الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

كان الكلام في المورد الرابع وهو موارد اجتماع الامر والنهي، وذهب المحقق النائيني (قده) الى عدم جريان الترتب في هذه الموارد، فلا مجال للامر الترتبي بالصلاة عند عصيان الغصب

وذكرنا في توضيحه انه على القول بالامتناع في مسألة اجتماع الامر والنهي فالظاهر ان الامر يخرج عن باب التزاحم ويدخل في باب التعارض، كما انه على القول بالجواز بنكتة ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون فلا ينبغي الاشكال في وقوع التزاحم وامكان الامر الترتبي فيؤمر الصلاة مترتبة على عصيان الغصب

واما اذا قلنا بالجواز بنكتة ان تعدد العنوان يكفي في دفع محذور الاجتماع وان كان المعنون في الخارج واحداً فبناء على هذا القول نقول: استدل المحقق النائيني (قده) على عدم امكان الترتب بوجهين

الوجه الاول: ان عصيان النهي عن الغصب الذي علق عليه الامر بالصلاة يتحقق اما بالصلاة او بفعل اخر مضاد لها وعلى كلا التقديرين لا يمكن الامر بالصلاة مشروطاً بهذا العصيان؛ لأن العصيان إن تحقق بالصلاة فيلزم من الامر بالصلاة مشروطاً بتحقق العصيان طلب الحاصل لان العصيان يتحقق بالاتيان بالصلاة فهو طلب للحاصل

واما اذا كان العصيان متحققاً بفعل اخر كالمشي او النوم فيلزم من الامر بالصلاة مشروطاً بعصيان النهي طلب الجمع بين الضدين لان معنى حال كونه عاصياً للنهي هو حال كونه شارباً او ماشياً ففي حال الشرب يؤمر بالصلاة ولا اشكال في ان الصلاة والشرب امران متضادان لا يمكن الجمع بينهما

ويلاحظ عليه: ان الامر الترتبي بالصلاة معناه تقييد الامر بالصلاة بعصيان النهي عن الغصب، ويتحقق عصيان النهي عن الغصب بالغصب فيكون الامر بالصلاة مقيداً بالغصب، والغصب هو عبارة عن الكون في المكان المغصوب وهو جامع قد يتحقق في ضمن الحركة الصلاتية وقد يتحقق في ضمن الحركة غير الصلاتية كالمشي والاكل وهكذا باقي الافعال الوجودية المضادة للصلاة، فما علق عليه الامر بالصلاة هو الغصب وهو الجامع الذي قد يتحقق بالحركة الصلاتية وقد يتحقق بالمشي وامثاله ولا يراد بالغصب هذا الامر الوجودي الذي يتحقق به الكون في المكان المغصوب وهو الصلاة او ذاك الامر الوجودي وهو الاكل فلا يراد به احد هذه المصاديق

ومعنى ذلك ان الامر الترتبي بالصلاة يرجع في الحقيقة الى الامر بالصلاة مشروطاً بالغصب لا الى الامر بالصلاة مشروطاً بالصلاة حتى يلزم طلب الحاصل او ان الامر بالصلاة مشروط بالاكل او النوم حتى يلزم الجمع بين الضدين والنكتة في هذا ان التقييد بالجامع لا يسري الى افراده ومصاديقه كما يقال في الوجوب فهو اذا تعلق بالجامع لا يسري الى الافراد فلا نقول ان الصلاة في البيت واجبة بخصوصية كونها في البيت بمعنى اننا لا يمكن ان نقول ان الشارع قد اوجب الفرد، نعم اذا جاء المكلف بالفرد يسقط عنه الوجوب الذي تعلق بالجامع باعتبار ان الجامع يتحقق بالفرد

وفي محل الكلام الامر بالصلاة مقيد بالغصب وهذا التقييد لا يسري من الجامع الى فرده وهو الصلاة حتى يلزم طلب الحاصل او الى الاكل حتى يلزم طلب الجمع بين الضدين

