الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

ذكرنا بان التخيير في حالة التساوي بين الواجبين المتزاحمين دائماً هو عقلي سواء كانت القدرة المأخوذة فيهما شرعية او عقلية

وانما يفترقان من جهة تعدد العقاب ووحدته بمعنى ان الواجبين اذا كانا مشروطين بالقدرة العقلية فلا يتعدد العقاب بخلاف ما اذا كانا مشروطين بالقدرة الشرعية بمعنى دخالة عدم الاشتغال بالاخر في الملاك

وقلنا في مقام توضيح الفرق بينهما من جهة تعدد العقاب ووحدته بناء على ان الميزان في تحقق العصيان واستحقاق العقاب هو تفويت الملاك اللزومي على المولى

فالمكلف اذا ترك كلا الواجبين المتزاحمين معاً فان كانت القدر عقلية ليست دخيلة في الملاك فالعبد لم يفوت على المولى الا احد الملاكين اللزوميين واما الملاك الاخر ففواته قهري لا بد منه اذا استوفى احد الملاكين

وعليه لا نستطيع ان نقول بانه فوت على المولى ملاكين لزوميين

واما بناء على ان القدرة شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالاخر، فيكون الاشتغال باحدهما رافعا الملاك عن الثاني

فالمكلف اذا تركهما معاً يكون قد فوت على المولى كلا الملاكين فيتعدد العقاب، لانه لا يكون فوات احدهما قهرياً لان المكلف يتمكن من عدم تفويت كلا الملاكين بان يمتثل احدهما فانه لا يكون قد فوت على المولى لا ملاك الواجب الذي اتى به ولا ملاك الواجب الاخر لان المفروض انه لا ملاك له عند الاتيان بالاول فهو لم يفوته

فاذا تركهما معاً يكون قد فوت على المولى ملاكين لزوميين لانه كان يمكنه ان لا يفوت على المولى الملاكين ولم يفعل ذلك وحينئذ يتعدد العقاب

ويتبين مما تقدم بأن التخيير في حالة التساوي بين الواجبين المتزاحمين وعدم وجود ما يوجب الترجيح بينهما عقلي دائماً سواء كانت القدرة عقلية او شرعية نعم لا يتعدد العقاب اذا كانت القدرة عقلية ويتعدد العقاب اذا كانت القدرة شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالاخر

 

تنبيهات باب التزاحم

التنبيه الاول: هل يشترط في باب بالتزاحم واجراء احكام التزاحم ان يكون التضاد والتنافي بين الواجبين المتزاحمين امرا اتفاقيا لا دائميا من قبيل التزاحم بين الصلاة وازالة النجاسة، او التضاد بين انقاذ الغريقين؟

ذهب المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) الى انه يشترط في باب التزاحم ان يكون التضاد والتنافي بين الواجبين اتفاقياً وبناء على امكان الترتب يلتزم بالترتب من الجانبين اذا كانا متساويين بالاهمية وفي حالة ما اذا كان احدهما اهم من الآخر فالترتب يكون من جانب المهم ويبقى خطاب الاهم مطلقاً

فجعل تكليفين من هذا القبيل معقول

واما اذا كان التضاد بينهما دائمياً كالحركة والسكون والجهر والاخفات فقالوا بانه حينئذ يدخل في باب التعارض، وهذا ينبغي ان يكون واضحاً في ما اذا كان المتزاحمان من الضدين اللذين لا ثالث لهما كما مثلنا، واما اذا كان التنافي دائمي بين الواجبين لكنهما من الضدين اللذين لهما ثالث يرتفعان فيه من قبيل الاسود والابيض والقيام والقعود ففي هذه الحالة فهل يقال بان هذه الحالة تدخل في باب التعارض او نلحقها بالتنافي الاتفاقي فتدخل في باب التزاحم ؟

اما دخول المقام في باب التزاحم لا في باب التعارض اذا كان التضاد اتفاقياً فينبغي ان يكون واضحاً لأن الميزان في التعارض هو التنافي والتكاذب في عالم الجعل بين الدليلين

والتزاحم لا تكاذب فيه بين دليلي الحكمين في عالم الجعل وانما يتزاحمان في مقام الامتثال فاذا كان التضاد بين الواجبين اتفاقياً فواضح انه لا تعارض لانه يعقل في عالم الجعل جعل تكليفين غاية الامر انهما يجعلان على نحو مشروط لا على نحو مطلق فيكون كل واحد منهما مشروطاً بترك الآخر فيما اذا كانا متساويين في الاهمية واذا كان احدهما اهم فخطاب المهم مشروط بينما خطاب الاهم مطلق فلا تعارض بينهما وانما يتزاحمان في مقام الامتثال

فجعل تكليفين مشروطين لا محذور فيه بناء على امكان الترتب

وكذا دخول المقام في باب التعارض عندما يكون التنافي بين الواجبين دائمياً ولا يكون هناك ضد ثالث لهما كالجهر والاخفات

لانه لا يمكن جعل تكليفين من هذا القبيل لا مطلقا لانه يستلزم منه طلب الجمع بين الضدين وهو محال كالجمع بين الضدين، ولا على نحو مشروط لانه طلب للحاصل فلا معنى لان يقول له اجهر اذا لم تخفت لانه عند عدم الاخفات يكون الجهر ضروري الحصول،

فلا نتعقل جعلين من هذا القبيل لا على نحو الاطلاق ولا على نحو مشروط وانما يعقل جعل تكليف واحد ولذا يحصل التكاذب بين دليلي الحكمين في مقام الجعل فيدخل المقام في باب التعارض

والميزان كلما امكن جعل التكليفين بنحو مطلق او بنحو مشروط فلا تعارض بين الدليلين، وفي كل مورد يوجد تكاذب بين جعل التكليفين بنحو مطلق او بنحو مشروط كما في الضدين في حالة التنافي الدائمي وكون الضدين من الضدين اللذين لا ثالث لهما فيدخل في باب التعارض

واما اذا كانا من الضدين اللذين لهما ثالث فهل يدخل في باب التزاحم او يدخل في باب التعارض او هل يلحق هذا بالتضاد الاتفاقي او يلحق بالتضاد الدائمي في صورة كون الضدين مما لا ثالث لهما ؟