42/04/06
الموضوع: التزاحم/ تنبيهات التزاحم
التنبيه الخامس: في تطبيق فقهي لباب التزاحم وقع الكلام فيه وهو ما اذا وقع تزاحم بين وجوب الحج وبين وجوب الوفاء بالنذر فيما اذا نذر المكلف في شهر رمضان ان يبيت عند الامام الحسين (عليه السلام) ليلة عرفة ثم استطاع للحج فيقع التزاحم بين وجوب الوفاء بالنذر وبين وجوب الحج ولا يمكن للمكلف ان يمتثل كل منهما
قد يؤدي تطبيق قواعد باب التزاحم الى تقديم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج وقد تقتضي المرجحات عكس ذلك، فهل تطبق قواعد باب التزاحم او ان القضية محسومة فيقدم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر حتى اذا فرضنا ان وجوب الوفاء بالنذر واجد لبعض مرجحات باب التزاحم
وهذا الفرع فيه كلام كثير فبعضهم ذهب الى تقديم وجوب الوفاء بالنذر وبعضهم ذهب الى عكس ذلك
تقدم ان من جملة مرجحات باب التزاحم هو تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية وعلل هذا التقديم بأن الواجب المشروط بالقدرة العقلية وجوبه يكون فعلياً لأنه ليس مشروطاً الا بالقدرة التكوينية والمفروض تحققها في المقام واذا كان وجوبه فعلياً فهو يرفع موضوع الواجب المشروط بالقدرة الشرعية لأنه يصبح معجزاً للمكلف عن الإتيان بالواجب المشروط بالقدرة الشرعية وبانتفاء القدرة ينتفي الملاك فيرتفع وجوبه
اما اذا فرضنا ان كلاً من الواجبين المتزاحمين مشروطاً بالقدرة الشرعية الدخيلة في الملاك ففي هذا الفرض ذكر المحقق النائيني (قده) بأنه لا يخلو الامر إما أن يكون احدهما متقدماً على الآخر زماناً او لا، فاذا كان أحدهما متقدماً فيقدم المتقدم زماناً على المتأخر زماناً ولا تلحظ الاهمية وامثالها من مرجحات باب التزاححم ويمثل لذلك بالقيام لصلاة الظهر والقيام في صلاة العصر مع فرض أن المكلف غير قادر على الاتيان بهما معاً فيقع التزاحم بينهما فهنا يقدم ما هو متقدم زماناً لأن وجوب القيام في صلاة الظهر فعلي ولا مانع منه واذا كان وجوبه فعلياً ينتفي القيام في صلاة العصر لأنه غير قادر على الجمع بينهما واستثنى هنا حالة فقال نعم هذا المرجح انما يكون مرجحاً ونعمل به اذا لم تكن هناك جهة اخرى موجبة لتقديم أحد الواجبين على الآخر ولو كان متاخراً زماناً ومثل لذلك بهذا المثال الفقهي الذي نحن بصدد بيانه، فقال بالرغم من أن وجوب الوفاء بالنذر متقدم زماناً على وجوب الحج لأنه بحسب المثال نذر ان يبيت عند الحسين ليلة عرفة من شهر رمضاناً قبل الاستطاعة وبعد ذلك استطاع للحج فالنذر سابق زماناً على اشهر الحج وبالرغم من ذلك قال لا بد من تقديم وجوب الحج وذكر لذلك بياناً يصلح ان يكون تقريباً لتقديم وجوب الحج
وحاصله: صحيح اننا فرضنا أن كلاً منهما مشروط بالقدرة الشرعية ولكن وجوب الوفاء بالنذر يتميز بأنه مشروط بعدم استلزامه لتحليل الحرام، وهذا شرط اضافي موجود في وجوب الوفاء بالنذر وهذا يستلزم تقديم وجوب الحج عليه باعتبار أن الوفاء بالنذر يستلزم ترك الواجب أي يستلزم تحليل الحرام لأن ترك الحج حرام
فالمبيت في حد نفسه وبقطع النظر عن تعلق النذر به يستلزم ترك الحج، فالوفاء بالنذر يستلزم ترك الواجب
وحينئذ لا تشمله ادلة وجوب الوفاء بالنذر لانها مشروطة ان لا يكون الفعل المنذور مستلزماً لتنحليل الحرام أي لا يكون في حد نفسه مستلزماً لترك واجب او تحليل حرام، فادلة وجوب الوفاء بالنذر لا تشمل هذا النذر فلا ينعقد النذر فلا يكون مزاحماً لوجوب الحج فيجب عليه اداء الحج