هذا اجمالاً واما تفصيلاً فما ذكره الميرزا (قده) من المحذورين اما المحذور الاول وهو طلب الجمع بين الضدين فواضح انه مبني على ان الامر بالصلاة مشروط بتحقق احد هذه الافعال كالاكل والنوم وامثالها، ولكن هذا التصور غير صحيح باعتبار ان الامر بالصلاة ليس مشروطاً بأحد هذه الافعال الوجودية الخاصة وبناء على هذا حينئذ لا مانع من ان يؤمر بالصلاة على تقدير تحقق عصيان النهي عن الغصب ولا محذور في ذلك باعتبار ان المكلف عندما يكون في المكان المغصوب حتى اذا فرضنا ان الكون في المكان المغصوب قد تحقق في ضمن المشي فمن المعقول ان يؤمر بالصلاة لأنه قادر على ترك المشي والاتيان بالصلاة، فهناك فرق بين اشتراط الامر بالصلاة بالكون في المكان المغصوب وبين اشتراطه بأحد هذه الافعال الوجودية التي يتحقق بها هذا العنوان فإنه على الثاني يلزم هذا المحذور لوضوح انه لا يمكن ان يكون المكلف مصل عندما يكون ماشياً واما اذا كان الشرط هو الكون في المكان المغصوب فلا يلزم طلب الجمع بين الضدين لأن هذا الكون كما يتحقق بالصلاة يتحقق بغيرها من الافعال الوجودية، حتى اذا فرضنا ان الكون قد تحقق في أحد هذه الافعال الخاصة فلا يلزم من الامر بالصلاة طلب الجمع بين الضدين فيكون التخيل الذي بني عليه الكلام السابق هو ان الامر بالصلاة مشروط باحد هذه الافعال الوجودية الخاصة

واما محذور طلب الحاصل الذي يأتي عندما نتصور ان الغصب تحقق في ضمن الصلاة وهذا مبني على ان الكون في المكان المغصوب هو نفس الصلاة فاشتراط الامر بالصلاة بالكون يعني اشتراط الامر بالصلاة بنفس الصلاة فيلزم طلب الحاصل ولكنه ليس عين الصلاة بناء على الراي الصحيح من انهما متلازمان في الخارج ولهما ثالث وهو المشي والاكل وامثالها

ومن هنا لا يكون هناك مانع من الامر بالصلاة مترتباً على الغصب وان فرضنا ان الغصب تمثل بالصلاة باعتبار ان المكلف قادر على الصلاة عندما يكون في المكان المغصوب لانهما متعددان في الخارج

ان قلت ان المفروض في محل الكلام اننا نقول بالجواز بملاك كفاية تعدد العنوان وان كان المعنون متحداً في الخارج فالمفروض في محل الكلام انه في الخارج لا يوجد الا فعل واحد فلا يأتي الكلام انهما متلازمان

وحينئذ يأتي الكلام السابق وهو ان الامر الترتبي بالصلاة مقيد بالجامع والعنوان الكلي لا بالفرد، والتقييد بالجامع لا يكون تقييداً بالفرد نظير الامر بالكلي في الوجوب فهو لا يسري الى افراده

وحينئذ لا يلزم من هذا الاشتراط طلب الحاصل لأن التقييد لا يسري من الجامع الى الفرد، ولو تنزلنا وسلمنا انه لا يمكن ان يؤمر بالصلاة مترتباً على عصيان الغصب للزومه المحذور المذكور

نقول ان الترتب يمكن من الجانب الاخر اي من جانب النهي عن الغصب بأن يقال بان حرمة الغصب مشروطة بعصيان الامر بالصلاة، عندما تكون الصلاة اهم يكون الترتب من هذا الجانب فلا ينهى عن الغصب مطلقاً بل ينهى عنه مشروطاً بترك الصلاة فالترتب يكون معقولاً ولا يرد فيه شيء من المحاذير التي ذكرها المحقق النائيني (قده) فلا يلزم طلب الجمع بين الضدين ولا طلب الحاصل لأن فرض عصيان الامر بالصلاة لا يعني فرض الامتناع عن الغصب

وهناك وجه ثاني يذكره المحقق النائيني (قده) لا داعي لذكره

وقد تبين من خلال استعراض هذه الموارد الاربعة ان الترتب فيها ممكن ولا يخرج المقام عن باب التزاحم

التنبيه الثالث: ان التزاحم هل يجري في الواجبات الضمنية او لا يجري؟

حيث ذهب المحقق النائيني (قده) الى انه لا فرق بين الواجبات الاستقلالية وبين الواجبات الضمنية في تطبيق قواعد باب التزاحم عليها فكما نطبق قواعد باب التزاحم لو حصل التزاحم بين وجوب الصلاة ووجوب الازالة كذلك نطبق قواعد باب التزاحم فيما لو دار الامر بين القيام في الركعة الاولى وبين القيام في الركعة الثانية

وكذلك اذا دار الامر بين القيام وبين الطهارة من الحدث وهكذا يمكن تصور اوامر ضمنية بالشرط والجزء وبقيد الجزء ويمكن تصور عدم قدرة المكلف على امتثال هذه الاوامر الضمنية فيقع بينها التزاحم