42/03/28
الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم
التنبيه الرابع: التزاحم بين الواجب الموسع والمضيق، مثل اذا وقع التزاحم بين الصلاة والازالة مع افتراض ان الصلاة وقتها موسع
والكلام يقع في انه هل تطبق عليهما احكام باب التزاحم بحيث يقيد احدهما بعدم الاتيان بالآخر وفي محل الكلام يقيد الامر بالصلاة بعدم الاتيان بالازالة او لا؟
وكان احد مرجحات باب التزاحم هو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل وهناك ذكرنا انه لا يفرق في ما له بدل بين ان يكون البدل طولياً وبين ان يكون البدل عرضياً كما في الواجبات التخييرية كالاطعام في الكفارة واما البدل الطولي فكما هو الحال في محل الكلام في الواجب الموسع فالصلاة لها بدل بلحاظ عمود الزمان فيمكن للمكلف ان يترك الصلاة في الآن الاول ويأتي بها في الآن الثاني او الثالث
فاذا وقع التزاحم بين الصلاة وبين الازالة التي هي واجب مضيق يمكن تطبيق المرجح المتقدم ويقال بأنه يتقدم ما ليس له بدل على ما له بدل اي تتقدم الازالة في محل الكلام على الصلاة والظاهر أن أصل تقديم الواجب المضيق على الواجب الموسع مما لا اشكال فيه لأن الواجب الموسع له بدل فبامكانه ان ياتي ببدله ويجمع بينه وبين الواجب المضيق من دون فرق بين أن يكون الواجب الموسع أهم او مساوي في الاهمية او اقل اهمية كما هو الحال في المثال فمما لا اشكال في ان الصلاة اهم مع ذلك تتقدم الازالة عليها
والكلام يقع في انه هل يمكن الامر بالواجبين المضيق والموسع في عرض واحد، او لا يمكن ذلك الا بنحو الترتب بمعنى تقييد الامر بالصلاة بعدم الاتيان بالازالة ؟
اختار المحقق الكركي القول الاول فذهب الى امكان الامر بهما في عرض واحد بلا حاجة الى الترتب كما يؤمر بسائر الواجبات الاخرى التي لا يقع تزاحم بينها وعلل ذلك بان المكلف قادر على الجمع بين التكليفين لان الامر بالموسع يرجع الى الامر بالجامع بين افراده الطولية ومن الواضح ان المكلف يتمكن من امتثال الامر بالجامع والامر بالمضيق بأن يأتي بالصلاة في غير الفرد المزاحم للازالة، فالمكلف قادر على امتثال كلا التكليفين بان يزيل النجاسة وياتي بالصلاة في الفرد الاخر، وحينئذ لا يكون الامر بهما في عرض واحد محالاً
ولهذه النكتة -وهي ان الامر بالصلاة يتعلق بالجامع بين الافراد الطولية وان الامر لا يسري الى الافراد فلا يمكن ان نقول ان الامر تعلق بالفرد بخصوصياته الفردية وان كان الفرد مصداقاً للواجب ولذا لا يصح ان نقول بأن الصلاة في المسجد واجبة او ان الصلاة في الساعة الاولى واجبة بخصوصية كونها في الساعة الاولى- ذهب المحقق الثاني الى أن ثمرة النزاع في مسألة اقتضاء الأمر بالشي النهي عن ضده تظهر في هذه المسألة ففي بحث اقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده ذكروا انه بناء على القول بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فالضد اذا كان عبادة يقع باطلاً لتعلق النهي به، وفي محل كلامنا اذا قلنا بأن الازالة هي المقدمة فالأمر بالازالة يقتضي النهي عن ضدها وضدها هو الفرد المزاحم لها من الصلاة فعلى القول باقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده يكون هذا الفرد المزاحم منهياً عنه
وتخريجه يكون على اساس ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فالفرد المزاحم يكون منهياً عنه وهذا يوجب تقييد الطبيعة المأمور بها بغير هذا الفرد المزاحم لأن الامر بالطبيعة وان كان بحسب طبعه يقتضي السماح للمكلف بتطبيق الطبيعة على اي فرد من افرادها شاء ولكن هذا انما يصح اذا لم يكن هناك مانع كما هو الحال في الافراد العرضية للطبيعة اما اذا كان هناك مانع من تطبيق الطبيعة على فرد من افرادها كما اذا تعلق النهي بذلك الفرد فإنه بعد فرض تعلق النهي به يستحيل أن يقع مصداقاً للمأمور به وهذا معناه انه لا بد من تقييد الطبيعة بغير الفرد المزاحم
