الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في التنبيه الاول وفيه نبحث عن انه هل يشترط في باب التزاحم ان يكون التضاد بين الواجبين اتفاقياً لا دائمياً او لا يشترط ذلك؟

ذهب المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) الى انه يشترط ان يكون اتفاقياً فاذا كان دائمياً يدخل في باب التعارض

وقلنا بان التضاد الدائمي له صورتان فتارة نفترض ان الواجبين من الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون واخرى نفترضهما من اللذين لهما ثالث كالقيام والقعود

ومن هنا قلنا بانه لا ينبغي الاشكال في دخول ما اذا كان التضاد اتفاقياً في باب التزاحم وخروجه عن باب التعارض وبينا السبب في ذلك، كما انه لا ينبغي الاشكال في دخول ما اذا كان التضاد دائمياً وكانا من الضدين اللذين لا ثالث لهما في باب التعارض

ويبقى الكلام في صورة ما اذا كان التضاد دائمياً وكانا من الضدين اللذين لهما ثالث فهل يدخل هذا في باب التزاحم او في باب التعارض؟

قد يقال بدخوله في باب التزاحم بالحاقه بالتضاد الاتفاقي باعتبار ان التكليف بالواجبين على نحو البدل معقول ولا محذور فيه فان التكليف بكل منهما مشروط بترك الاخر ليس في ذلك محذور لزوم طلب تحصيل الحاصل، فيمكن الامر بالضدين معاً على نحو البدل

فحينئذ يامر بالقيام مشروطاً بترك القعود ويامر بالقعود مشروطاً بترك القيام

هذا اذا كانا متساويين بالاهمية واما اذا كان احدهما اهم فالامر بالاهم مطلق والامر بالمهم مقيد بعدم الاشتغال بالاهم

ولكن الصحيح هو وقوع التعارض في هذه الصورة الا ان التعارض انما يقع بين اطلاقي الدليلين لا بين نفس الدليلين

وما يثبت بما تقدم هو عدم التعارض بين اصل الدليلين ولا يثبت به عدم التعارض بين اطلاقي الدليلين باعتبار ان كل واحد منهما مشروط بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم فاذا كانا متساويين بالاهمية فيقيد كل منهما بعدم الاشتغال بالاخر وان كان احدهما اهم فيقيد الاخر بعدم الاشتغال بالاهم دون العكس وعلى كلا التقديرين لا تعارض بينهما

ولكن هناك تعارض بين اطلاقي الخطابين بمعنى ان اطلاق الدليل الاول لحالة الاشتغال بالاخر واطلاق الاخر لحالة الاشتغال بالاول امران متكاذبان ولا يعقل افتراض وجودهما معاً، نعم المعقول وجود اطلاق احد الخطابين

فالاطلاقان بينهما تكاذب ويستحيل افتراضهما فيتعارضان وفي هذه الحالة لا بد من تطبيق قواعد باب التعارض على الاطلاقين فاذا كان مرجح من مرجحات باب التعارض في احد الاطلاقين يقدم على الاطلاق الاخر وحينئذ لا بد من تقييد الاطلاق الاخر بعدم الاشتغال بالاول

واما اذا فرضنا عدم وجود مرجح من مرجات باب التعارض في احدهما فالقاعدة تقتضي التساقط فنلتزم بسقوط كلا الاطلاقين في الدليلين واذا سقط الاطلاقان في الدليلين فلا موجب لسقوط اصل الدليلين فيبقى اصل الدليلين وهما غير متعارضين؛ لان بقاء كل منهما مختصاً بصورة عدم الاشتغال بالاخر لا محذور فيه فيلتزم بثبوت حكمين مشروطين حينئذ

التنبيه الثاني: والغرض منه استعراض موارد ذكرت باعتبار انه يستحيل الترتب فيها واذا استحال الترتب تخرج من باب التزاحم لان التزاحم مشروط بامكان الترتب

وتقدم معنى التزاحم وانه التنافي بين الحكمين في مقام الامتثال وهو ينشأ من ضيق قدرة المكلف عن امتثال التكليفين معاً وهذا التزاحم انما يخرج عن باب التعارض الحقيقي اذا توفر شرطان:

الشرط الاول: امكان الترتب بان يكون الوجوب في احدهما مجعولاً على تقدير عصيان الوجوب الآخر والوجوب في الآخر مجعول على تقدير عصيان الاول او يكون الترتب من طرف واحد لو كان احدهما اهم

الشرط الثاني: الالتزام بما تقدم من المقيد الارتكازي اللبي في كل خطاب بان نلتزم بمنع اطلاق كل خطاب لحال الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية

فاذا التزمنا بكلا الامرين حينئذ تخرج موارد التزاحم عن باب التعارض باعتبار انه لا يوجد حينئذ اي تنافي بين الجعلين اذا كانا ينتجان حكمين مشروطين على نحو الترتب

اما اذا فرضنا اننا قلنا باستحالة الترتب فسوف يدخل التنافي بين الدليلين في باب التعارض حتى اذا فرضنا الالتزام بالشرط الثاني وان الدليلين مقيدان بالمقيد اللبي بان يكون كل واحد منهما مقيد بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية

فيقع التكاذب بين الدليلين حينئذ لانه اذا قلنا باستحالة الترتب وان قلنا بالمقيد اللبي الارتكازي سوف يكون الجعلان انه يجب القيام اذا ترك القعود ويجب القعود اذا ترك القيام

فهذان جعلان متكاذبان في مقام الجعل لان هذا يؤدي الى فعلية كلا التكليفين في فرض العصيان اي ترك الاشتغال بكل منهما لتحقق شرط فعلية كل منهما وهذا محال وهذا معناه ان التنافي يسري الى عالم الجعل بمعنى انه يستحيل ثبوت خطابين مشروطين بهذا الشكل لأن هذين الخطابين المشروطين يؤديان في حالة العصيان الى فعلية المجعول في كل منهما وهذا محال

اما اذا قلنا بامكان الترتب فان هذين الخطابين المشروطين لا ينتجان فعلية كلا التكليفين في ان واحد لان الترتب يعني فعلية الاول على تقدير ترك الاخر فكل منهما مشروط بعصيان الاخر فلا يكون التكليف حينئذ فعلياً اذا ترك المكلف كلا التكليفين، انما يلزم ذلك اذا قلنا باستحالة الترتب

وعلى هذا الاساس اشترط في خروج باب التزاحم عن باب التعارض امكان الترتب

وفي هذا التنبيه نستعرض الموارد التي ادعي فيها عدم امكان الترتب، وحينئذ تخرج عن باب التزاحم وتدخل في باب التعارض