ولا يصح العكس لأن الدليل الدال على وجوب الحج لا يشترط ان لا يكون مستلزماً لتحليل حرام او تحريم حلال
قد يقال بأنه لم لا نطبق المرجح المعروف وهو تقديم ما يكون مشروطاً بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية بأن ندعي أن وجوب الوفاء بالنذر مشروطاً بالقدرة العقلية ووجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية
اما ان وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية فان الآية تقول (( من استطاع اليه سبيلا)) بدعوى ان المراد بالاستطاعة في الآية هي الاستطاعة الشرعية وإن كان هذا محل كلام لأن الروايات تفسرها بالزاد والراحلة
بينما لم يشترط وجوب الوفاء بالنذر بالقدرة الشرعية
يقول المحقق النائيني ان وجوب الوفاء بالنذر ايضاً مشروطا بالقدرة الشرعية باعتبار ما التزم به من ان اشتراط القدرة بالتكليف يقتضيه طبع التكليف لأن التكليف يعني البعث وامكان البعث يلازم امكان الانبعاث واذا كان الفعل غير مقدور فلا يمكن البعث نحوه ولا يمكن التحريك نحوه فيختص التكيف بخصوص الحصة المقدورة
ووجوب الوفاء بالنذر يتبع المنذور سعة وضيقاً فإذا نذر الفعل على سعته فوجوب الوفاء يقول له يجب الوفاء بهذا النذر واذا نذر حصة خاصة فوجوب بالوفاء بالنذر يقول يجب عليك الوفاء بهذه الحصة ومن الواضح ان الانسان اذا نذر شيئا فطبيعة النذر يقتضي ان يتعلق بالفعل المقدور فالعاقل لا يلتزم امام الله سبحانه أن يأتي بحصة غير مقدورة، فنفس تعلق النذر بشيء يقتضي الاختصاص بالحصة المقدورة
فالحصة غير المقدورة خارجة عن حريم أدلة وجوب الوفاء بالنذر، وهذا يعني ان الملاك مختص بالحصة المقدورة وان ما لا قدرة عليه لا ملاك فيه وهذا هو معنى ان القدرة تكون فيه شرعية
بناء على اختصاص دليل وجوب الوفاء بالنذر بخصوص الحصة المقدورة فالملاك ايضا يختص بالحصة المقدورة فغير المقدور لا يرتفع عنه الخطاب فقط بل حتى الملاك يرتفع عنه
وحاصل كلامه ان المانع المتصور في المقام من فعلية وجوب الحج هو وجوب الوفاء بالنذر ولما كان وجوب الفاء بالنذر مشروطا بعدم كون متعلقه في نفسه محللا للحرام فلا يكون وجوب الوفاء بالنذر فعليا في محل الكلام لان متعلقه يستلزم ترك الواجب اي الحج اي يستلزم تحليل الحرام فلا ينعقد النذر ولا يجب الوفاء به فيرتفع المانع عن وجوب الحج فيكون وجوب الحج فعليا
وهذا البيان يمكن ان يبين بنحوين وكل منهما يصلح ان يكون دليلاً مستقلاً على تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر
البيان الاول: ان يقال بان كلاً منهما وان كان مشروطاً بالقدرة الشرعية بمعنى انها دخيلة في الملاك لكن القدرة الشرعية التي هي شرط في وجوب الحج بمعنى عدم الاشتغال بواجب آخر بينما القدرة التي هي شرط في وجوب الوفاء بالنذر هي بمعنى عدم الأمر بالخلاف
فيريد ان يقول بأن هناك فرق في القدرة الشرعية المأخوذة في الخطابين، فالقدرة الشرعية في خطاب وجوب الحج هي بمعنى عدم الاشتغال بواجب آخر ولكن القدرة الشرعية في وجوب الوفاء بالنذر بمعنى عدم الامر بالخلاف ومعه لا بد من تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر، فان وجوب الوفاء بالنذر مشروط بعدم الامر خلاف والمفروض انه امر بالخلاف فان الحج امر به بعد الاستطاعة فيرتفع وجوب الوفاء بالنذر، ولا يمكن العكس لأن وجوب الحج ليس مشروطاً بعدم الأمر بالخلاف بحسب الفرض بل هو مشروط بعدم الاشتغال بواجب آخر