الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/ تنبيهات التزاحم

كان الكلام في جريان التزاحم في الواجبات الضمنية، وقلنا بأن المحقق النائيني (قده) ذهب الى جريان التزاحم فيها كما هو الحال في الواجبات الاستقلالية، وخالفه في ذلك السيد الخوئي (قده) وقال بأن التزاحم بين الواجبات الضمنية يوجب وقوع التعارض بين ادلة هذه الواجبات وذكر في مقام مناقشته بأن نقطة الخلاف الرئيسية التي يبتني عليها الخلاف في محل الكلام تتمثل في أن الأمر بالمركب هل يسقط بتعذر بعض اجزاءه او لا؟

وكلام المحقق النائيني (قده) مبني على دعوى أن الامر بالمركب من أجزاء لا يسقط بتعذر بعض أجزائه فالاوامر الضمنية موجودة وملاك التزاحم موجود فيها كما هو الحال في الاوامر الاستقلالية باعتبار أن قدرة المكلف لا تسع امتثال كل منهما وهذا الملاك كما هو موجود في الواجبات الاستقلالية موجود في الواجبات الضمنية

والسيد الخوئي (قده) يرى بأن الامر بالمركب يسقط بتعذر بعض اجزاءه باعتبار انه مشروط بالقدرة ومن الواضح انه بتعذر أحد أجزاء المركب لا يكون المكلف قادراً عليه فمتعلق هذا الامر هو المجموع المركب من الاجزاء والمكلف غير قادر على المجموع فلا بد من فرض سقوط الامر بالمركب بتعذر بعض الاجزاء ومع سقوط الامر بالمركب تسقط الوجوبات الضمنية باعتبار انها وجوبات تحليلية فالعقل يحلل الامر بالمركب الى هذه الوجوبات الضمنية واذا سقطت الوجوبات لا معنى لفرض التزاحم بين اجزاء المركب اذ لا وجوب ضمني لها

واما اثبات أمر آخر بالباقي من الاجزاء بعد تعذر بعض الاجزاء فهو بحاجة الى دليل، والمفروض في محل الكلام عدم افتراض أمر آخر بالمركب من الاجزاء الباقية، فهذا وإن كان لا مانع من فرضه ثبوتاً لكنه لا دليل على وجود أمر بالباقي من الاجزاء، نعم ثبت الأمر في بعص الموارد وهو منحصر بباب الصلاة ففي باب الصلاة لو وقع التزاحم بين جزئين كما لو دار امر المكلف بين ترك الركوع وبين ترك السجود ففي هذه الحالة يدور الامر بين ان يجب على المكلف الاتيان بسائر الاجزاء مع احد الجزئين تعييناً او مع احدهما تخييراً، وهذا شك في التكليف يرجع فيه الى الاصل ومقتضى الاصل يثبت الجامع بين الجزئين فالمكلف مخير بين أن يأتي بسائر الاجزاء مع الجزء الاول او الثاني

والسيد الخوئي (قده) أدخل المقام في التعارض فيقع التعارض بين ادلة الواجبات الضمنية، والوجه فيه انه اذا قام الدليل على عدم سقوط الواجب بتعذر بعض اجزائه فالامر يدور بين ان يكون هذا جزءاً وبين أن يكون الجامع بينهما هو الجزء فالشك في ان الواجب على المكلف هل هو جزئية هذا من الصلاة او جزئية الاخر او جزئية الجامع بينهما وهذا شك في الجعل فيقع التنافي في عالم الجعل، ودخول المقام في باب التزاحم مبني على افتراض العلم بالمجعول والتنافي في عالم الامتثال واما اذا فرضنا الشك في المجعول فيقع التنافي بين دليلي الجزئين فيقع التعارض بينهما

