الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

بعد ان عرفنا المراد من التزاحم الملاكي والفرق بينه وبين التزاحم الامتثالي نتكلم عن امرين:

الاول: عن كيفية احراز وجود الملاكين في المجمع، والوجه في الحديث عنه باعتبار أن المأخوذ في التزاحم الملاكي افتراض وجود ملاكين في المجمع حتى يقع التزاحم بينهما في التأثير

الثاني: في أنه هل تجري في التزاحم الملاكي أحكام ومرجحات باب التزاحم الامتثالي المتقدمة او تجري فيه احكام باب التعارض المتقدمة؟

أما الامر الاول فعرفنا انه حين نفترض التزاحم الملاكي فلا بد من احراز الملاكين في المجمع حتى يقع التزاحم بينهما في مقام التأثير

والسؤال حول كيفية احراز وجود الملاكين في المجمع مع أن المفروض سقوط كلا الدليلين على الحكمين للتعارض بينهما، لما تقدم من ان التزاحم الملاكي يحقق التعارض بين دليلي الحكمين بناء على استحالة الاجتماع، واذا تعارضا تساقطا فكيف يمكن احراز وجود الملاكين في المجمع مع سقوط كلا الدليلين، لان الطريق لاحراز الملاك في مورد هو الدليل الدال على الحكم في ذلك المورد لاننا نعتقد ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فاذا سقط كلا الدليلين بالتعارض فالسؤال ياتي حول كيفية امكان احراز الملاكين في المجمع

فلا طريق لنا لإحراز الملاك في مورد الا بالدليل الدال على الحكم في ذلك المورد لأننا نستكشف من ثبوت الحكم في مورد بان هناك ملاك فيه لأن الاحكام تابعة للملاكات في متعلقاتها ولا دليل على ثبوت الملاك في المجمع،

نعم بناء على القول بجواز اجتماع الامر والنهي حينئذ يمكن احراز وجود الملاك في المجمع تمسكاً بدليلي الحكمين إذ لا يوجد بينهما تعارض وتكاذب لأنه يجوز اجتماع الامر والنهي في واحد بحسب الفرض وحينئذ يمكن التمسك بهذين الدليلين لإثبات مدلولهما المطابقي ثم اثبات مدلولهما الالتزامي

ولكن صحيح انه أمكننا احراز وجود الملاكين في المجمع بناء على الجواز، ولكن لا يوجد تزاحم حينئذ بين الملاكات بمعنى أن كل ملاك يؤثر في اثبات حكمه، فإن التزاحم بين الملاكين في التأثير إنما يتصور عندما يقال بعدم جواز الاجتماع

والخلاصة أن التزاحم الملاكي لا يتحقق سواء قلنا بامتناع الاجتماع او قلنا بجواز الاجتماع اما على القول بامتناع الاجتماع فلأننا لا نحرز وجود الملاكين في المجمع بعد سقوط الدليلين على الحكمين بالتعارض فينتفي شرط التزاحم الملاكي فيكون التزاحم الملاكي اشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع

واما على القول بالجواز فباعتبار أنه لا يوجد تزاحم بين الملاكين في مقام التأثير فيجتمع في المجمع وجوب وتحريم والمفروض اننا نقول بجواز الاجتماع

فلا تتحقق حالة التزاحم بين الملاكين سواء قلنا بالجواز او الامتناع

والطريق الوحيد للتخلص من هذا الاشكال هو اثبات وجود الملاكين في موراد التزاحم الملاكي بالرغم من سقوط الدليلين بالتعارض

وهناك عدة وجوه ذكرت لإثبات ذلك:

الوجه الاول: ما ذكره جماعة من المحققين كالمحقق الاصفهاني والمحقق العراقي والمحقق النائيني (قدهم) على ما يقوله السيد الخوئي (قده) وحاصله أن يقال بأن الدلالة الالتزامية وإن كانت تابعة للدلالة المطابقية في الوجود ثبوتاً واثباتاً لكنها ليست تابعة لها في الحجية فإن سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية لا يستلزم سقوط الالتزامية عنها

