42/04/20
الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم
كان الكلام في تطبيق مرجحات باب التزاحم على التزاحم الملاكي، والكلام في ترجيح معلوم الأهمية ومحتمل الأهمية وقلنا تارة نفترض أن احراز ملاك الأهم يكون بدليل خارجي واخرى يكون بنفس الخطاب المتكفل لحكم الأهم، وفي الفرض الثاني طرحنا مسألة انتجت نتيجة غريبة وهي حكم العقل بلزوم الاتيان بالمهم وترك الاهم
ويلاحظ عليه: إن هذه النتيجة الغريبة لا تترتب في محل الكلام أي في مثل اجتماع الامر والنهي بناء على الامتناع مع احراز وجود الملاكين في المجمع، والسر فيه أن الملاك الذي نحرز وجوده في المجمع هو عبارة عن المصلحة والمفسدة، ولا مشكلة في اجتماع ملاكين لحكمين في موضوع واحد بهذا المعنى
واما اذا كان المراد بالملاك هو الحب والبغض فهما لا يمكن ان يجتمعا في شيء واحد، فلا يمكن أن يكون الشيء الواحد محبوباً ومبغوضاً حتى اذا تعددت الجهات لأنه حتى اذا تعددت الجهات الموجبة للحب والبغض فلا بد من الموازنة بينها وأن نخرج بنتيجة فإما ان تغلب المصلحة او المفسدة فالشيء الواحد لا يمكن ان يكون محبوباً ومبغوضاً في نفس الوقت
ونحن فرضنا اجتماع الملاكين في نفس الوقت، فلا بد أن يكون المراد من الملاك هو المصلحة والمفسدة
وحينئذ يقال إن ما يحكم العقل بقبح تفويته بلا تدارك هو الملاك بمعنى الحب والبغض لا بمعنى المصلحة والمفسدة فاذا كان الملاك بمعنى المصلحة فهذا الحكم العقلي لا وجود له
وبناء عليه لا يكون ملاك المهم منجزاً على العبد بحكم العقل فلا يحكم العقل بلزوم الاتيان به وترك الأهم
واما الترجيح بقوة احتمال الاهمية والمراد به اننا نحتمل الاهمية في كل منهما ولكن احتمال الاهمية لو كان موجوداً في أحد الطرفين فهو أقوى منه في الآخر، فهذا لا ينفع في محل الكلام حتى اذا احرزنا وجود الملاك الذي يكون احتمال الأهمية فيه اقوى بالدليل الخارجي لأن كون احتمال الاهمية في احدهما اقوى من الاخر لا يولد العلم بكذب الطرف الاخر لان احتمال الاهمية موجود فيه ايضاً
وقد قلنا سابقاً انه في الترجيح بمعلوم الأهمية يحصل علم بكذب الخطاب الآخر بينما في المقام لا يتولد علم لأن احتمال الأهمية كما هو موجود في هذا هو موجود في الآخر
المرجح الثاني: الترجيح بالقدرة العقلية، بمعنى اذا كان احد المتزاحمين مشروطاً بالقدرة الشرعية والآخر مشروط بالقدرة العقلية يتقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية
وتارة نفسر القدرة الشرعية بمعنى عدم الأمر بالخلاف وأخرى نفسرها بعدم الاشتغال بواجب آخر -على ما تقدم-
فاذا كانت بمعنى عدم الأمر بالخلاف فاذا فرضنا أن أحد المتزاحمين مشروط بالقدرة العقلية والآخر مشروطاً بالقدرة الشرعية كما اذا فرضنا -في مسألة اجتماع الأمر والنهي- أن وجوب الصلاة مشروط بالقدرة العقلية وحرمة الغصب مشروط بالقدرة الشرعية او بالعكس
فالصحيح انه تارة نفترض أن التزاحم الملاكي يقع بين اطلاقي الخطابين واخرى بين أصل الخطابين
