الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

المرجح الثالث: ترجيح ما لا بدل له على ما له بدل، وتارة نفترض البدل العرضي كما هو في الصلاة في الارض المغصوبة مع وجود مندوحة فالصلاة في الارض المغصوبة لها بدل في عرضها لا في طولها في مقابل الغصب الذي ليس له بدل والمرجح يقول نقدم ما ليس له بدل على ما له بدل

واخرى نفترض البدل طولياً لا عرضي كما في التيمم بالنسبة الى الوضوء بمعنى انه لا ينتقل الى التيمم الا عند تعذر الوضوء، فاذا كان لدينا أمر بالوضوء وأمر بتطهير البدن من النجاسة لأجل الصلاة وله ماء واحد فيتقدم وجوب التطهير على وجوب الوضوء وينتقل المكلف الى بدل الوضوء وهو التيمم

في الحالة الاولى اذا كان البدل عرضياً فبناء على امتناع الاجتماع وتعارض خطاب صلّ مع خطاب لا تغصب يجري الكلام السابق وهو التفصيل بين ما اذا احرزنا ثبوت ملاك الواجب الذي لا بدل له في المجمع بدليل خارجي وبين ما اذا احرزنا ملاك ما لا بدل له بنفس الخطاب، فاذا فرضنا ثبوت ملاك لا تغصب في المثال السابق بدليل خارجي في المجمع ففي هذه الحالة يتعين سقوط اطلاق (صلّ) بالنسبة الى المجمع لا أصل الخطاب لأن التزاحم بين الاطلاقين باعتبار أن ملاك الصلاة يمكن أن يستوفى بفرد آخر ومثل هذا لا يزاحم ما لا بدل له بحسب الملاكات فلا يمكنه ان يزاحم ملاك حرمة الغصب الذي دل الدليل الخارجي على وجوده في مادة الاجتماع وفي هذه الحالة يتقدم لا تغصب على صلّ فيقال للمكلف انه يجب عليك أن تصلي في ارض اخرى وتمتثل (لا تغصب)

ففي الحقيقة لا يقع تزاحم بين ملاك يمكن ان يستوفى بفرد آخر وبين ملاك لا يمكن ان يستوفى الا بذلك الفرد

هذا اذا فرضنا احراز ملاك النهي في المجمع بدليل خارجي

واما اذا فرضنا احراز ملاك الحرمة لا تغصب في المجمع بنفس الدليل ففي هذه الحالة يقع التعارض بين اطلاق خطاب صلّ لمادة الاجتماع الذي يقتضي فعلية حكمه وهو وجوب الصلاة وفعلية ملاكه وبين خطاب لا تغصب الذي يدل على حرمة الغصب المتحد مع الصلاة وعلى وجود ملاكه بالدلالة الالتزامية

ولا يمكن ان يجتمع فعلية الوجوب وملاكه مع فعلية الحرمة وملاك الحرمة في فعل واحد فيقع التعارض بين الدليلين الدالين على ذلك وحينئذ لا يمكن ترجيح ما لا بدل له على ما له بدل

وحينئذ لا بد من الرجوع الى قواعد باب التعارض

واما اذا كان البدل بدلاً طولياً كما اذا فرضنا الأمر بالوضوء الذي له بدل في طوله وهو التيمم مع الأمر بتطهير البدن، فتقدم في ذاك المرجح بأن هذا يرجع في الحقيقة الى الترجيح بقوة احتمال الاهمية او الترجيح بالقدرة العقلية

اي ان ترجيح ما لا بدل له على ما له بدل ليس هو مرجحاً مستقلاً عن سائر المرجحات في هذا المورد وانما هو يرجع الى الترجيح بقوة احتمال الاهمية او الترجيح بالقدرة العقلية

فاذا رجع الى أحد هذين المرجحين فقد تقدم الكلام عنهما وتكلمنا عن مدى انطباق هذين المرجحين في موارد التزاحم الملاكي

وتبين مما تقدم ان مرجحات باب التزاحم الثلاثة التي تكلمنا عنها يمكن تطبيقها على التزاحم الملاكي في الجملة، على ما تقدم لكن ينبغي الالتفات هنا الى ان هذا الترجيح بالمرجحات المتقدمة في التزاحم الملاكي يختلف اختلافاً معنوياً عن الترجيح بها في التزاحم الامتثالي لأن الترجيح في التزاحم الملاكي حيث يتم الترجيح بها قائم على سقوط أحد الدليلين عن الحجية وحينئذ يكون الدليل الآخر بلا معارض فيكون حجة ويؤخذ به

والترجيح بهذا المعنى غير الترجيح في التزاحم الامتثالي إذ لم يفرض فيه سقوط أحد الدليلين عن الحجية وإنما قدمنا أحد الدليلين على الآخر في مقام الفعلية واما الدليلان الدالان على الحكمين فيبقيان على ما هما عليه من الحجية، غاية الأمر ان ما دلا عليه من الحكمين يتزاحمان في مقام الفعلية والمكلف لا قدرة له على امتثالهما معاً

ومن جهة اخرى انه في موارد التزاحم الملاكي لا يختلف الحال بين أن يكون الحكمان منجزين على المكلف وبين ان لا يكونا منجزين لأن التزاحم الملاكي من باب التعارض ومن الواضح انه في باب التعارض لا يشترط ان يكون الحكمان منجزين وواصلين الى المكلف لأن التعارض بين الدليلين في مقام الجعل، فان دليل (صلّ) ودليل (لا تصلّ) متعارضان سواء وصلت الحرمة او الوجوب الى المكلف او لا فحتى اذا لم تصل الحرمة ولا الوجوب الى المكلف نقول ان دليل صلّ يعارض دليل لا تصلّ

فحصول التعارض بين الدليلين وبالاخرة تطبيق قواعد باب التعارض عليه لا يشترط فيه ان يكون الحكمان المدلولان لهذين الدليلين منجزين على المكلف، وحيث ان التزاحم الملاكي يدخل في باب التعارض نقول لا يشترط فيه ان يكون الحكمان منجزين

واما في التزاحم الامتثالي وهو التزاحم في مقام الفعلية والامتثال لا في التأثير في اثبات الحكم فهو مشروط بتنجز الحكمين على المكلف ووصولهما اليه لما قلناه من أن التزاحم الامتثالي ينشأ من ضيق قدرة المكلف على امتثال الحكمين وهذا نتصوره عندما يكون الحكمان منجزين على المكلف

واما اذا فرضنا انهما غير واصلين فلا يقع التزاحم بينهما فاذا كان كل منهما غير واصل فلا يتطلب كل منهما الامتثال من المكلف حتى تضيق قدرته عن امتثالهما واما اذا كان احدهما غير واصل فهو مكلف بامتثال الواصل فقط

ومن هنا يرتفع التزاحم الامتثالي بمجرد أن نفترض أن أحد التكليفين غير منجز او كل منهما غير منجز

الى هنا يتم الكلام عن تطبيق قواعد باب التزاحم الامتثالي على التزاحم الملاكي

وننتقل الى بحث تطبيق قواعد باب التعارض على التزاحم الملاكي وهي عبارة عن المرجحات، والتساقط عند فقد المرجح فإن دليل الحجية لا يشمل أي منهما لأن شموله لهما معاً محال لانهما متكاذبان وشموله لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح وشموله لأحدهما المردد محال

فنتكلم اولاً عن المرجحات ثم نتكلم عن التساقط عند فقد المرجح

اما المرجحات فنتكلم اولاً عن المرجحات الدلالية ثم عن المرجحات السندية