42/03/14
الموضوع: التزاحم/تنبيهات التزاحم
كان الكلام في المورد الثاني الذي ادعي فيه استحالة الترتب وبالتالي عدم دخول المورد في باب التزاحم وهو ما اذا كان الواجب الاهم متاخر زمانا عن الواجب المهم مع افتراض ان القدرة فيهما عقلية ومثاله كما اذا وقع التزاحم بين حفظ نفس المؤمن في اليوم القادم وبين حفظ ماله في هذا اليوم
وذهب المحقق النائيني (قده) الى تقديم الواجب المتأخر الاهم وعلله بان التزاحم يقع بين وجوب المهم المتقدم وبين وجوب حفظ القدرة للواجب الاهم المتأخر زماناً لأن المكلف اذا جاء بالمهم لا يتمكن من الاتيان بالاهم في زمانه واذا تحفظ على قدرته سوف يترك المهم ولا اشكال في تقديم وجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر لانه أهم من وجوب المهم لان وجوب حفظ القدرة تولد من وجوب المتأخر وحيث انه اهم فما يتولد منه يكون اهم من وجوب المهم
وانما يقع الاشكال في انه هل يمكن الالتزام بالترتب بمعنى ان يؤمر بالمتقدم مترتباً على عصيان الاهم المتاخر او لا؟
وهنا ذهب المحقق النائيني (قده) الى استحالة ذلك فلا يقع التزاحم بينهما بل في هذه الحالة يقال بتقدم وجوب الاهم على وجوب المهم، واستدل لاستحالة الترتب بان كل الوجوه التي يمكن تصورها للامر الترتبي بالمهم مستحيلة
الوجه الاول: ان يقال بان الامر بالمهم يكون مشروطاً بعدم اتيان الواجب المتأخر زماناً بان يكون عصيان الامر بالاهم في ظرفه شرطاً لتعلق الامر بالمهم المتقدم زماناً وهذا محال لانه يلزم منه الشرط المتأخر وهو محال عنده
النحو الثاني: ان يكون مشروطاً بعدم تعقب امتثال الاهم او قل بتعقب عصيان الامر بالاهم والتعقب شرط مقارن وليس شرطاً متأخراً وان كان التعقب ينتزع من عدم الاتيان بالاهم في ظرفه، وهذا محال لانه وان كان التعقب شرطاً مقارناً الا انه لا يدفع محذور التنافي بين الامر بالمتقدم وبين الامر بحفظ القدرة على امتثال الواجب الاهم المتأخر زماناً، مع ان هذا التقييد بحاجة الى دليل في المقام
النحو الثالث: ان يكون الامر بالمهم مشروطاً بعصيان خطاب وجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر زماناً وحيث ان وجوب حفظ القدرة اهم لانه تولد من الخطاب الاهم فيمكن ان يؤمر بالمهم مترتباً على عصيان خطاب وجوب حفظ القدرة وهو شرط مقارن والدليل عليه نفس الدليل الدال على الترتب والمفروض اننا فرغنا من القول بامكان الترتب
ومع ذلك هذا محال باعتبار أن عصيان وجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر زماناً اما ان يتحقق بان يصرف القدرة بنفس الواجب المتقدم او انه يتحقق بفعل اخر مضاد لهما وتقييد الامر بالمهم بعصيان وجوب حفظ القدرة في كل منهما محال، لان العصيان إن تحقق بفعل الواجب المتقدم يلزم من هذا الوجه طلب الحاصل وهو محال لان المفروض ان عصيان وجوب حفظ القدرة يتحقق بالاتيان بالمهم فلا معنى لأن يؤمر بالاتيان بالمهم مشروطاً بعصيان الامر بحفظ القدرة فإن معناه ان الامر بالمهم مشروط بالاتيان بالمهم