فالطبيعة المأمور بها تشمل سائر الافراد ولا تشمل الفرد المزاحم فاذا جاء به المكلف تقع الصلاة فاسدة لتعلق النهي به والنهي يقتضي الفساد، ولأنه ليس مصداقاً للطبيعة المأمور بها
وأما بناء على عدم الاقتضاء وأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده فهنا يقال بأنه لا موجب لفساد هذا الفرد اذا جاء به المكلف
لأن غاية ما يقتضيه الامر بالشيء هو عدم الامر بالفرد المزاحم لاستحالة الأمر بالضدين لا النهي عنه وحينئذ نقول بانه لا موجب لتقييد الطبيعة المأمور بها بغير الفرد المزاحم لأن الموجب لهذا التقييد هو تعلق النهي بالفرد المزاحم اما اذا لم يكن هناك نهي كما هو المفروض وانما غاية ما هناك هو عدم الامر به فلا موجب لتقييد الطبيعة المأمور بها بغير ذلك الفرد بل تبقى الطبيعة على اطلاقها فإذا جاء به المكلف تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها قهراً، وانما لا يؤمر به لأن الأمر به مع الامر بالواجب المضيق أمر بالضدين وهو محال
فلا مانع من انطباق الطبيعة المأمور بها عليه، بل لا بد أن تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها اذ لا فرق بينه وبين سائر الافراد باعتبار أن متعلق الأمر هو الطبيعة المجردة عن كل الخصوصيات والمميزات الفردية ومن الواضح أن الطبيعة المجردة تتساوى في نسبتها الى الافراد جميعاً فاذا كانت تنطبق على الفرد غير المزاحم فلا بد أن تنطبق على الفرد المزاحم
ويكون ما جاء به المكلف مجزياً لأن الميزان في الامتثال انطباق ما جاء به المكلف على المأمور به والمفروض في محل الكلام أن المأمور به ينطبق على ما جاء به المكلف
فعلى رأي المحقق الكركي يترتب أمران:
الاول: انه لا مانع من الامر بالصلاة في عرض الامر بالازالة من دون ان يكون مترتباً على الازالة
الثاني: انه يمكن تصحيح الصلاة اذا جاء بها المكلف وان كانت مزاحم للازالة بناء على عدم الاقتضاء فتكون هذه ثمرة لمسالة ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده او لا
وقد ناقش المحقق النائيني (قده) في هذا الرأي ولم يرتضه وذكر بان هذا الكلام انما يتم اذا قلنا بأن منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز، فانهم اختلفوا في منشا اعتبار القدرة في التكليف فالمعروف أن المنشأ هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز، والرأي الآخر يرى ان القدرة معتبرة في التكليف لاقتضاء نفس التكليف القدرة على المتعلق فإن نفس التكليف يقتضي اختصاصه بالقادر ولا يشمل العاجز باعتبار أن الغرض من التكليف هو تحريك المكلف نحو الاتيان بالمامور به او قل هو ايجاد الداعي عند المكلف للاتيان بالمأمور به ومن الواضح بأن ذلك ممكن اذا كان المكلف قادراً على الاتيان بالمتعلق، فنفس التكليف هو يقتضي الاختصاص بالقادر وعدم شموله للعاجز
وكلام المحقق الكركي (قده) مبني على الاول وأن منشأ اشتراط القدرة في التكليف انما هو بحكم العقل
فيقال بأن العقل لا يحكم على ازيد من القدرة على الواجب في الجملة ولو بالقدرة على بعض افراده فيكفي في صحة التكليف بالطبيعة ان يكون المكلف قادراً على فرد من افراد الطبيعة، والواجب الموسع في محل الكلام مقدور فلا يكون التكليف به قبيحاً لأن المكلف قادر على بعض افراده
وحينئذ تأتي الثمرة المذكورة فإن قلنا بالاقتضاء فهذا الفرد يقع باطلاً وإن قلنا بعدم الاقتضاء فهذا الفرد يقع صحيحاً
ويصح كلام المحقق الكركي (قده)
ولكن الصحيح هو المبنى الثاني بحسب نظر المحقق النائيني (قده)