتضى اطلاق خطاب تصدق على كل فقير، بل هذا يرقى الى مستوى المخالفة العملية للملاك المحرز وجوده في هذا المورد وهو تفويت للملاك بلا موجب

ويلاحظ على المثال الاول بأن ما ذكره فيه بلحاظ الملاك مبني على أن العقل يحكم بعدم جواز تفويت الملاك التام المحرز وهو المحبوبية لأننا نعلم في هذا المثال بأن كلاً منهما محبوب للمولى لأن المفروض أننا نعلم بوجود الملاكين ونعلم بفعلية أحد الملاكين تبعاً لأقوائية ملاكه، فكيف يمكن اجراء الاصول النافية؟ فإن تجويز إجراء البراءة لنفي كل منهما يؤدي الى أننا نجوز للمكلف أن يترك كلاً منهما وبذلك يكون قد فوت الملاك التام الفعلي والعقل يحكم بحسب الفرض بعدم جواز تفويت الملاك التام الفعلي

واما اذا قلنا بأن العقل يحكم بأن الملاك التام اذا كان مورد اهتمام المولى اهتماماً شديداً بحيث لا يرضى بتفويته هذا يحكم العقل بعدم جواز تفويته ففي محل الكلام في المثال الاول لا نعلم بأنه في كل من القيام والجلوس ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته كما لا علم لنا بأن في أحدهما ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته لأننا نحتمل ان لا يكون كل منهما محبوباً للمولى بنحو لا يرضى بتفويته لأنه بعد حصول التعارض بينهما وبعد افتراض وجود ثالث من الممكن ان لا يكون في الجلوس ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته وكذلك القيام فيحتمل ان كلا منهما يرضى المولى بتفويته والانتقال الى الثالث، ففي كل واحد منهما لا علم لنا بان فيه ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته

ومع عدم العلم بأن أحدهما فيه ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته حينئذ لا يلزم من اجراء البراءة لنفي كلا الوجوبين تفويت ملاك تام لا يرضى المولى بتفويته حتى يقال بأن العقل يستقل بعدم جواز ذلك

واما المثال الثاني ففي هذا المثال هو ذكر بأنه بعد افتراض أن الاعم لا يمكن تخصيصه بالاخص لأن تخصيصه يلزم منه حمل العام على الفرد النادر، فالعام يبقى على عمومه وهو يحقق حالة التعارض بين الدليلين والتعارض بينهما حاله حال اي تعارض آخر كما في قوله اكرم زيداً ولا تكرم زيداً، والتعارض بينهما بتمام المدلول فهما يتعارضان حتى بلحاظ مدلولهما الالتزامي اي في مقام الكشف عن الملاك لأنه لا يمكن أن يكون في شخص واحد ملاكان فلا يمكن ان تثبت المحبوبية في اكرام زيد والمبغوضية فيه فيتعارضان حتى بمدلولهما الالتزامي ويتساقطان فيه فلا يبقى ما يدل على وجود الملاك في اكرام زيد

ونفس الكلام يقال في محل الكلام في الفقير القادر على العمل فالدليل الاول يقول يجب اكرامه والثاني يقول لا يجب اكرامه فيتعارضان حتى بلحاظ مدلولهما الالتزامي ويتساقطان فلا يبقى دليل على وجود الملاك في الفقير القادر على العمل فيخرج هذا عن التزاحم الملاكي

وهذا الاشكال يمكن حله بانه ما فرض في المثال ان احراز الملاكين كان بالدلالة الالتزامية للخطابين، ومن الممكن ان نصحح المثال اذا قلنا بان احراز الملاكين كان بالدليل الخارجي فلا يأتي عليه هذا الاعتراض

وتبين انه اذا قلنا بالتساقط المطلق فلا يمكن تجويز الرجوع الى الاصول العملية في التزاحم الملاكي مطلقاً وفي جميع الحالات بل يجب ان نلاحظ ان اجراء الاصول العملية هل يلزم منه مخالفة عملية للتكليف او الملاك فإن لزم منه مخالفة عملية للملاك او التكليف فلا يجوز الرجوع الى الاصول العملية واذا لم يلزم منه ذلك فلا مانع من الرجوع الى الاصول العملية