واما اذا كان العصيان يتحقق بالاتيان بامر آخر فهذا محال لانه يلزم منه طلب الضدين فإن معنى قوله انه يأمر بالواجب المهم مشروطاً بعصيان وجوب حفظ القدرة وهذا العصيان يتحقق بفعل آخر مضاد لهما وهذا معناه انه يؤمر بالمهم مشروطاً بالاتيان بالضد الثالث وهذا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين فانه اذا جاء بالضد لا يمكنه الاتيان بالمهم لانهما متضادان
فالعصيان لا بد ان يتحقق اما بالاتيان بالمهم او بالاتيان بضد اخر، والامر بالمهم مشروطاً بعصيان وجوب حفظ القدرة على كلا الاحتمالين محال
الوجه الرابع: ان يكون مشروطاً بالعزم على عصيان الواجب المتأخر وهو شرط مقارن وهذا ايضاً محال لانه اذا كان الشرط هو العزم على العصيان لا نفس العصيان يلزم منه طلب الجمع بين الضدين لان كلاً من الامر بالمتقدم والامر بالمتأخر يكون فعلياً، اما ان الامر بالمتقدم فعلي فواضح لتحقق شرطه فانه اذا عزم على عصيان الواجب الاهم يكون الامر بالمهم فعلياً واما الامر بالاهم فانه يكون فعلياً باعتبار ان المفروض انه لم يعص فعلاً بل عزم على العصيان وانما يسقط الامر بالاهم اما بالاطاعة او العصيان وهذا لا يتحقق الا في ظرفه المتأخر زماناً واما العزم على عصيانه فمن الواضح انه لا يوجب سقوطه واذا كان كل منهما فعلياً لزم من ذلك طلب الجمع بين الضدين وبناء على هذا لا يمكن الترتب في المقام بالنسبة الى الامر بالمهم فيما لو كانا طوليين ويتعين في هذه الحالة حفظ القدرة لامتثال الواجب الاهم المتأخر زماناً
ويلاحظ عليهاولاً: بالنسبة الى ما ذكره لاستحالة الوجه الاول فهو مبني على القول باستحالة الشرط المتأخر ولا يجري على القول بامكان الشرط المتأخر، نعم هو بحاجة الى دليل فمجرد امكان الشرط المتأخر لا يعني وقوعه، وقالوا بان الدليل موجود في محل الكلام وهو ان العقل يحكم بلزوم التحفظ على خطاب المولى وعدم رفع اليد عن الخطاب الشرعي مع تمكنه من التحفظ عليه، فاذا وقع في ضرورة وكانت الضرورة تتادى برفع اليد عن اطلاق الخطاب فالضرورة تقدر بقدرها فيرفع اليد عن اطلاق الخطاب ويبقى اصل الخطاب
فالخطاب الشرعي لا يجوز رفع اليد عن اصله ولا عن اطلاقه الا اذا اقتضت الضرورة ذلك واذا كانت الضرورة تقتضي رفع اليد عن اطلاق الخطاب فيكون رفع اليد عن اصل الخطاب بلا مبرر، وفي محل الكلام وقع التزاحم بين الواجبين فاذا كان احدهما اهم فلا بد من الاخذ به وتقديمه على المهم بان نرفع اليد عن خطاب المهم
وهنا يأتي الكلام فهل يرفع اليد عن اصل خطاب المهم او نرفع اليد عن اطلاقه، والضرورة تقتضي رفع اليد عن اطلاقه لانه اذا رفعنا اليد عن اطلاقه لحالة الاشتغال بالاهم يبقى الخطاب مقيداً بعدم الاشتغال بالاهم وهذا هو معنى الترتب
فيكون الامر بالمهم مشروطاً بعدم الاشتغال بالاهم وهذا هو معنى الترتب ولذا قالوا بان الترتب لا يحتاج الى دليل بل الدليل هو حكم العقل هذا فاذا كانت الضرورة تتأدى برفع اليد عن اطلاقه فلا داعي لرفع اليد عن اصل الخطاب فاذا قلنا بامكان الترتب وكون الامر بالمهم اذا كانا طوليين مقيداً بعصيان الواجب الاهم في ظرفه لان اطلاق خطاب المهم لحالة الاشتغال بالواجب الاهم في ظرفه محال فيسقط هذا الاطلاق