42/04/07
الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم
كان الكلام في تخريج تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر عندما يفترض وقوع التزاحم بينهما
ونقلنا كلام المحقق النائيني (قده) وقلنا بأن كلامه يمكن أن يبين بنحوين كل واحد منهما يصلح ان يكون تقريباً لتقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر
التقريب الاول: وهو مبني على افتراض أن كلاً منهما مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الاشتغال بواجب آخر وبالرغم من هذا يقال لا بد من تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر بدعوى ان القدرة الشرعية المعتبرة في وجوب الوفاء بالنذر معناها عدم الأمر بالخلاف
فوجوب الحج مشروط بعدم الاشتغال بالآخر بينما وجوب الوفاء بالنذر مشروط بعدم الأمر بالخلاف والامر بالحج بعد الاستطاعة أمر بالخلاف فلا يتحقق شرط وجوب الوفاء بالنذر فلا ينعقد النذر وحينئذ يجب الحج
اما أن القدرة في وجوب الوفاء بالنذر بمعنى عدم الأمر بواجب آخر فلأنه يفهم من ادلة النذر انه يشترط فيه أن لا يكون مخالفاً لشرط الله تعالى ويستظهر منه أن الشرط في انعقاد النذر ان لا يكون على خلاف النذر الزام شرعي، اي انه مشروط بعدم الأمر بالخلاف من قبل الشارع، وهنا يوجد أمر بالخلاف
بينما وجوب الحج ليس مشروطاً بعدم الامر بالخلاف وانما غاية ما يمكن ان يقال فيه انه مشروط بعدم الاشتغال بواجب آخر، وهذا الشرط متحقق لأن الوفاء بالنذر ارتفع وجوبه، فحتى لو فرضنا ان المكلف بات ليلة عرفه عند الامام الحسين (عليه السلام) الا ان هذا العمل ليس واجباً لأن الوفاء بالنذر ارتفع وجوبه فهو لم يشتغل بواجب وهذا معناه ان شرط فعلية وجوب الحج متحققة
التقريب الثاني: وهو مبني على التنزل وافتراض أن كلاً من التكليفين المتزاحمين مشروطاً بعدم الامر بالخلاف وفي هذا التقريب يقال بالرغم من هذا لا بد من تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر
باعتبار انه يدعى انه يستفاد من ادلة وجوب الوفاء بالنذر أن الشرط هو عدم الامر بالخلاف في حد نفسه وبقطع النظر عن وجوب الوفاء بالنذر وهذا يستفاد مما ورد في ادلة وجوب الوفاء بالنذر (ان شرط الله قبل شرطكم) ويفهم منه أن التكاليف الشرعية لا بد ان تكون ملحوظة في مرتبة سابقة على التكاليف التي تفرضونها على انفسكم بنذر او بعهد او بشرط في ضمن عقد
فصحيح ان الله سبحانه امضاها الا انه لم يفرضها ابتداء، فالمفروض من قبل الله تعالى ينبغي ان يكون ملحوظاً قبل شروطكم فاذا كان الزام من قبل الله سبحانه فهذا ينبغي ان يلحظ قبل شروطكم ولا تصل النوبة الى شروطكم فشروطكم لا تكون ملزمة ولا تكون ممضاة
وهذا معناه انه يشترط في وجوب الوفاء بالنذر عدم الامر بالخلاف في حد نفسه فاذا كان هناك امر بالخلاف اي الزام من قبل الله فلا قيمة لشرطكم وما تلزمون به انفسكم من خلال النذر او العهد لأن في مقابله الزام شرعي
وفي محل الكلام يوجد تكليف شرعي بالحج وهو مفروض من قبل الله سبحانه، فهو شرط الله والرواية تقول (شرط الله قبل شرطكم) فلا قيمة لما فرضته على نفسك في قبال ما فرضه الله تعالى فالتقديم لوجوب الحج في محل الكلام لأنه الزام وتكليف من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا معناه أن شرط وجوب الوفاء بالنذر غير متحقق لأن شرطه عدم الأمر بالخلاف في حد نفسه والامر بالحج أمر بالخلاف في حد نفسه فيكون رافعاً لموضوع الوجوب بالوفاء فيرتفع وجوب الوفاء بارتفاع موضوعه بمجرد الأمر بالحج
وفي جانب وجوب الحج فإن وجوب الحج وإن كان مشروطاً بعدم الامر بالخلاف لكنه لا يستفاد من دليله ازيد من اشتراط عدم الامر بالخلاف فعلاً لا عدم الامر بالخلاف في حد نفسه، فشرط وجوب الحج متحقق لأنه فعلاً لا أمر بوجوب الوفاء بالنذر لعدم تحقق وقته فإن وقته يتحقق في ليلة عرفة
