الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

كان الكلام في التقريبات التي تذكر لتقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر اذا فرض وقوع التزاحم بينهما

وكان آخر تقريب مبني على دعوى أن القدرة في وجوب الحج عقلية بينما القدرة المعتبرة في وجوب الوفاء بالنذر شرعية ويتقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية اما ان وجوب الحج مشروط بالقدرة العقلية فتقدم الحديث عنه واما ان القدرة في وجوب الوفاء بالنذر شرعية فيستدل عليه بما ورد من (ان شرط الله قبل شرطكم) ويستفاد منه ان ما يفرضه الانسان على نفسه لا بد أن لا يزاحم ما فرضه الله سبحانه عليه، ووجوب الوفاء بالنذر ينشأ من تكليف فرضه الانسان على نفسه فيكون مشروطاً بعدم تكليف فرضه الشارع عليه ويكون مزاحماً له، وهذا هو معنى القدرة الشرعية

التقريب الرابع: ان يقال نتنزل ونسلم بأن القدرة المعتبرة فيهما معاً عقلية، ولكن يدعى بأنه بالرغم من ذلك يقدم وجوب الحج على اساس الاهمية جزماً او احتمالاً وقد تقدم أن التقديم بالاهمية من مرجحات باب التزاحم ولا اشكال في ان الحج أهم من الوفاء بالنذر جزماً او احتمالاً على الأقل اذ لا نحتمل أن وجوب الوفاء بالنذر أهم من الحج

وهذه أهم التقريبات لتقديم الحج، وهي تقريبات متسلسلة وتامة في الجملة نعم، التقريب الاخير يجري في صورة كون المزاحم لوجوب الوفاء بالنذر هو أصل وجوب الحج، واما اذا افترضنا أن المزاحم هو فورية وجوب الحج لا اصل وجوبه كما اذا فرضنا أن المكلف غير قادر على الجمع بينهما في خصوص تلك السنة كما اذا نذر أن يبيت عند الحسين (عليه السلام) ليلة عرفة في تلك السنة فهنا لا يكون وجوب الوفاء بالنذر مزاحماً لأصل وجوب الحج وإنما يكون مزاحماً لفوريته لأن المكلف يتمكن من الإتيان بالحج في العام القادم وحينئذ قد يستشكل في التقريب الأخير إذ ليس من الواضح أن فورية وجوب الحج أهم من وجوب الوفاء بالنذر هذا تمام الكلام في هذا الفرع الفقهي الذي وقع الكلام فيه

التنبيه السادس: التزاحم الملاكي

وقد ذكره صاحب الكفاية وجعله في قبال التزاحم الامتثالي الذي هو محل الحديث السابق كله والمراد بالتزاحم الملاكي هو تزاحم الملاكات في مقام التأثير فكل ملاك يؤثر في حكم لأن الاحكام تابعة للملاكات فاذا كان هناك ملاكان أحدهما يقتضي الوجوب والآخر يقتضي التحريم واجتمعا في فعل واحد، كما لو كان فعلاً واحداً فيه مصلحة من جهة وفيه مفسدة من جهة اخرى فهذان الملاكان يتزاحمان في مقام التأثير وقد يكون التزاحم موجوداً في فعل واحد فيه مصلحتان احداهما تقتضي الوجوب والاخرى تقتضي الاباحة فإن الاباحة تارة تكون اقتضائية اي انها تنشأ من مصلحة التسهيل على العباد، فيتزاحم الملاكان في مقان التاثير وكل منهما يقتضي حكماً منافياً للحكم الذي يقتضيه الملاك الآخر فيقع التزاحم بينهما وهذا يكون في الموارد التي نحرز بها وجود ملاكين لحكمين متنافيين في فعل واحد، وعندما يفترض وحدة المتعلق يكون من المستحيل أن يكون كل من الحكمين فعلياً لأن هذا يؤدي الى اجتماع الضدين فلا يمكن للحكمين أن يكونا فعليين حتى على نحو الترتب والمثال الواضح له هو مسألة اجتماع الأمر والنهي بناء على استحالة الاجتماع لأن الفعل والمعنون واحد ولا نكتفي بتعدد العنوان في دفع محذور الاستحالة كما في الصلاة في الارض المغصوبة، فالحركة واحدة فيها ملاك الصلاة وهو يقتضي الوجوب وفيها ملاك الغصب وهو يقتضي التحريم ومن الواضح انه لا يمكن فعلية كل من الحكمين فالتزاحم الملاكي يكون في ما لو وجد ملاكان في فعل واحد ومنشأ التزاحم هو استحالة تاثير هذين الملاكين ومن هنا يظهر الفرق بين التزاحم الملاكي والتزاحم الامتثالي فإن ذاك تزاحم في مقام الامتثال فلكل فعل حكم وتضيق قدرة المكلف عن امتثال كلا الحكمين فيقع التزاحم بين الحكمين في مقام الامتثال من دون أن يكون هناك تناف بينهما في عالم الجعل لعدم استحالة جعل وجوب الصلاة وجعل وجوب الازالة وإنما التنافي في عالم الامتثال،بينما التنافي في التزاحم الملاكي يكون بين الحكمين اللذين يقتضيهما الملاكان في عالم الجعل فإنه يستحيل جعل الحكمين على هذا الفعل الواحد للتنافي بينهما ويترتب على هذا الفارق حصول التعارض بين دليلي الحكمين في موارد التزاحم الملاكي دون الامتثالي لأنه في التزاحم الملاكي يوجد تنافي بين جعليهما فيكون تكاذب في عالم الجعل وهذا يحقق التعارض بين الدليلين، بينما لا يوجد تعارض بين الدليلين في موارد التزاحم الامتثالي لأننا افترضنا انه لا تنافي في عالم الجعل لعدم استحالة جعلهما معاً فلا تنافي بين دليليهما لان مدلول الدليل هو الجعل فاذا لا يوجد تنافي بين الجعلين فلا تكاذب بين الدليلين فيصح كلا الدليلين ومعناه انه لا تعارض بينهما

ومن جملة الفوارق بينهما هو ان تشخيص اي الملاكين يكون هو الاقوى حتى يجعل الحكم على طبقه يكون بيد المولى في التزاحم الملاكي وليس للعبد الا الاطاعة حتى اذا كان نظره يختلف عن نظر المولى

والسر في هذا ان التزاحم هنا في عالم الجعل والجعل من شؤون المولى ولا علاقة للعبد به

بينما التزاحم الامتثالي ليس كذلك لأن المولى لا يواجه هذا التزاحم في عالم الجعل ففي عالم الجعل لا يوجد اي تنافي وانما يحصل التزاحم في عالم الامتثال بعد جعل كلا الحكمين ومن الواضح أن عالم الامتثال من شؤون العبد لا من شؤون المولى