الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في المثال الثاني وهو ما اذا توقف الوضوء على مقدمة محرمة كما اذا كان الماء المباح في الاناء المغصوب وكان الوضوء بهذا الماء يستلزم التصرف في المغصوب، وفرض الانحصار في محل الكلام بحيث لا يتمكن المكلف من أن يتوضأ بماء آخر

وايضاً فرض ان يكون الوضوء هو الوضوء المتعارف بالاغتراف من الماء ويغسل وجهه ويديه لا بالارتماس فهو موجب لبطلان الوضوء بلا اشكال كما ان المفروض ايضاً ان الوضوء لا يعد تصرفاً في الاناء المغصوب فانه عبارة عن الغسلات والمسحات وهو غير أخذ الماء من الاناء المغصوب الذي يعد تصرفاً في الاناء المغصوب والا لو عد الوضوء تصرفاً يدخل في مسألة الاجتماع فإن نفس الحركة الوضوئية تكون مصداقاً للوضوء وللغصب الحرام فيما اذا عد الوضوء تصرفاً في الحرام

وايضاً لا بد ان نفترض ان المكلف لا يتمكن من اخذ الماء لتمام وضوءه من الاناء دفعة واحدة فانه اذا استطاع اخذه دفعة واحدة ووضعه في اناء اخر سيكون حينئذ واجداً للماء وقادراً على التصرف فيه فلا اشكال في صحته فالامر بالوضوء يشمله حينئذ لانه قادر على الوضوء حينئذ عقلاً وشرعاً بعد ان ارتكب الحرام واخرج الماء من الاناء المغصوب

فكلامنا مع افتراض هذه الامور، وفي محل الكلام ذهب جماعة منهم المحقق النائيني (قده) الى بطلان الوضوء واستدلوا على ذلك بان الوضوء بمقتضى الاية السابقة مشروط بوجدان الماء اي بالقدرة على استعماله عقلاً وشرعاً فمع حرمة اخذ الماء من الاناء باعتباره تصرفاً في الاناء المغصوب يكون المكلف غير قادر على الوضوء شرعاً وان كان قادراً عليه عقلاً وتكويناً والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً فيرتفع الامر بالوضوء لانه مشروط بالقدرة عقلاً وشرعاً فلا امر بالوضوء فلا يكون الوضوء حينئذ مشروعاً فاذا جاء به يقع باطلاً لان المفروض ان القدرة دخيلة في الملاك فمع عدم القدرة لا ملاك فيه

واجاب السيد الخوئي (قده) عن هذا الكلام بان ما ذكره المحقق النائيني (قده) من بطلان الوضوء في محل الكلام مبني على القول بأن القدرة المعتبرة في الوضوء المركب من اجزاء تدريجية الحصول لا بد ان تكون فعلية وثابتة في بداية العمل على كل العمل بما له من اجزاء قبل الشروع في العمل، وبناء على هذا يصح ما ذهب اليه المحقق النائيني (قده)

لان المكلف ليس قادراً على الوضوء قبل الشروع فيه اذ يحرم عليه أخذ الماء من الإناء ، نعم عندما يدخل في الوضوء ويأخذ الماء لغسل يده مثلا فبعد ان يأخذ الماء ويرتكب الحرام يكون قادراً على غسل يده شرعاً، وعقلاً لكن هذه القدرة تتحقق بعد ارتكاب الحرام فانه بعد ان ارتكب الحرام يسقط النهي بالعصيان، وهذه القدرة لا تكفي فلا بد ان يكون المكلف قادراً قبل الشروع بالامتثال على جميع اجزاء الوضوء التدريجية الحصول وهنا هو ليس قادراً عليها شرعاً لأن الشارع يمنعه من أخذ الماء من الاناء

نعم بعد ان يعصي ويخالف النهي الشرعي عن الغصب ويأخذ الماء حينئذ يصبح قادراً على الوضوء عقلاً وشرعاً لكن هذه القدرة تتحقق حين الامتثال اما قبل الشروع في العمل فالمكلف ممنوع من أخذ الماء من هذا الاناء والمفروض الانحصار فيكون المكلف غير قادر على الوضوء شرعاً

واما اذا قلنا بان القدرة المعتبرة والدخيلة في ملاك الوضوء هي القدرة في ظرف العمل والاتيان بالواجب ولا دليل على اعتبار القدرة قبل الشروع بالعمل، فالعقل لا يعتبر الا القدرة على العمل في ظرف الامتثال

ومن هنا فالصحيح هو ان القدرة ليست معتبرة قبل الشروع بالعمل وانما يكفي فيها القدرة على الواجب حين الاتيان به فيكفي في القدرة على غسل اليد اليسرى ان يكون قادراً عليها حين الشروع بالعمل وهو قادر عقلاً وشرعاً على ذلك لان المنع الشرعي سقط بالعصيان

فاذا قلنا بهذا المبنى، وقلنا بامكان الشرط المتأخر فهو ممكن بل لا بد ان نلتزم به في الواجبات المركبة الارتباطية من اجزاء طولية بمعنى ان وجوب الاجزاء السابقة يكون مشروطاً بالاتيان بالاجزاء المتأخرة على نحو الشرط المتأخر، وقلنا بامكان الترتب، ونحن نقول بكل هذه الامور فحينئذ يمكن تصحيح الوضوء بالماء الذي اخذه تدريجاً من الاناء المغصوب باعتبار ان القدرة تتجدد عند كل جزء من اجزاءه بالعصيان وارتكاب الحرام

وحيث انه يعلم انه سوف يأخذ الماء الى ان يكمل وضوءه فهو يعلم بان القدرة على غسل سائر الاجزاء ستتحقق بعد ارتكاب الحرام بشكل تدريجي وفي هذه الحالة لا مانع من الامر بالوضوء بعد العلم بتحقق القدرة في ظرف الامتثال ويكون الامر بالوضوء حينئذ مترتباً على عصيان النهي عن الغصب ويكون وجوب الاجزاء السابقة مشروطاً بالقدرة على الاجزاء اللاحقة في ظرفها بنحو الشرط المتأخر

والحاصل انه لا فرق بين ان تكون القدرة على جميع اجزاء الواجب من الابتداء بالواجب وتبقى وبين ان تحدث القدرة في ظرف الاتيان بالواجب وبناء عليه يكون الوضوء مأموراً به لأن المكلف واجد للماء وقادر على استعماله عقلاً وشرعاً لأن المراد بالقدرة هي القدرة في ظرف الامتثال حتى اذا لم يكن قادراً من البداية بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة وهذا معناه انه يمكن تصحيح الوضوء في محل كلامنا

وما ذكره السيد الخوئي (قده) صحيح وتام اذا فرضنا ان القدرة المعتبرة في الوضوء كانت قدرة تكوينية او بمعنى عدم الاشتغال بضد واجب فيمكن تصحيح الوضوء حينئذ بالامر الترتبي اذا توضأ على شكل دفعات سواء كانت القدرة المعتبرة تكوينية او بمعنى عدم الاشتغال بالاخر

واما اذا قلنا بان القدرة المعتبرة في الوضوء بمعنى عدم الامر بضد واجب فكلامه لا يكون تاماً