الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم

كان الكلام في المورد الثالث من الموارد التي ادعي فيها عدم امكان الترتب وهو ما اذا توقف واجب نفسي على مقدمة محرمة مع افتراض ان الواجب اهم وقلنا بان التزاحم يقع بين الوجوب النفسي لذي المقدمة وبين الحرمة النفسية للمقدمة

ومن هنا يظهر ان التزاحم لا يتوقف على القول بوجوب المقدمة بل حتى اذا انكرنا وجوب المقدمة يقع التزاحم بين حرمة الغصب وبين وجوب الانقاذ

وبناء على ما تبناه صاحب الكفاية من وجوب المقدمة مطلقاً فالظاهر انه يقع التعارض بين دليل حرمة الغصب وبين دليل وجوب الانقاذ لانه مع القول بوجوب المقدمة مطلقاً لا يمكن جعل الحرمة للمقدمة لانه لا يمكن الجمع بين جعل حرمة المقدمة وبين وجوب الانقاذ لا جعلاً مطلقاً ولا جعلاً مشروطاً وهذا ما يحقق التعارض بين دليل حرمة الغصب ودليل وجوب الانقاذ

اما انه لا يمكن جعل الحرمة على المقدمة على الاطلاق فباعتبار انه يستلزم اجتماع الحرمة والوجوب في شيء واحد باعبتار ان الواجب ليس هو عنوان المقدمة بل هو واقع المقدمة باعتبار ان المقدمة حيثية تعليلية بمعنى ان الوجوب يثبت لواقع المقدمة باعتبار انها تتصف بهذا العنوان فواقع المقدمة يستحيل ان يكون حراماً

كما ان جعل الحرمة مشروطة بعصيان الامر بالانقاذ غير معقول لأن جعل الحرمة للمقدمة مشروطة بعصيان ذي المقدمة -وهو الانقاذ في المثال- يعني ان الحرمة مختصة بالمقدمة غير الموصلة، ولازم ذلك اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة، والمفروض ان هذا محال بناء على القول بوجوب المقدمة مطلقاً

مضافاً الى ما ذكرناه من انه اذا كان النهي عن المقدمة نهيا مترتبا على عصيان الوجوب النفسي للانقاذ يلزم ان يكون الغصب حراماً نفسياً وواجباً ًغيرياً وهذا محال

واذا كان مترتباً على عصيان الوجوب الغيري للمقدمة فهو محال لانه يعني النهي عن الغصب على تقدير ترك الغصب

ومن هنا يظهر انه على القول بوجوب المقدمة مطلقاً لا يمكن جعل الحرمة للمقدمة لا مطلقاً ولا مشروطاً بترك الانقاذ وهذا معناه ان الترتب غير ممكن على هذا القول

فالحرمة الترتبية تؤدي الى اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة والمفروض ان هذا محال على القول بوجوب المقدمة مطلقا

واما اذا قلنا بعدم وجوب المقدمة مطلقاً -كما هو الصحيح- او قيل بوجوب المقدمة الموصلة فالترتب ممكن على كلا القولين، بان ينهى عن الغصب على تقدير ترك الانقاذ ولا يلزم المحذور السابق على القول بعدم وجوب المقدمة فلا يجتمع في المقدمة الحرمة النفسية مع الوجوب الغيري اذ لا وجوب غيري للمقدمة، وكذلك على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا اجتماع لان المفروض في محل الكلام ترك الانقاذ، فقد افترض في النهي الترتبي ان المقدمة غير موصلة

فاذا ترك المكلف الانقاذ فالحرمة النفسية موجودة، لأن المفروض في الحرمة المترتبة على ترك الانقاذ ان المقدمة غير موصلة لانه يقول ان الاجتياز حرام عند ترك الانقاذ وعلى هذا تكون المقدمة الموصلة غير واجبة فلا يلزم اجتماع الحرمة النفسية مع الوجوب الغيري

بل ان النهي عن الغصب على نحو الترتب بالتحليل معناه اختصاص الحرمة بالمقدمة غير الموصلة

فالمقدمة غير الموصلة يمكن النهي عنها نهياً مطلقاً باعتبار انه لا تزاحم بين النهي عن المقدمة غير الموصلة وبين وجوب الانقاذ، فيترك الغصب الذي لا يؤدي الى الانقاذ ويأتي بالغصب الذي يؤدي الى الانقاذ واذا جاء به يمتثل الانقاذ فلا تزاحم بين حرمة المقدمة غير الموصلة ووجوب الانقاذ فالنهي عنها مطلق

واما المقدمة الموصلة فلا يمكن النهي عنها نهياً مطلقاً باعتبار ان هذا يستلزم التكليف بغير المقدور بعد فرض وجوب الانقاذ، اذ لا يمكن للمكلف الجمع بين امتثال وجوب الانقاذ وحرمة المقدمة الموصلة

ولكن هل يوجد تزاحم بين حرمة المقدمة الموصلة وبين وجوب الانقاذ حتى نعالجه بالحرمة الترتبية بان ينهى عن المقدمة الموصلة مشروطا بترك الانقاذ او ان بينها تعارض فلا تصل النوبة الى الترتب

قد يقال بأن بينهما تعارض فلا تصل النوبة الى الترتب باعتبار أن وجوب الانقاذ وحرمة المقدمة الموصلة امران متكاذبان لا يمكن جعلهما معاً بعد فرض توقف الانقاذ على هذه المقدمة، وهذا هو الميزان في التعارض، والترتب بينهما غير معقول لان معناه ان تكون حرمة المقدمة الموصلة مشروطة بترك الانقاذ وهذا غير معقول لان معنى ترك الانقاذ ان المقدمة غير موصلة فيكون مرجع هذا الكلام الى تحريم المقدمة الموصلة بشرط ان لا تكون موصلة

فيقع التعارض بينهما في عالم الجعل ولا تصل النوبة الى الكلام عن امكان الترتب وعدم امكانه

وفي المقابل يقال بعدم التعارض بين دليل وجوب الانقاذ ودليل حرمة المقدمة باعتبار ان الدليل الدال على حرمة المقدمة الموصلة لو كان مختصاً بالمقدمة الموصلة يكون ما ذكر وجيها لانه يقع التعارض بين الدليلين

واما اذا فرضنا ان الدليل يدل على حرمة المقدمة مطلقاً لا خصوص الموصلة منها، والدليل هو دليل حرمة الغصب فواضح انه لا تنافي بين دليل حرمة الغصب ودليل وجوب انقاذ الغريق فلا تكاذب بينهما لأن حرمة الغصب ليست مختصة بالغصب الذي يكون مقدمة لوجوب الانقاذ

لأن كلاً منهما مقيد بالمقيد اللبي الارتكازي وهو عدم الاشتغال بما لا يقل عنه اهمية والمفروض في محل الكلام ان الانقاذ اهم فتكون هذه الحرمة مقيدة بعدم الاشتغال بالاهم

ومن الواضح بأن هكذا حرمة للمقدمة مشروطة بترك الانقاذ لا تكون منافية لوجوب الانقاذ فليس بينهما تكاذب وتنافي في عالم الجعل