فيوجد امر بالوفاء بالنذر، ووجوب الحج مشروط بعدمه الا انه مشروط بعدم الامر الفعلي بوجوب الوفاء بالنذر وقبل مجيء ليلة عرفة لا امر فعلي بالوفاء بالنذر فموضوع وجوب الحج متحقق لتحقق شرطه فيتقدم على وجوب الوفاء بالنذر
التقريب الثالث لتقديم وجوب الحج وهو مبني على افتراض أن القدرة المعتبرة في وجوب الحج عقلية والقدرة المعتبرة في وجوب الوفاء بالنذر شرعية فيتقدم وجوب الحج بناء على المرجح المتقدم في مرجحات باب التزاحم من تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية
اما اصل المرجح فتم بحثه سابقاً، والكلام يقع في تخريج اشتراط وجوب الحج بالقدرة العقلية ووجوب الوفاء بالنذر بالقدرة الشرعية، والمقصود بالقدرة العقلية هو القدرة التكوينية على الفعل وهي شرط في التكليف فانتفائها يعني انتفاء التكليف ولا يعني انتفاء الملاك، فالعاجز يرتفع عنه التكليف ولكن لا دليل على انه بعجزه يرتفع الملاك الموجود في الفعل
بينما القدرة الشرعية تعني ان القدرة مأخوذة في التكليف وفي الملاك، فكما أن التكليف يرتفع بارتفاع القدرة كذلك الملاك يرتفع بارتفاعها
وهذه القدرة لها معاني احدها عدم الاشتغال بواجب آخر ومعناها الاخر عدم الامر بالخلاف، وعدم الامر بالخلاف تارة يكون في نفسه واخرى عدم الامر بالخلاف اللولائي
اما ان القدرة في وجوب الحج عقلية فهذا يثبت باعتبار انه لا منشأ لاحتمال كون القدرة في وجوب الحج شرعية الا مسألة تقييد وجوب الحج في الآية الشريفة بالاستطاعة بافتراض أن المقصود بالاستطاعة فيها الاستطاعة من جهة الشارع بمعنى ان لا يكون مشغولاً بواجب آخر، وهذه قدرة شرعية لا تثبت بحكم العقل
فاذا فرضنا ان الاستطاعة الموجودة في دليل وجوب الحج تفسر بعدم الاشتغال بواجب آخر تكون القدرة شرعية
وهذا ننفيه ببيان ان الاستطاعة وان كانت موجودة في الآية الا انها ظاهرة في القدرة التكوينية في قبال العجز التكويني مضافاً الى ان الروايات تفسر الاستطاعة في الاية بالزاد والراحلة، وعلى كل حال لا ربط لهذه الاستطاعة بعدم الامر بواجب آخر
غاية ما في الباب هو دعوى ان القدرة وإن اريد بها القدرة التكوينية الا انها دخيلة في الملاك وتفترق عن القدرة التكوينية التي يحكم بها العقل فإنها تكون دخيلة في التكليف فقط، وحينئذ تكون قدرة شرعية لأن الميزان في القدرة الشرعية ان تكون دخيلة في الملاك
وهنا يقال بأن تصدي الشارع لتقييد الحكم بالاستطاعة قرينة على انه ليس المراد بها القدرة التكوينية التي يحكم بها العقل والا لكان أخذها من قبل الشارع في دليل وجوب الحج اما تاكيداً او ارشاداً لما حكم به العقل وكل منهما خلاف الظاهر فإن الاصل في كلام المولى أن يحمل على التأسيس وعلى المولوية
فاذا كان المراد بالاستطاعة في الآية الاستطاعة التكوينية التي يحكم بها العقل يكون تصدي الشارع لذكرها في الآية تاكيداً او ارشاداً لما حكم به العقل وكل منهما خلاف الظاهر فلابد من حملها على التأسيس والمولوية بحملها على انها دخيلة في الملاك فيثبت أن القدرة في وجوب الحج شرعية لا عقلية
وجوابه في محل الكلام هو أن هذا لا يمنع من الوصول الى النتيجة المقصودة في المقام وهي تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر لانه اذا سلمنا هذا الكلام يكون وجوب الحج مشروطاً بالقدرة الشرعية بمعنى القدرة التكوينية
وهذا لا يمنع من فعلية وجوب الحج لأن القدرة التكوينية بالفرض موجودة، فشرط فعلية الخطاب والملاك متحقق بالنسبة الى الحج، فيكون وجوب الحج فعلياً والملاك فعلي فيتقدم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر
واما ان القدرة المعتبرة في وجوب الوفاء بالنذر شرعية فله بيان خاص يأتي ان شاء الله تعالى