اما الاول فيكون في الموارد التي يكون لكل منهما مورد يخصه ولهما مادة اجتماع كما في (صلّ) و(لا تغصب) فالتزاحم يكون بين اطلاقي الخطابين فإن إطلاق خطاب صلّ الذي يقتضي ثبوت حكمه وملاكه في مادة الاجتماع يكون مزاحماً لإطلاق خطاب لا تغصب وشموله لمادة الاجتماع فيقع التزاحم بين الملاكين في مقام التأثير في الحكم
اما أصل الخطابين فلا تزاحم بينهما لإمكان أن يثبتا معاً في غير مادة الاجتماع،
وحينئذ ففي هذه الحالة اذا فرضنا أن أحدهما كان مشروطاً بعدم الأمر بالخلاف والآخر ليس مشروطاً بذلك فالصحيح انه لا مانع من تطبيق هذا المرجح في محل الكلام فيمكن تقديم اطلاق الخطاب المشروط بالقدرة العقلية على اطلاق الخطاب المشروط بالقدرة الشرعية لأن الأمر بالمشروط بالقدر العقلية يرفع موضوع المشروط بالقدرة الشرعية فيكون وارداً عليه، لأن المشروط بالقدرة العقلية ليس مشروطاً بشيء سوى القدرة التكوينية غير المعتبرة في الملاك وهي حاصلة بحسب الفرض ولذا يكون هذا الواجب فعلياً، بخلاف المشروط بالقدرة الشرعية لأنه مشروط بعدم الأمر بالخلاف وإطلاق الخطاب لمادة الاجتماع يعتبر أمر بالخلاف
واما اذا فرضنا ان التزاحم الملاكي كان في أصل الخطاب كما في حالات التعارض بنحو التباين كما في (صلّ) و(لا تصلّ) او حالة التضاد الدائمي من قبيل الضدان اللذان لا ثالث لهما ففي هذه الحالة يكون التزاحم بين أصل الخطابين فاذا كان أحدهما مشروطاً بعدم الأمر بالمنافي والآخر ليس مشروطاً بذلك، ففي هذا الفرض يقال بأن الصحيح انه يقع التعارض بين الدليلين ولا يمكن اعمال هذا المرجح في هذه الحالة اي لا يمكن ترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية منهما لأن هذا الترجيح يلزم منه الغاء الخطاب الآخر رأساً فيحصل التعارض بين الدليلين فيكون كل منهما مكذب للآخر
وهذا معناه ان الخطاب المشروط بالقدرة العقلية مكذب للاخر وبالعكس
واذا كان الخطاب المشروط بالقدرة الشرعية مكذب لأصل الخطاب الآخر فهو بالتبع يكون مكذباً لكل ما يثبت وجود الملاك فيه لأنه لا يمكن أن يجتمع الأمر بالمشروط بالقدرة الشرعية مع ملاك المشروط بالقدرة العقلية لأن ملاك المشروط بالقدرة العقلية عندما يثبت لا بد ان يكون مؤثراً في جعل الحكم على طبقه فاذا جعل الحكم على طبقه ارتفع موضوع المشروط بالقدرة الشرعية لأنه مشروط بعدم الأمر بالمنافي وهذا أمر بالمنافي
وبعبارة اوضح نقول: انما لا يجتمع الامر بالمشروط بالقدرة الشرعية مع الامر المشروط بالقدرة العقلية لأن الامر بالمشروط بالقدرة العقلية يكون رافعاً لموضوع الأمر بالمشروط بالقدرة الشرعية فلا يجتمعان
ونفس الكلام يأتي في الأمر بالمشروط بالقدرة الشرعية وملاك المشروط بالقدرة العقلية لأن ملاك المشروط بالقدرة العقلية لا بد أن يؤثر في الحكم ففرض وجود ملاك المشروط بالقدرة العقلية فرض لوجود حكمه
والنتيجة ان الامر بالمشروط بالقدرة العقلية كما يكون مكذباً للأمر بالمشروط بالقدرة الشرعية يكون مكذباً ومعارضاً لملاكه فلا يمكن حينئذ الترجيح