والوجه فيه دعوى أن الدليل له ظهوران ظهور في مدلوله المطابقي وظهور في مدلوله الالتزامي وكل ظهور هو موضوع لدليل الحجية فلا موجب لرفع اليد عن ظهور الدليل في مدلوله الالتزامي بعد فرض سقوطه عن الحجية في مدلوله المطابقي فيكون ظهوره في مدلوله الالتزامي مشمولاً لأدلة الحجية

وفي محل الكلام لدينا خطاب صلّ وهو يدل بالمطابقة على وجوب الصلاة وبالالتزام على وجود الملاك في المجمع، ولدينا خطاب (لا تغصب) وهو يدل على حرمة الغصب بالمطابقة وعلى وجود مفسدة في الحركة الغصبية بالالتزام، وبناء على امتناع اجتماع الامر والنهي فالدليل الدال على الوجوب بالدلالة المطابقية يسقط عن الحجية وكذا الدليل الدال على الحرمة فتسقط دلالة كل واحد من الدليلين عن الحجية في مدلوله المطابقي للتعارض بينهما بينما تبقى دلالتهما الالتزامية لعدم التبعية فيبقى الدليلين دالين على وجود الملاك في المجمع بالرغم من تعارض الدليلين وتساقطهما في مدلولهما المطابقي

ولاحظوا عليه

اولاً: انه مبني على عدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية فمن يقول بالتبعية -كما هو الصحيح- لا يتم عنده هذا الوجه

وثانياً: النقض بموارد التعارض الاخرى حيث انه لا اشكال عندهم في انها لا تدخل في التزاحم الملاكي مع انه يأتي فيها نفس هذا الكلام كما في (صلّ) و(لا تصلّ) فان صلّ يدل على وجود ملاك الوجوب في الصلاة ولا تصلّ يدل على وجود ملاك التحريم فيها فإذا تعارضا وتساقطا نتمسك بالدليلين لإحراز وجود الملاكين في الصلاة فيقع التزاحم بين الملاكين، مع انه لا احد يقول بذلك وانما يقولون بأن الدليل يسقط بلحاظ مدلوله المطابقي والالتزامي

وثالثاً: إنه مبني على دعوى أن دلالة الدليل على وجود الملاك في متعلقه دلالة لفظية عرفية تشكل ظهوراً في هذا الدليل وحينئذ يقال بأن ظهور الدليل في المدلول الالتزامي ليس تابعاً لظهور الدليل في المدلول المطابقي في الحجية

ولكن دعوى أن هذه دلالة لفظية عرفية ليست واضحة، فالظاهر أن دلالة اللفظ على الملاك دلالة عقلية او لا أقل من اننا نحتمل ذلك، وما استدل به على وجود الملاك دليل عقلي وهو بأن الشارع لا يحكم بشيء من دون أن تكون مصلحة في المتعلق، واذا كانت دلالة عقلية لا يأتي فيها انها ليست تابعة للدلالة المطابقية في الحجية وانها تشكل ظهوراً مستقلاً إذ من الواضح انها دلالة عقلية تابعة للمطابقية لأن العقل يحكم بها عندما يكون دليل على الحكم ويكون حجة فيأتي العقل ويحكم بوجود الملاك، فاذا فرضنا أن الدليل الدال على ثبوت الحكم سقط عن الاعتبار فلا معنى لأن يأتي العقل ويحكم بوجود ملاك في المتعلق

فعدم التبعية انما يكون لو كانت الدلالة الالتزامية دلالة عرفية وتشكل ظهوراً في الدليل اذ لا داعي لرفع اليد عن شمول أدلة حجية الظهور لهذا الظهور، ولكن الصحيح انها دلالة عقلية تابعة للدلالة المطابقية في الحجية