والحاصل ان الامر بالمتعلق بالمجموع المركب يسقط بتعذر بعض اجزائه بلا اشكال اذ لا يعقل بقاءه حينئذ، ومع سقوطه تسقط جميع الاوامر الضمنية باجزاءه فاذا فرض قيام الدليل على عدم سقوط الواجب بذلك ووجوب الباقي فيشك في محل الكلام لا محالة في ان الامر المجعول للباقي هل هو مجعول للمركب من سائر الاجزاء وهذا الجزء او للمركب من سائر الاجزاء وذاك الجزء او للمركب منها ومن الجامع بين الجزئين فيكون الشك في اصل المجعول في هذا الحال وهذا يدخل في باب التعارض لأن التنافي بينهما في عالم الجعل لا في مقام الامتثال حتى يكون من باب التزاحم

وعلى كلا التقديرين سواء الطرح الذي ذكرناه او الذي يذكره السيد الخوئي فالباب ليس باب التزاحم ولا تطبق عليه قواعد باب التزاحم، بناء على ما ذكرناه من انه شك في التكليف يرجع فيه الى الاصول العملية ومقتضاه التخيير فيتخير المكلف بين الاتيان بهذا الجزء وبين الاتيان بالجزء الاخر ولا نلاحظ الاهمية، وعلى ما ذكره السيد الخوئي فالمقام يدخل في باب التعارض

مضافاً الى ان التزاحم بين الواجبين الاستقلاليين له لازم وهو فعلية كلا الوجوبين فالمكلف عندما يترك كلا الواجبين المتزاحمين يكون وجوب كل منهما فعليا في حقه ولذا قالوا بانه يؤمر بكل منهما على نحو الترتب

ففعلية كلا الامرين المتزاحمين عند عصيان كلا الواجبين من لوازم جريان التزاحم والترتب في الواجبات الاستقلالية وفي الواجبات الضمنية لا يعقل هذا اللازم فلا يعقل ان يبقى الواجبان الضمنيان فعليين في حالة ترك كلا الواجبين الضمنيين واذا بطل اللازم بطل الملزوم فلا يمكن ان يجري فيهما الترتب ففعلية كلا الامرين الضمنيين في حالة ترك كل منهما محال

والوجه في استحالة ذلك هو ان الوجوب الضمني لهذا الجزء والوجوب الضمني لهذا الجزء هي وجوبات ضمنية تحليلية منتزعة من الامر بالمركب فاذا فرضنا ان المكلف ترك كلا الجزئين يتحقق شرط كلا الامرين الضمنين وهو معنى الترتب ومعنى هذا ان الامر بالمركب من تمام الاجزاء يصبح فعلياً وهذا محال لان هذا طلب للجمع بين الضدين فيستحيل الامر بالركوع على نحو الترتب وكذلك يستحيل الامر بالسجود على نحو الترتب لانه يعني ان يكون الامر بالجزئين فعلياً في حالة ترك كلا الجزئين وهذا محال فالملزوم وهو دخول المقام في باب التزاحم وجريان الترتب فيه محال

قد يقال بأن هذا موجود في باب الواجبات الاستقلالية ايضاً فاذا ترك الصلاة والازالة اصبح وجوب كل منهما فعلياً وهذا يؤدي الى طلب الجمع بين الضدين في حالة عصيانهما معاً

واجابوا عنه بانه لا يلزم طلب الجمع بين الضدين وانما يلزم الجمع بين الطلبين من دون ان يكون ذلك طلباً للجمع بين الضدين فالآمر لا يريد من المكلف أن يجمع بين الضدين بل الواجب عليه أحدهما فعندما يطلب منه الصلاة فيفترض انه ترك الازالة ففي حالة ترك كلا الواجبين لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين وإن اصبح كل منهما فعلياً وبالتحليل فالمولى لا يريد منه الجمع بينهما

وهذا لا يكون في الواجبات الضمنية لأنه في الواجبات الضمنية يوجد أمر بالمركب واذا اصبح الوجوب الضمني في كل منهما فعلياً فمعناه ان الأمر بالمركب يصبح فعلياً وهذا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين