الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

قلنا بانه يمكن الترجيح بالاسبقية الزمانية في موارد ذكرنا موردين

المورد الثالث: ما اذا كان لكل من الواجبين المتزاحمين بدل شرعي كما في مثال القيام في الصلاة وبدله الجلوس فاذا فرضنا ان المكلف عجز عن القيام في كلا الركعتين او في كلا الصلاتين بان كان متمكناً من القيام في احدهما

ففي محل الكلام يقال يتعين على المكلف أن يأتي بالقيام المتقدم زماناً فيرجح المتقدم زماناً على المتأخر زماناً والوجه في ذلك هو ما يقال من ان الدليل الدال على تشريع البدل في حال العجز عن المبدل لا يشمل القادر على القيام فعلاً والمكلف في الركعة الاولى قادر على القيام فعلاً فلا معنى لان يشمله دليل البدل الاضطراري فلا يكون البدل الاضطراري مشرعاً في حقه فلا يجوز ان يصلي الركعة الاولى جالساً واذا صلاها قائماً يصبح عاجزاً عن القيام في الركعة الثانية فيشمله دليل البدل الاضطراري وهذا معناه تقديم الاسبق زماناً

ومن هنا يظهر بان الترجيح بالاسبقية الزمانية مع عدم فرض وجود قرينة على حالات خاصة غير تام

الى هنا يتم الكلام عن مرجحات باب التزاحم

هل التخيير بين الواجبين المتزاحمين المتكافئين عقلي او شرعي؟ :

في حالة عدم وجود ما يوجب ترجيح احد الواجبين المتزاحمين على الاخر بان يكون الواجبان متكافئين ففي هذه الحالة لا اشكال في ثبوت التخيير بينهما

وانما وقع الكلام في ان هذا التخيير هل هو تخيير عقلي بمعنى ان الحاكم به هو العقل او انه تخيير شرعي بمعنى ان الحاكم به الشارع

والتخيير العقلي يكون في ما اذا فرضنا انه كان هناك خطابان من الشارع بالضدين ويكون كل واحد منهما مشروطاً بعدم الاشتغال بالآخر، فالحاكم بالتخيير هو العقل باعتبار ان العقل يدرك امتناع الترجيح من دون مرجح

واما التخيير الشرعي بمعنى أن يكون الشارع هو الحاكم بالتخيير بينهما فيما اذا كان هناك خطاب واحد شرعي مفاده التخيير بينهما فلا يوجد خطابان شرعيان وكل واحد منهما مشروط بعدم الاشتغال بالآخر حتى يكون العقل هو الحاكم بالتخيير بينهما، والموجود بحسب الادلة وان كان خطابين ولا يوجد في الادلة خطاب تخييري ولكن اذا استطعنا ارجاع الخطابين الى خطاب واحد يكون التخيير شرعياً

وتظهر ثمرة البحث في مسألة تعدد العقاب ووحدة العقاب في صورة ترك كلا التكليفين فبناء على ان التخيير عقلي فيستحق عقابين لان المكلف عصى خطابين شرعيين بالواجبين المتزاحمين بنحو مشروط فاذا تركهما معاً يكون شرط كل من الوجوبين فعلي لانه تركهما معاً فيصبح الوجوبين فعليين فيتعدد استحقاق العقاب على المكلف عندما يترك كلا الواجبين

بينما لو قلنا بان التخيير شرعياً فيستحق عقاباً واحداً لانه عصى خطاباً واحداً مفاده وجوب احدهما

ونسب الى المحقق صاحب الحاشية والى المحقق الرشتي (قدهما) ان التخيير بينهما شرعي واستدلا على ذلك بانه لا اشكال في استحالة اجتماع الخطابين التعيينيين في حالة التزاحم لان المكلف غير قادر على امتثثالهما معاً ولا ينبغي الاشكال في ان ترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح وهو محال لان المفروض تساويهما من جميع الجهات ولازم ذلك انهما يسقطان معاً لاستحالة بقائهما واستحالة ترجيح احدهما على الاخر، وحيث ان الملاك في كل من الفعلين تام وفعلي فالعقل هنا يستكشف خطاباً شرعياً تخييرياً متعلقاً بهذين الفعلين والا يلزم تفويت الملاك الملزم وهو قبيح على الحكيم

والمكلف وان كان غير قادر على تحصيل كلا الملاكين اللزوميين ولكنه قادر على تحصيل احدهما، وعلى ضوء هذا يستكشف العقل وجود خطاب شرعي تخييري والا يلزم تفويت ملاك فعلي ملزم وهذا بلا مبرر وقبيح بالنسبة للحكيم

ولوحظ عليه ان المستحيل ليس هو ثبوت اصل الخطابين بل هو اطلاق كل واحد من الخطابين لحالة الاشتغال بالاخر لان اطلاق كل من الخطابين لحال الاشتغال بالاخر يعني بقاء الخطابين التعيينيين على حالهما وهو محال والا فبقاء اصل الخطاب من دون فرض الاطلاق ليس محالاً، فاصل الخطابين باقي ولكن نرفع اليد عن اطلاقه لحالة الاشتغال بالآخر فيبقى اصل الخطاب ويشمل صورة عدم الاشتغال بالاخر لان بقاء الاطلاق لحالة الاشتغال بالاخر محال فاصل ثبوت الخطاب من دون اطلاق لا محذور فيه

فالساقط بسبب التزاحم هو اطلاق كل من الخطابين ولا موجب لسقوط اصل الخطابين

فالنتيجة اشتراط كل واحد منهما بعدم الاشتغال بالاخر فيكون عندنا خطابين مشروطين بعدم الاشتغال بالآخر فيكون التخيير بينهما عقلياً لا شرعياً كما نقل عن المحققين

والمحققان افترضا ان الساقط في حال التزاحم هو اصل الخطابين فياتي العقل ويقول لا يمكن تفويت ملاك ملزم فيستكشف وجود خطاب شرعي تخيري فيكون الحاكم بالتخيير هو الشارع

وجوابه ان الساقط ليس هو اصل الخطاب لان الخطابين يجتمعان والساقط هو اطلاق الخطاب لان المحال هو اطلاق كل منهما لحالة الاشتغال بالاخر

فيختص كل واحد منهما بصورة عدم الاشتغال بالاخر، فيحصل نتيجة ذلك خطابان شرعيان مشروطان بعدم الاشتغال بالاخر والعقل يحكم بالتخيير بينهما فيكون التخيير عقلياً لا شرعياً