الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

كان الكلام في ما اذا فرضنا أننا احرزنا وجود الملاكين في المجمع فهل يمكن تصحيح الصلاة في الارض المغصوبة بحيث اذا جاء بها المكلف يسقط الوجوب باعتبار انها تكون وافية بالملاك

وذكرنا انه قد يقال بأن هذا لا يمكن حتى اذا احرزنا وجود الملاكين في المجمع لوجود معارض يدل على عدم الملاك في هذه الصلاة، والمعارض هو اطلاق الهيئة فإنه بناء على امتناع الاجتماع وعلى تقديم جانب النهي فهذا يقتضى تعلق الوجوب بخصوص الحصة غير المحرمة اي يختص الوجوب بالصلاة في الارض المباحة وبعد أن صلى في الارض المغصوبة نشك في سقوط الوجوب، واطلاق الهيئة يقول بأن الوجوب باقي حتى بعد الاتيان بالصلاة في الارض المغصوبة لأن الصلاة في الارض المغصوبة ليست متعلقة للوجوب

وبقاء الوجوب بالرغم من انه صلى في الارض المغصوبة هذا معناه ان الصلاة في الارض المغصوبة ليس فيها ملاك فيكون معارضاً للوجهين المتقدمين الدالين على ان الصلاة في الارض المغصوبة فيها ملاك

ويفهم من بعض كلمات المحقق العراقي (قده) في مسألة اجتماع الامر والنهي الجواب عن اشكال التعارض

بأن الظاهر من خطاب الأمر بالصلاة هو أن هذا الوجوب يسقط اذا جاء المكلف بمتعلقه لأنه يستحيل بقاء الوجوب مع الاتيان بمتعلقه فاذا كان متعلق الوجوب مطلقاً فلا بد أن نلتزم بسقوط الوجوب اذا جاء المكلف بالطبيعة، واذا كان متعلق الوجوب مقيداً بحصة خاصة من الطبيعة فيسقط الوجوب اذا جاء المكلف بتلك الحصة

وفي محل الكلام لدينا خطاب (صلّ) ولدينا دليل دل على اختصاص متعلق الوجوب بالحصة المباحة وهو القول بالامتناع مع تقديم جانب النهي

وهذا الدليل العقلي لما كان منفصلاً وليس من البديهيات فهو لا يؤثر على ظهور صلّ كما هو الحال في كل مقيد منفصل وانما يزاحمه في الحجية فاصل ظهور صل في سقوط الوجوب اذا جاء المكلف بهذا الوجوب لا يتأثر بالمخصص المنفصل فيبقى خطاب صل على ظهوره في ان الوجوب يسقط بحصول ما هو متعلقه وظاهره ان الوجوب تعلق بالطبيعة مطلقاً وبعد سقوطه لا يبقى اطلاق هيئة يقتضي بقاء الوجوب بعد الاتيان بالحصة المحرمة من الصلاة فيسقط اطلاق الهيئة الذي يراد التمسك به لاثبات بقاء الوجوب بعد الاتيان بالحصة المحرمة من الصلاة حتى يكون معارضاً لما دل على وجود الملاك في الحصة المحرمة

واجاب عنه السيد الشهيد (قده) بوجوه:

الوجه الاول: انه يرد عليه النقض بموارد تقييد اطلاق المتعلق بالمقيدات المنفصلة كما لو ورد (اكرم عالماً) وورد (لا تكرم العالم الفاسق)، وبناء على ما ذكره المحقق العراقي لو فرضنا ان المكلف اكرم عالماً فاسقاً فلا بد من الالتزام بسقوط الوجوب باكرام العالم الفاسق لأن هذا هو مقتضى ظهور خطاب (اكرم عالماً) في سقوط الوجوب بالاتيان بمتعلقه ولو في هذه الحصة لأن هذا الخطاب لا ينهدم ظهوره بهذا المخصص لأن هذا المخصص منفصل وهو لا يهدم أصل الظهور

وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولم يلتزم به أحد فلا شك في أن وجوب الاكرام لا يسقط الا باكرام العالم العادل

ويظهر من كلمات المحقق العراقي (قده) ضمناً في مسألة اجتماع الامر والنهي الجواب عن هذا النقض بإبداء الفرق بين محل الكلام وبين مورد النقض في أن المقيد في مورد النقض مقيد لفظي منفصل بينما المقيد في محل الكلام عقلي منفصل، وكأنه يريد أن يقول بأن المقيد إن كان لفظياً يكون له ظهور في أن اكرام العالم الفاسق لا يفي بملاك الامر باكرام العالم وانما الذي يفي بالملاك هو إكرام العالم غير الفاسق، لانه حين نهى عن اكرام العالم الفاسق فلا بد انه ليس فيه ملاك وجوب اكرام العالم فاذا كان في الدليل اللفظي المنفصل هكذا ظهور فلازمه ان المكلف اذا اكرم العالم الفاسق يبقى وجوب اكرام العالم على حاله لأن ما جاء به المكلف ليس فيه ملاك الوجوب

وهذا بخلاف محل الكلام فإن المقيد في محل الكلام عقلي وهو القول بالامتناع في مسألة الاجتماع وتقديم جانب النهي وهو يقيد الواجب بالصلاة في الارض المباحة الا انه ليس له ظهور في أن الصلاة في الارض المغصوبة ليس فيها ملاك وجوب الصلاة

فإذا لم يكن فيه هذا الظهور وإنما هو يقتضي تقييد الصلاة في الارض المباحة فيبقى ظهور صلّ على حاله وهو ظاهر في أن المتعلق للوجوب هو الطبيعة وان الاتيان بالمتعلق يوجب سقوط الوجوب، فيسقط الوجوب لو جاء بالصلاة في الارض المغصوبة

وهذا معناه انه يمكن تصحيح الصلاة في الارض المغصوبة بإعتبار انها تكون واجدة للملاك

وما ذكره المحقق العراقي (قده) يعتمد على تسليم ظهور خطاب صل في أن الاتيان بمتعلقه يوجب سقوط الظهور وهذا ليس ببعيد، فإن كل خطاب متضمن للوجوب له ظهور في أن الخطاب يسقط لو جاء المكلف بمتعلقه

والمهم في دعواه هو مسألة انكار تأثير المقيد في هذا الظهور بدعوى انه مقيد منفصل وهو لا يهدم أصل الظهور واذا بقى الظهور على حاله فلا مشكلة في القول بانه اذا جاء المكلف بالحصة المحرمة فهذا يوجب سقوط الوجوب وهذا يكشف عن وجود الملاك فيه وان سقط عنه الوجوب، ولا مشكلة في ان يكون الملاك موجوداً في الحصة المباحة والمحرمة فكل منهما فيه ملاك فاذا جاء به المكلف يكون وافياً بالملاك فتصح العبادة